كان ذلك زمن الفدائيين… زمن فرانكو فونتانا! الفدائئ الذي يعانق بندقيته التي لا تباع ولا تهدى ولا تؤجر…

0

 

قد لا يعرف الكثير من الفلسطينيين فرانكو فونتانا، كما قد لا يعرفه أو نسيه أو تناسته حتى قيادات سياسية مشغولة بالتباسات اللحظة والموقف.
لهذا… أليس من المعيب أن تُرفع في شوراع فلسطين ومدنها صور رؤساء وأمراء كأردوغان وحكام الخليج وغيرهم بينما تغيب صورة فرانكو فونتانا.

فرانكو فونتانا، المقاتل الإيطالي الجميل، الفدائي الأممي الفلسطيني الشاهق، كان فدائيا من ذلك الزمن البهي… زمن الفدائيين… قاتل الى جانب المقاومة الفلسطينية لمدة 22 عاما، باع خلالها كل أملاك والده وكل ما ورثه عنه وقدمها للمخيمات الفلسطينية .. اشتهر بدقة تصويبه في سلاح راجمات الصواريخ الكاتيوشا .. عرف باسم جوزيف ابراهيم…توفي في لبنان عام 2015 … كانت وصيته أن يدفن في فلسطين أو في أحد المخيمات الفلسطينية…

هذا الفدائي الإيطالي هو الذي قال: “قد أموت ولا أرى تحرير فلسطين ولكن ابنائي أو أحفادي حتما سيرون تحريرها وعندها سيعرفون قيمة ما قدمته لهذه الارض الطيبة .. ولهذا الشعب الصلب”.

كان زمن فرانكو فونتانا هو زمن الفدائيين… أذكر ذلك الزمن جيدا… حينها كان الفدائي اقرب للمقدس، يمضي نحو أقداره بكامل عفويته، لا يهمه إن عاد حيا أو عاد مستشهدا… سيبكي الرفاق “دمعتين ووردة..” ويواصلون السير نحو الأفق الأعلى.

كان يومها الفدائي بسيطا جميلا واضحا، قلبٌ حاسمٌ وعينان حالمتان… كان ذلك زمن المعادلات الواضحة، زمن حنظلة الفلسطيني الكنعاني العربي الذي لا يراوغ ولا يخاتل ولا يساوم على الفكرة.

كان ذلك زمن الفدائئ الذي يعانق بندقيته التي لا تباع ولا تهدى ولا تؤجر… يحملها على كتفه كتعويذة مطر أو يمسكها بقبضته كراية باسلة أو يضمها عند قلبه كحبيبة.. يسيران معا… ينامان معا… ويقاومان معا، هو امتداد لها وهي امتداد له، “حبيبان إلى أن ينام القمر!”.
كان ذلك زمن الفدائييين حيث الثورة أقرب لعلاقة حب رومانسية… لم يكن يفكر أحدنا بموقع أو منصب أو تقاعد، لم يكن يتقرب من القادة بما يشبه سلوك المحظيات.. لم يكن في البال لا منصب وزير ولا وكيل ولا مدير… كانت العينان حالمتان والروح عنيدة واضحة كحجر الصوان.. فيما القلب يرقص على اهتزاز وردة وقصيدة…

في ذلك الزمن كانت فلسطين راية أحرار وثوار العالم… يأتون إلى قواعد الفدائيين ليتعلموا ويتطهروا…
كان ذلك زمن الفدائيين الرومانسيين وليس زمن المناورات والتمويل والتدريب على “حقوق الإنسان والديمقراطية” لكي ننسى الوطن…
كان ذلك زمن الفدائيين… حيث المسافة والتخوم واضحة بين فلسطين ونقيضها… يومها لم تكن فلسطين صفقة… كانت بكل بساطة فكرة شعب… فكرة حرية وكرامة… ذلك هو زمن الفدائي الذي كان يتمرد على القهر وعلى أية سلطة تحول بينه وبين فلسطين..

كان ذلك زمن الفدائيين بغض النظر عن دينهم وطائفتهم وجنسيتهم وجنسهم ولونهم، كان مخجل أن نسأل عن كل هذا، كان ذلك زمن الفدائيين عشاق الجبال والليل الذي يقود دائما إلى حدود فلسطين… اليد لا تفارق البندقية والعين لا تفارق الفكرة…

هي لحظة حنين وشجن شجي لزمن كنا نحلق فيه في أعالي السماء… في ذلك الزمن تربينا وتعلمنا… اكتشفنا قيمة أرواحنا البِكر… اكتشفنا أجمل الأخوة والرفاق… وأجمل العلاقات التي أصبحت سمة وعي جيل بكامله…

لا أدري… كيف تحولت فلسطين الفدائيين إلى مجرد سلطة تبتلع الثورة!؟

ومع ذلك.. ومهما يكن… مهما بدت اللحظة منحوسة وتعيسة… ستبقى فلسطين تنجب الفدائيين… فتلك موهبتها الفذة حتى تعود…

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار