المأزق الأمريكي في سوريا: خسائر في حالة التراجع أو التقدم

0

المأزق الأمريكي في سوريا: خسائر في حالة التراجع أو التقدم

كيسنجر:اللعب الأمريكي في سوريا سيكون سببا للاخلال بالنظام العالمي
تلقي المروحيات الروسية بظلها على النزاع في سوريا مع ازدياد صعوبة تصنيف ما يحدث هناك كمجرد أزمة إنسانية أو مجرد حرب بسيطة لا أهمية لها. في الواقع الحرب يتم خوضها تحت سحب القوى العظمى وهي حرب لم يشهد الشرق الأوسط مثيلا لها منذ عقود طوال.

معظم من في واشنطن يفضل تجاهل التوقعات السوداوية، في حين حذر هنري كيسنجر في مقال له في الواشنطن بوست من أن “مخاطر التورط في سوريا سيخل بالتوازن العالمي”. مع أن كيسنجر أقر بأن سقوط نظام الأسد سيكون ملائم جدا لمصالح الولايات المتحدة من الناحيتين الانسانية والاستراتيجية، إلا أنه توصل إلى نتيجة تقول بأن التدخل العسكري في سوريا سيفشل في تقديم الإجابة على معضلتين طرحهما في وجه الولايات المتحدة في حال تدخلها عسكريا هناك. الأولى، عدم وجود إجماع أو اتفاق على النظام الذي سيتم إنشاؤه بدلا من نظام الأسد، والثانية هي عدم وجود ضمانات على تحقيق “الهدف السياسي” ضمن فترة زمنية مستدامة داخل الولايات المتحدة”.

باختصار، تحدث كيسنجر بنبرة من الواقعية والأسى، ومن هذا المنظور يبدو أن الحرب الأهلية في سوريا تعتبر حدثا مؤسفا أو مأساة إنسانية، وفرصة استراتيجية للتخلص من نظام الأسد الذي تعتبره أمريكا مزعجا منذ زمن طويل، لكن إن اقتضى تحقيق ذلك التزاما أمريكيا جديا ومكلفا فهو ليس سببا للاخلال بالنظام العالمي.

يبدو أن هذا الرأي يعكس وجهة نظر إدارة الرئيس أوباما، فهو قال في شهر أغسطس/آب الفائت أن الوقت قد حان لتخلي الأسد عن السلطة لكنه لم يحرك ساكنا لتحقيق ذلك.

المشكلة في هذا الطرح أن هذا النوع من الواقعية غير واقعي أبدا، كونه حتى الآن فشل في تقدير ميزان القوى. بقاء الأسد يعني إلى درجة كبيرة الإخلال بالنظام العالمي وسيهدد واحدة من أهم خصائص النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب الباردة، وسيحد من قدرة وامتياز الولايات المتحدة على فرض تغيير سياسي كبير في منطقة الشرق الأوسط. بالتالي، الأزمة السورية هي مسألة هامة ليس للمنطقة فقط، بل للعالم أجمع.

في الماضي ساد الاعتقاد بأن الشرق الأوسط هو مجرد مربع من مربعات رقعة شطرنج الحرب الباردة، جزء من لعبة “الصراع على العرش” الكبرى مع الاتحاد السوفييتي. وقامت أمريكا بمحاباة مجموعة من الأوتوقراطيين الإقليميين لمنع الروس من توسيع رقعة حلفائهم في المنطقة. كان شاه إيران والسعودية من الحصة الأمريكية، بينما كان حزب البعث (سوريا والعراق) في المنطقة حليف طبيعي لموسكو، في حين تعاملت مصر مع الطرفين إلى أن استعادت كرامتها في حرب تشرين مع اسرائيل – وهو نزاع أدى بحد ذاته إلى اندلاع مواجهة مخيفة بين موسكو وواشنطن. نظرية كارتر التي أتت نتيجة للغزو السوفيتي لأفغانستان قالت بأنه على أمريكا مواجهة أي تحرك من أي قوة خارجية للسيطرة على المنطقة.

مع انهيار الاتحاد السوفييتي، تغيرت لعبة الشرق الأوسط الكبرى بشكل كبير بالرغم من أن مصالح الأمن القومي الأمريكي لم تتغير. اعتقد صدام حسين أن نهاية الحرب الباردة أعطته إشارة احتلال الكويت، لكنه اكتشف أن عقيدة كارتر توسعت لتشمل أيضا محاولة أطراف إقليمية السيطرة على طرف إقليمي آخر.

بالرغم من تلك الحقيقة، وخلال عقد من عاصفة الصحراء، اتبعت الولايات المتحدة سياسة احتواء صدام حسين بدلا من الإطاحة به وتم تأمين ملجأ آمن للأكراد في الشمال وفرض مناطق حظر جوي في الجنوب والشمال مع منطقة عازلة في الجنوب لحماية الكويت.كما أبقت أمريكا على عدد كبير من قواتها الجوية والبرية في الكويت والسعودية وقوات بحرية في مناطق أخرى من الخليج. بقي صدام حسين محاصرا في منطقته وبقيت أمريكا تحدق في وجهه. بحلول عام 2003 كانت الدفاعات الجوية العراقية قد تم تحييدها مع بدء عملية “تحرير العراق” ونتيجة لذلك انطلقت العملية البرية لاحتلال بغداد ودامت 3 أسابيع. تكرر ذات السيناريو في أفغانستان عندما نشأت حاجة لتغيير النظام.

