القضية الفلسطينية ومشكلة القيادة في فتح وحماس ..ياسر عبد العزيز

0
فى الأسبوع الماضى، أعادت حركة «فتح» انتخاب الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبومازن) قائداً عاماً لها،

وهو أمر يعنى ببساطة تثبيت الأوضاع الفلسطينية على ما كانت عليه منذ اندلاع الصراع بين «فتح» و«حماس» فى منتصف العقد الفائت.
بتثبيت عباس، البالغ من العمر 81 عاماً، الذى يعانى من مشكلات صحية، وتتراجع شعبيته باطراد، فى منصبه على رأس الحركة، تظل احتمالات تحقيق اختراق فى الملف الفلسطينى بعيدة، وتتعزز العوامل التى أدت بالقضية الفلسطينية إلى الانزواء بعيداً عن مركزها التقليدى فى بؤرة الاهتمام العربى على مدى أكثر من ستة عقود.

بسبب تراجع قدرات القيادة فى «فتح»، وشعبوية «حماس» ونزعتها السلطوية، والصدام بين الحركتين، تتعمق جراح القضية الفلسطينية، وتخسر رصيداً كل يوم.

لقد تراجعت أهمية القضية الفلسطينية فى العناوين الإخبارية، وأجندات القادة، والعلاقات الدولية والإقليمية؛ وهو أمر خطير بكل تأكيد، لكن الأخطر منه والأشد أثراً أن تلك القضية فقدت الكثير من زخمها فى الوعى الجمعى للشعوب العربية وغيرها من شعوب العالم الصديقة.

لم تعد القضية الفلسطينية قادرة على الحفاظ على لقب «قضية العرب المركزية»، ولم يعد بوسعها أن تحتل مساحات الاهتمام اللائقة فى المحادثات السياسية، وجداول الزيارات الرسمية، والمؤتمرات الأممية، وتظاهرات الشوارع.

ورغم أن إسرائيل لم تتوقف عن ممارسة سياساتها العدوانية والتوسعية والتهويدية بحق الشعب الفلسطينى وأرضه ومقدساته، فإن العالم بات أقل اهتماماً بتسليط الضوء على تلك الممارسات، وأقل رغبة فى إدانتها، وهذا الأمر يشمل الدول العربية كذلك، بشكل يتناقض تماماً مع الوضع الذى كانت عليه تلك القضية على مدى نحو 60 عاماً.

فلماذا تدهورت مكانة القضية الفلسطينية، وتراجعت أهميتها؟

انطلقت أعمال المؤتمر العام السابع لحركة «فتح» فى رام الله، يوم الثلاثاء الفائت، حيث استطاع أعضاء الحركة انتخاب قائد، وتسمية أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثورى، وهو ما يعنى إعادة تشكيل القيادة بشكل كامل، لكن المؤتمر والانتخابات كليهما لم يأت بجديد؛ إذ تم تثبيت الأوضاع على ما كانت عليه.

والواقع أن أفدح المشكلات التى تعانيها القضية الفلسطينية لا تنحصر كما هو سائد فى النزاع بين «فتح» و«حماس» على السلطة، وتدخل أطراف إقليمية، مغرضة أو نزيهة، لإدارة الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى لمصلحتها، والاستهداف الإسرائيلى العسكرى والسياسى والاستخباراتى والإعلامى للمقاومة الفلسطينية، وتآمر الدول الكبرى على القضية انحيازاً للدولة العبرية أو خوفاً من نفوذها فقط، وإنما تشمل تلك المشكلات أيضاً حقيقة أن الشعب الفلسطينى بات اليوم شعباً بلا قيادة. سيمكنك، إذا أردت، أن تعدد أسماء العشرات، بل المئات، من الناشطين والمناضلين الفلسطينيين أصحاب التاريخ الناصع فى المقاومة والعمل الوطنى والرؤى الواضحة حيال الصراع وسبل حله، لكن واحداً منهم لا يستطيع إقناعنا باستحقاقه للزعامة أو قدرته على النهوض بأعبائها.

لم يحدث على مر التاريخ أن نجح شعب، مهما توافرت له القدرات وتيسرت السبل، فى نيل حقوقه الوطنية أو التخلص من الاستعمار أو تحقيق الحرية وإزاحة الظلم والقهر من دون أن تكون له قيادة وطنية بارزة تحظى بقدر من التوافق والاصطفاف خلفها، وتتمتع بقدر مناسب من الشرعية والتأييد الطوعى من شعبها.

ورغم أن جزءاً كبيراً من أسباب النزاعات الفلسطينية – الفلسطينية الراهنة يعود إلى وفرة كمية فى الزعماء، وهى الوفرة التى مكّنت كل فصيل من تصور وجوب تفعيل رؤاه والسير على منهجه، فإن قائداً واحداً لا يكاد يظهر على الساحة متمتعاً بالقبول والمصداقية فضلاً عن القدرة والشرعية اللازمة لتولى القيادة.

لم تترك إسرائيل جريمة مهما كانت مروعة إلا وارتكبتها فى حق الشعب الفلسطينى، ولم تترك باباً يمكن أن تنفذ منه إلى حيث تضعف الفلسطينيين وتشل قدرتهم على الفعل، وتمحو أثرهم من المنطقة والعالم إلا وولجته، ومع ذلك فيبقى أكبر نصر لها، وأفدح هزيمة للفلسطينيين، أنها عملت بجهد وتدبير محكمين لتوصلهم إلى حيث باتوا شعباً بلا قائد.

اليوم يعرف الجميع لماذا كان التخلص من عرفات على رأس الأولويات الإسرائيلية، ولماذا قُتل خليل الوزير (أبوجهاد) فى 1988، ولماذا اغتيل صلاح خلف (أبوإياد) فى 1991، ولماذا سُجن مروان البرغوثى العام 2002، وغيره من قادة المقاومة الفلسطينية البارزين، ولماذا حرصت إسرائيل على القضاء على كل بادرة قيادة تظهر بين مناضلى المقاومة الفلسطينية، ولماذا سارعت الحكومات الإسرائيلية، وبعض الأصدقاء والحلفاء فى المنطقة والعالم، لاقتراح زعماء أقل نزاهة ورشداً، أو قبولاً وكاريزماتية، أو تسامحاً وعقلانية وانفتاحاً، وتركهم للتناحر والتنازع على سمعة القضية ومستقبلها.

لن تفضى جهود المصالحة الفلسطينية إلى شىء ذى بال، ولن يستقيم الحال لـ«فتح» أو «حماس»، ولن يحقق الشعب الفلسطينى طموحه إلى الكرامة والسيادة والحرية دون قيادة تبدو الآن غائبة وصعبة المنال.

اليوم نشهد تنافساً على قيادة «فتح»، بين الرئيس عباس والقيادى المفصول من اللجنة المركزية دحلان، وهو تنافس يكلف القضية الفلسطينية أثماناً كبيرة، ويعكس تنافساً إقليمياً ودولياً وإرادة غير فلسطينية وغير عربية فى جوانب منه.

عند المقارنة بما كانت عليه الأوضاع فى ظل قيادة عرفات، لا يبدو أن القيادات الفلسطينية الحالية قادرة على الوفاء بالحد الأدنى من متطلبات القيادة.

الإشكال الأكبر يكمن فى أن الفائز فى هذا التنافس لن يحل مشكلة غياب القيادة على المستوى الوطنى، فى ظل الشقاق، لأنه سيبدأ معركة مع «حماس» أو مع «الانقسام الفلسطينى» حسبما سيصوغ العلاقة مع الشقيق اللدود المهيمن على غزة.

بسبب الانقسام بين «فتح» و«حماس» تتضرر القضية الفلسطينية، وتفقد زخماً واعتباراً وأنصاراً كل يوم تقريباً.

إن الانقسام الفلسطينى يكرس تحول القوى الوطنية الفاعلة إلى أدوات لدول ومصالح داخل الإقليم وخارجه؛ وهو أمر يخصم من قدرة هذه القوى على تحقيق المصلحة الوطنية، كما يقلص وجاهتها والاعتبار المعنوى الذى تتمتع به.

لقد أضرت الانتفاضات العربية التى اندلعت مع مطلع العقد الحالى بالقضية الفلسطينية ضرراً كبيراً، ليس فقط لأنها سحبت الضوء عنها، ولا لأنها شغلت دولاً عربية رئيسة بقضايا الحفاظ على بقائها على حساب القضية الفلسطينية، ولكن أيضاً لأنها جعلت من تلك القضية «مشكلة ثانوية»، ونقلتها من على شعلة الموقد العربى الأمامية إلى شعلة أخرى خلفية أقل حرارة ووهجاً.

يأتى فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، ليضيف سبباً جديداً لتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية وإضعاف مركزها السياسى والمعنوى، فى ظل انحياز اليمين الأمريكى الواضح لمصلحة إسرائيل.

تضيف «داعش» وتنظيم «الإخوان» أسباباً وجيهة لإضعاف القضية الفلسطينية، خصوصاً على المستوى الدولى، حين يتم الربط بين ذرائع «حماس» وأيديولوجيتها وبين أداء «داعش» أو مرجعية «الإخوان».

لتلك الأسباب الخمسة باتت القضية الفلسطينية أضعف وأقل تمتعاً بالزخم والاهتمام، وهو أمر يجب الخروج منه عبر تصليب قيادة قادرة وفعالة، وإنهاء الانقسام بين أبناء الشعب الفلسطينى وسياسييه.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار