حماد صبح: وقف مخصصات ذوي الشهداء والأسرى الفلسطينيين “تجريم” لمقاومة الاحتلال

0

حماد صبح

لا تتهاون إسرائيل في جدية عداوتها للشعب الفلسطيني ، ولكنها تعرف متى تهدىء من جدية هذه العداوة ظاهريا ، ومتى تتشدد فيها عمليا دون أن تحيد عن الغاية الأصيلة من هذه العداوة ،

وهي القضاء على هذا الشعب جغرافيا وإنسانيا وحضاريا لنظرها لوجوده بصفته نفيا ونقيضا لوجودها . ووفق هذه المنهجية ، ما سكتت مؤقتا عنه أمس لا تسكت عنه اليوم . طوال 23 عاما ، أي بعد أوسلو ، والسلطة الفلسطينية تدفع مخصصات شهرية للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ، ولأسر شهداء مقاومة الاحتلال.

ولم تتحرك إسرائيل رسميا بقوة ضد سلوك السلطة هذا. لم تكن الأحوال تسمح بهذا التحرك . الآن ، وبعد ضعف السلطة بمؤثر الانقسام الذي دام عشر سنوات ، وبمؤثرات الوضع العربي المنهار ، تحركت  ضد هذا السلوك للسلطة. والأدق، أن تحركها بدأ، ولكن بهدوء، منذ عام، حين أجبرت السلطة على إلغاء وزارة الأسرى ونقل اختصاصها إلى لجنة شئون الأسرى في منظمة التحرير الفلسطينية.

نفذت السلطة ما طلب منها دون التفات للاحتجاجات الشعبية والفصائلية الفلسطينية التي اعتبرت إلغاء الوزارة تقليلا من قضية الأسرى والشهداء وإضعافا لمنزلتهم في الثقافة الفلسطينية التي تجل مقاومي الاحتلال . إسرائيل الآن تمادت أكثر. إنها تطلب الوقف الكلي لهذه المخصصات ، وتهدد في حال عدم وقفها باقتطاع قيمتها البالغة 300 مليون دولار سنويا من أموال الضرائب ( المقاصة ) التي تجبيها لحساب السلطة على الواردات الفلسطينية من الخارج ومن إسرائيل.

وتسوغ  طلبها بأن السلطة تدفع هذه الأموال ل” مخربين” خارجين عن مقتضيات اتفاق أوسلو الذي يمنع الفلسطينيين من استعمال القوة المسلحة في الخلاف معها . وأكثر مما سبق ، تهدد  السلطة بسن قانون يجرم دفع المخصصات المالية للأسرى وذوي الشهداء ، بل تحث الكونجرس الأميركي  على اتخاذ خطوة مماثلة ؛ لأن أميركا تسهم في ميزانية السلطة ب 200 مليون دولار سنويا.

والمعلوم أن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون جرينبلات طلب الشهر الماضي من السلطة الفلسطينية وقف هذه المخصصات ، وجعلها شرطا لتجديد المفاوضات بينها وبين إسرائيل . الموقف الإسرائيلي في هذه المسألة ، والمدعوم مطلقا بالتأييد الأميركي ، يستهدف في جوهره ” تجريم ” المقاومة الفلسطينية للاحتلال ، وحشر الفلسطينيين في زاوية الاكتفاء بالمفاوضات لاستخلاص بعض ما تبقى من حقوقهم ، ولإسرائيل في هذه المفاوضات اليد العليا ، وليس للفلسطينيين سوى القبول مجبرين بالفتات الذي ترميه لهم هي حسبما يوافق مصالحها ومطامعها الجشعة .

من أوقع الفلسطينيين في هذا الدرك الذي لا يبدو من آثاره القاتلة مخرج ؟! إنها السياسة الخرقاء في التفرد بالقرار  ، والتصرف انطلاقا من المصلحة الفردية والفئوية ، وصم الأذنين عن رأي الشعب ، والتعامي عن الحقائق الأساسية للصراع بيننا وبين إسرائيل ، ولبه أنه صراع وجود بين طرفين على أرض واحدة ، وأن الطرف الزاعم لملكية هذه الأرض زورا وباطلا لا يرى له أملا في الوجود الموصول ما دام المالك الحقيقي لها قادرا على الحراك والتنفس . وقطعا لن تتوقف مطالب إسرائيل المصحوبة بالتهديدات عند وقف دفع مخصصات ذوي الشهداء والأسرى .

في جعبتها الكثير من المطالب ما دام الهدف هو القضاء على الشعب الفلسطيني جغرافيا وحضارة وإنسانا ، وكل خطوة لها وقت يلائمها ويجعلها ناجحة نافذة ؛ لأن الطرف الفلسطيني ممثلا في السلطة الضعيفة المشلولة التي لم يبق منها سوى لسانها بتهديداته اليائسة حينا بترك كل شيء ، وتوسلاته الضارعة أحيانا للوصول لأي حل بمظلة دولية ؛ يجد نفسه أمام أي خطوة إسرائيلية أعزل بلا سلاح فعال بعد أن نبذ في أوسلو السلاح الحقيقي لمقاومة أي عدوان ، واعتمد على سلاح مفلول عقيم اختاره عدوه : سلاح المفاوضات التي لا تنتهي ، وإذا انتهت فبما تريده إسرائيل

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار