حول جبهة النضال الشعبي
تعتبر جبهة النضال الشعبي الفلسطيني واحدة من أقدم القوى السياسية والعسكرية الفدائية التي تشكلت في سياق النهوض الوطني الفلسطيني الكبير في الثورة المعاصرة، فقد تأسست في مدينة القدس بعد احتلالها الكامل، على يد رعيل من المناضلين الفلسطينيين من التيارات القومية العربية،
خصوصا بعض قادة حركة القوميين العرب في القدس والضفة الغربية والأردن ومن أعضاء قياديين سابقين في حزب البعث العربي الاشتراكي انضموا إليها بعد وقت قصير من انطلاقتها كالمناضل بهجت أبو غربية وصدر بيان تأسيسها الأول في مدينة القدس في يوليو 1967، حيث دعت إلى المقاومة الشعبية العارمة في وجه الاحتلال واعتماد كل الأساليب الممكنة على ضوء الإمكانيات المتوافرة وحرضت على القيام بالإضرابات والمظاهرات ومقاطعة العدو، في الوقت الذي كانت فيه الجبهة تعمل على تدريب أعضائها على المقاومة المسلحة، وتحث الخطى باتجاه مباشرة العمل المسلح.
وبحكم انتماء غالبية مؤسسيها في الداخل الفلسطيني إلى حركة القوميين العرب، جرى التواصل مع قيادات الحركة في الأردن، وتحديدا مع : الدكتور سمير غوشة، خالد عبد المجيد، العميد الركن أبو جمال عسكر، والشهيد الرائد فايز محمود حمدان الذي استشهد في غارات القصف الإسرائيلي التي استهدفت مواقع حركة فتح في مناطق السلط الأردنية في أغسطس 1968، علما بان الرائد فايز حمدان كان قائدا في قوات العاصفة التابعة لحركة فتح بحكم رتبته العسكرية وعلاقته مع حركة فتح، وعدم وجود قوات عسكرية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني آنذاك، سوى وجود معسكرات تدريب في الساحة الأردنية.
في العام 1968انتمى بهجت أبو غربية (أبو سامي) عضو القيادة القومية في حزب البعث العربي الاشتراكي إلى جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، بعد أن كان قد غادر صفوف حزب البعث عام 1963، اثر تشكل المحاور والاستقطاب داخل الحزب، وعمل بحكم موقعه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها،
وبحكم علاقته مع رئيسها المرحوم احمد الشقيري على إنهاء علاقة جبهة النضال بحركة فتح، بعد أن أوقفت الدعم عنها، وحاولت دمجها وضمها إلى صفوفها، وعليه أصبح بهجت أبو غربية العنوان الأول لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعضو اللجنة المركزية لحركة المقاومة الفلسطينية وهي اللجنة التي تشكلت كقيادة ميدانية لحركة المقاومة في الأردن في أعقاب الجولة الأولى من الصدام المسلح التي جرت مع النظام الأردني عام 1968.
وبعد انضمامه لجبهة النضال، صاغ بهجت أبو غربية منطلقات جبهة النضال الشعبي الفلسطيني تحت عنوان الميثاق، الذي حدد رؤية الجبهة السياسية باعتبارها تنظيماً قومي الجذور والنشأة.
وبمقدار ما وجدت جبهة النضال من حضور وفرته لها قياداتها التاريخية خصوصا بهجت أبو غربية باعتباره من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، فإنها واجهت بالمقابل مصاعب فلسطينية داخلية من نوع آخر، منها محاولة حركة فتح احتوائها داخل مؤسسات الحركة وحل صيغتها، فوقعت في لبنان اشتباكات مسلحة بين جبهة النضال وحركة فتح منذ العام 1969، فعمل بهجت أبو غربية على حل الإشكالات مع حركة فتح، حتى اتخذت منظمة التحرير بمبادرة من حركة فتح، قرارا بتجميد عمل جبهة النضال الشعبي الفلسطيني على الساحة اللبنانية، لكنه بقي حبرا على ورق.
نفذت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني العملية الفدائية الأولى يوم 24/12/1967 وذلك بنسف الإرسال الإذاعي والتلفزيوني الإسرائيلي في مدينة بيت لحم، وصدر البيان العسكري الأول لها باسم منظمة النضال الشعبي الفلسطيني. ثم توالت عملياتها الفدائية حتى شملت مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، تطبيقا لمبادئها وإستراتيجيتها في الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية.
وأقامت علاقة تنسيق عالية مع قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني بقيادة العقيد عبد العزيز الوجيه، والعقيد بهجت الأمين، والعقيد سمير الخطيب. وأصبحت تقوم بعملياتها العسكرية تحت عنوان فرقة النضال الشعبي التابعة لقوات التحرير الشعبية، وعلى هذا الأساس تزودت الجبهة بالعتاد العسكري من جيش التحرير الفلسطيني.
وتمكنت من توسيع دائرة علاقاتها مع سوريا التي زودتها بالعتاد، وساعدتها على افتتاح أول قاعدة عسكرية لها في غوطة دمشق (بلدة جسرين) ومكنتها من نشر مجموعاتها الفدائية على امتداد هضبة الجولان، بينما حصلت على الدعم المالي من حزب البعث في العراق.
وبحكم علاقاتها الجيدة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تمكنت الجبهة من إيفاد دفعتين من فدائييها إلى مصر، حيث أنجزت إحداها دورة عسكرية خاصة في معسكر حلمية الزيتون، بينما أنجزت دورة صاعقة ثانية تحت إشراف وتدريب الجيش المصري لأربعين عضواً من أعضاء الجبهة في معسكر أنشاص في مصر. وبعد العام 1975 توطدت العلاقة الخاصة بين الجبهة وكل من ليبيا والعراق، فحصلت على دعم مالي وتسليحي متميز ومعها فصائل قوى الرفض الفلسطينية.
وفي إطار علاقاتها الدولية، بدأت جبهة النضال بفتح دائرة الاتصالات مع الدول الاشتراكية منذ العام 1975، الأمر الذي سهل أمامها سبل الحصول على منح التدريب العسكري والمنح الدراسية. وأغلقت مقرات ومواقع الجبهة في سوريا عام 1974 بعد انضمام جبهة النضال لتحالف قوى الرفض، والشكوك السورية بشان علاقات جبهة الرفض مع النظام العراقي،
وقيام الجبهة من خلال هويات لأعضائها بتسهيل حركة كوادر الجبهة الشعبية في سوريا إبان الحظر السوري على نشاط الجبهة الشعبية في الساحة السورية. وعادت جبهة النضال إلى دائرة افتتاح مقراتها ومعسكراتها والعمل العلني في سوريا عام 1978.
تميزت علاقة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني مع قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعملت مجموعات منها على حماية الرادار المصري في منطقة الشوبك الأردنية قرب مدينة الكرك، وهو الرادار الذي كان يؤمن تغطية للطيران المصري أثناء عملياته فوق شمال شرق سيناء وجنوب فلسطين،