على الرغم من أن جورج بوش الابن لم يبذل أي جهد حقيقي لدفع الأنظمة الأوتوقراطية الموالية لأمريكا في كل من مصر والخليج الفارسي للقيام بإصلاحات، إلا أنه كان مستعدا لدعم استراتيجية “حرية الشرق الأوسط” التي كان قد وعد بها بالقوة العسكرية الأمريكية. أما باراك أوباما فقد اختار حماية نفسه والولايات المتحدة من رياح التغيير التي تهب على الشرق الأوسط، وهذا كان عنوان سياسته التي أطلقها من جامعة القاهرة عام 2009.

رد فعل أوباما على الربيع العربي اتسم بالغموض والضبابية وعدم اليقين حتى تجاه الثورة الليبية التي يعتبرها البيض الأبيض واحدة من النجاحات في السياسية الخارجية. في شباط 2011 اندفع المتظاهرون عبر شوارع بنغازي ومدن أخرى وبحلول آذار أعلنت الإدارة الأمريكية أن القذافي “فقد شرعيته وعليه الرحيل” وبمجرد إعلان منطقة الحظر الجوي أعلنت أنها ستترك قيادة العمليات للناتو. رحب أوباما بالتخلص من القذافي لكنه قال ” توسيع عملياتنا الحربية لتشمل تغيير نظام هو أمر خاطىء”. إذا الإدارة تؤيد تغيير الأنظمة لكنها لم ترد ترك البصمات الأمريكية الكثيرة ولم ترغب في تحمل مسؤولية ما قد يأتي لاحقا.

الصراع في سوريا وقد تم اعتباره الآن بمثابة حرب أهلية، يبدو أنه أصاب أوباما بالشلل وهو صراع له تداعيات أكبر بكثير. بعد بدء المظاهرات في آذار 2011 بدا واضحا أن روسيا والصين لن تسمحا بتكرار التجربة الليبية في مجلس الأمن، سمحتا بخطة سلام غير ملزمة اسمها خطة كوفي عنان، وهي خطة لم تغير شيئا بالإضافة إلى استخدام النظام للأسلحة الثقيلة بدون تمييز.
في المحصلة يبدو، وللمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، أن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط دخلت في تجاذبات القوى العظمى، وفي هذه الحالة أصبح الواقع هو الفيتو الروسي المدعوم صينيا.

الجدل الجاري هذا الأسبوع حول استخدام سوريا للمروحيات الروسية الحربية يوضح سمات الحرب بالوكالة التي تجري هناك وعدم رغبة إدارة أوباما على اتخاذ خطوات فعالة. فيما رفض البيت الأبيض دعم المعارضة السورية ضد حليف إيران في حرب دائرة ومن الأرجح أنها ستستمر وتتوسع ونتائجها ذات أهمية كبرى وقد تغيير المعادلات القائمة. الدليل على ذلك هي حرب التصريحات بين هيلاري كلينتون بشأن المروحيات ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

حاولت الصين البقاء خلف العباءة الروسية، لكنها ليست أقل حماسة في معارضة أي تهديد لنظام الأسد، وتوضح ذلك من خلال المعارضة الصينية لطلب وزير الخارجية الفرنسي بتصعيد العقوبات على سوريا على لسان الناطق الصيني الذي أعلن رفض بلاده لأي عقوبات وضغوط أحادية على سوريا.

المواجهة في سوريا أصبحت سلفا صراعا شاملا على توازن القوى ودوامة تسحب نحوها القوى العظمى الإقليمية والدولية على حد سواء من الطرفين، الصين، روسيا وإيران تدعم الأسد، فيما تحظى المعارضة بالتسليح والتمويل من عدة دول خليجية. وتركيا التي تأخذ على الأسد استضافته “للإرهاب الكردي”.

حتى الآن، يصر أوباما على أن “مد الحروب” في المنطقة ينحسر، فالجنود الأمريكيون تم سحبهم من العراق والانسحاب من أفغانستان جار على قدم وساق، كما لم يتم نشر جنود أمريكيين في ليبيا، ويصر أوباما أنه لا يجب نشرهم من جديد، وهذا اعتقاد غير واقعي، اعتقاد يتجاهل سياسات توازن القوى، فبقاء نظام الأسد المدعوم من روسيا والصين وإيران يعني اختلال توازن القوى إلى درجة أكبر (ضد مصلحة أمريكا) من ذلك الاختلال الناتج في حال التخلص منه.
– توماس دونيللي – ترجمة وتحرير عاصم مظلوم

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار