ليلى عسيران…ايقونة فلسطين ولبنان.. قدرة ليلى أنها المرأة العربية التي استطاعت اقتحام عالم الفدائيين الرجال: نزيه ابو نضال صباح هذا اليوم 18/5/2008،

0

وقبل أن أكتب هذه الكلمات كنت أتنقل بين مواقع الانترنت، بحثا عن معلومات حول الكاتبة الفلسطينية نازك يارد، لكتابي الكاشف الفلسطيني، وفجأة!! انفجر بوجهي الخبر التالي:
ليلى عسيران: ندوة تكريمية في ذكرى رحيلها الأولى، يشارك فيها رئيس تحرير «السفير» طلال سلمان، إميلي نصر الله، نازك يارد. وتديرها نرمين الخنسا.
الجمعة 14 ك1، 2007، 6 مساءً ، معرض الكتاب في بيروت.
لم أكن أعلم برحيلها سوى الآن!! فيا لأوجاع القلب حين يبكي بلا دموع.. فما الذي فعله فينا ذلك الأب القاسي حين علمنا زاجراً: “الرجال لا يبكون”!
الحزن يليق بليلى .. وها أنت هنا تحزن مرتين: حزن من فقد إنساناً عزيزاً، وحزن الندم العميق لأنك لم تبحث عنها وهو حية كما يجب، رغم بعض المحاولات العرجاء، بل إنك لم تعرف حتى بخبر موتها حين ماتت.. فأي حزن يحتمل القلب المعذب بالندم!
فهل تغفرين (يا أخ ليلى) ؟! هكذا كان يحب أن يناديها الفدائيون في زمن الفداء.. زمن طهارة القلب واليد والسلاح .. زمن الوفاء الذي يكاد يضيع.. فـ “حيّاك الله يا ليلى”.. تلك كانت شيفرتنا المشتركة.. وليكن ذكرك مؤبدا..وكل العزاء للعزيزين الدكتور أمين الحافظ والمهندس رمزي.
***
كانت ليلى تحضر دائماً كلما كتبت عن المرأة أو عن الكتابة النسوية الروائية، كما قي كتابي “تمرد الأنثى” ثم “حدائق” الأنثى”.
ليلى عسيران لم تكن مجرد مبدعة لبنانية، صاحبة عشرة روايات، ولكنها كانت مناضلة استثنائية.. فقد غادرت قصرها وزوجها أمين الحافظ الأستاذ الجامعي والنائب البرلماني عن طرابلس ثم رئيس وزراء لبنان الأسبق، كما غادرت ابنها رمزي، كي تقيم في قواعد الفدائيين في الأغوار، وتعبر معهم “خط الأفعى” أي نهر الأردن، نحو فلسطين، في أكثر من عملية فدائية.. ثم لتكتب واحدة من أجمل روايات المقاومة (خط الأفعى).
وبعدها في السبعينيات اللبنانية، ومع انفجار الفتنة في 13 نيسان 1975، حين فجر الكتائبيون باص عين الرمانة، واصلت ليلى، ورغم مرضها القاتل، دورها في صفوف الثورة وعملت على حمايتها ونصرتها، واستخدمت حتى سيارة زوجها رئيس وزراء لبنان آنذاك، مستعينة بالحصانة الدبلوماسية، كي توصل السلاح للمحاصرين في مخيم جسر الباشا.. ثم لتكتب عن هذه التجربة في روايتها “قلعة الأسطى”.
وبعد سنوات أيضاً تتجه جنوباً، وهي ابنة الجنوب أصلاً، مع مناضلي المقاومة اللبنانية، تعيش بين صفوفهم وتكتب روايتهم في مجابهة المحتلين الصهاينة وعملائهم اللحديين، وسجلت تجربتها في روايتها “جسر الحجر”.
وكانت قد سجلت تجربتها الحزبية القومية أيام دراستها الجامعية في روايتها “لن نموت غداً.
ثم لتسجل بعد ذلك سيرة حياتها كلها في كتاب “شرائط ملونة”.. هذا مجرد بعض من ليلى عسيران ايقونة فلسطين ولبنان!!
ولقد ربطتنا صداقة عميقة منذ زمن الأغوار الأردنية، نهاية الستينيات، ومع الأيام اللبنانية تواصلنا في علاقات أسرية إنسانية شبه يومية، على مدى سنوات طويلة، وكانت معنا الصديقة د. سلوى العمد، ولم يبترها سوى الخروج القسري من بيروت، عام 1982، إلى أرض المنافي.. فيما تنقلت هي بين ابنها رمزي الحافظ المهندس في الولايات المتحدة وبين زوجها في بيروت.
وخلال سنوات الانقطاع الطويل كنت كلما ذكرت ليلى عسيران في مقال أو كتاب أتساءل هل سيتاح لليلى أن تقرأ ما أكتبه عنها، تعبيراً عن تقدير عميق لإبداعها الإنساني والروائي والنضالي؟!! لم أكن أعلم برحيلها الفاجع بعد غيبوبة طويلة لم تفق منها إلا كي تسجلها في رواية “الغيبوبة” ثم لتغيب بعدها إلى الأبد..
***
لاحظت من خلال الأطلال على عالم ليلى عسيران الإنساني والروائي ثلاثة تحولات أساسية:
* تحول ليلى عسيران اللبنانية إلى مريم الفلسطينية.
* انسلاخ ليلى ابنة عائلة عسيران الإقطاعية المعروفة في الجنوب لتنتمي إلى فقراء المخيمات والجنوب الذين يصنعون جسد الثورة ومادتها الفدائية.
* قدرة ليلى، وهي المرأة العربية، على اقتحام عالم الفدائيين الرجال، والعيش في قواعدهم وعبور النهر معهم!
إن مثل هذه التحولات العميقة والهامة تحتاج إلى نقطة بداية أو لحظة انفجار فكيف بدأ التحول؟ ليلى عسيران ترفض أن تصيغ تجربتها الحياتية في قوالب نظرية وفكرية وتؤمن بأن التدفق العفوي الصادق هو دائماً أقرب إلى الحقيقة. تقول ليلى عسيران في حوار أجريته معها في بيروت ونشر في جريدة اللواء بداية الثمانينيات:
“بعد هزيمة حزيران 67 مباشرة صادفت جهة الحمام العسكري في بيروت تجمعات من الناس تجمع اللباس والمعونات من أجل النازحين الفلسطينيين.. يومها عدت إلى البيت أبكي، شعرت بداخلي يتفجر ويهتز بصور التاريخ المشرق للشعب الفلسطيني الذي طالما قرأنا عن نضاله العنيد، قلت يومها: هؤلاء الناس أصحاب حق ومؤمنون بقضيتهم، لماذا نحولهم إلى شحاذين؟! ولعل الجماهير الفلسطينية منذ تلك اللحظة قد قررت أن تحمل السلاح وتقاتل، ولم يتأخر الوعد إذ أخذنا نتابع أخبار الفدائيين الذين يدخلون الأرض المحتلة فيهاجمون قوات العدو العسكرية ويخربون منشآته الاقتصادية وسرعان ما تواصلت مع هؤلاء الفدائيين ورأيت بأم عيني كيف أن هذا النازح المسلوب من كل شيء بات يرفض البطانيات والثياب المستعملة فيندفع إلى مخيمات التدريب العسكرية ليرتدي “المموه الفدائي”، ويعبر النهر باتجاه فلسطين.
لقد تعلمت الكثير من تجربة التحول هذه، وتعمقت تجربتي في قواعد الفدائيين في الأغوار بكل ما تمثله من قدسية وشرف وقيم بطولة ونضال، وبكل ما تمثله كذلك من طقوس وعادات يومية وعلاقات إنسانية وثورية. أذكر على سبيل المثال أنني دخلت، في إحدى المرات، قاعدة عسكرية وكان في ركن منها بطانية وعليها منديل، ولما أردت الجلوس عليها منعت، فسألت عن هذه البطانية؟ فأجابوا: لفدائي استشهد يوم أمس ولن ينام عليها إلا من يقوم بعمل بطولي كصاحبها. هكذا كانت تتكرس قيم وتقاليد القواعد الفدائية في “الغور”، وهناك حين كنا نتبادل الأحاديث، انسى بأنني امرأة وهم ينسون أيضاً، فأولئك المنذرون من أجل قضية الوطن يحسون ويفكرون بطريقة مختلفة. في هذه القواعد الفدائية عشت وتعلمت استخدام السلاح ورافقت المقاتلين وهم يعبرون نهر الأردن أو “خط الأفعى” باتجاه الأرض، وكنت أرى وأحس بنفسي لحظة الارتعاش الرائعة حين يتلاقى جسد الفدائي بجسد الأرض.
هذه هي التجربة أو التجارب التي حولت ليلى عسيران إلى مريم الفلسطينية، غير أن عملية اقتلاع هائلة لا تلبث أن تقذف بفدائيي الأغوار إلى بيروت ومن بينهم “أبو الليل” بطل “خط الأفعى”، وتدخل معادلات الصراع في تعقيدات شديدة فتولد “قلعة الأسطى” أو قلعة الزعتر فتموت مريم.. إلا أن “أبو الليل” لا يلبث أن يولد ابناً لأدهم “بطل تل الزعتر” بشارة إلى استمرار مسيرة فدائيي الأغوار باتجاه فلسطين.. ذلك أن مريم لا تموت كما جاء في الكتب، ولكنها تبعث من جديد، مثل طائر الفينيق من قلب الرماد والحريق.

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار