أوقفوا اغتيال منظمة التحرير الفلسطينية

أوقفوا اغتيال منظمة التحرير الفلسطينية

بقلم/ أنيس فوزي قاسم

نُشر في الجريدة الرسمية الفلسطينية بتاريخ 17/2/2022 القرار بقانون (غير مرقم) لسنة 2022 وعنوانه «قانون بشأن دعاوى الدولة» الذي يحدد في المادة الأولى منه «دوائر» دولة فلسطين، وكانت «منظمة التحرير الفلسطينية، ودوائرها ومؤسساتها، والمؤسسات التابعة لها كافة» هي الدائرة الأولى، وتتبعها بعد ذلك مؤسسات الدولة والوزارات، وأية مؤسسة أدرجت في الموازنة العامة. أي أنه تم اختصار منظمة التحرير إلى مجرد دائرة من دوائر دولة لا تستطيع أن تخطط لشارع بين قريتين، أو أن تحفر بئر ماء في قرية، وذلك كله تحت غطاء مزيّف باسم «دعاوى الدولة».

ليس واضحاً حتى الآن الأسباب الكامنة وراء هذا التشريع الفجائي الذي يأتي من دون مقدمات ومن دون مذكرة تفسيرية، ومع ذلك لا بدّ من التعليق على هذا القانون الذي هبط علينا بمظلة، باعتبار أنه القانون الأول الصادر بعد انعقاد المجلس المركزي الأخير، وتشكيل اللجنة التنفيذية بأعضائها الجدد وبرئاسة السيد محمود عباس، وكأننا بصدد رسم سياسة جديدة. إن هذا القانون ينطوي على فجاجة استثنائية في أكثر من جانب. بداية، أنه يصدر عن السيد محمود عباس الذي فقد شرعيته منذ عام 2009، فضلاً عن القول إن لا سلطة تملك هذا الحق. وبعد، جاء هذا القانون فجأة، الذي يمكن وصفه بالسذاجة المتناهية. هل يُعقل أن تلحق منظمة التحرير، وهي الأم، بطفل هو السلطة الفلسطينية؟ إذا كان السيد محمود عباس يقرّ ويعترف في أكثر من مناسبة، كما أكد ذلك المرحوم صائب عريقات، أنه لا يستطيع أن يصل إلى مكتبه في المقاطعة، من دون إذن من ضابط الاحتلال، فلماذا يريد جرّ منظمة التحرير إلى القفص نفسه؟ وما الحكمة في اتخاذ مثل هذا القرار، إن كان ثمة حكمة! ثم إن «الدولة» التي يتحدث عنها الأخ أبو مازن هي «دولة» تحت الاحتلال، فما الحكمة من جرّ كل منظمة التحرير إلى الوضع ذاته! هل في ذلك تدبير أم تخطيط؟ وكيف صدف أن هذا التدبير أو التخطيط قد جاء في ظل لجنة تنفيذية جديدة؟ وعلى أي حال، لا بدّ من القول إن هذا القانون باطل بطلاناً مطلقاً وذلك لعدّة أسباب منها:

أولا، إننا لم نسمع عن قرار صدر عن المجلس الوطني، أو المجلس المركزي، أو عن اللجنة التنفيذية، أو عن أي شلّة ذات علاقة، تقرر تحويل منظمة التحرير إلى دائرة من دوائر دولة تحت الاحتلال. وربما كان من المبادئ الأساسية، أو البديهية أن يكون هناك من ناقش الأمر وطرحة على ذوي الرأي، أو الحكمة لتقرير أهمية تحويل منظمة التحرير إلى دائرة. وللتدليل على سذاجة القرار، أنه حتى لو افترضنا أن منظمة التحرير شركة تجارية، أو أنها تحولت إلى شركة تجارية، ولو افترضنا أن هذه الشركة تملكها عائلة واحدة، وليست شركة مساهمة عامة، فإنه من الواجب أن يعقد أفراد العائلة الشركاء، اجتماعاً يناقشون فيه جدوى تصفية الشركة، أو تحويلها من شكل قانوني إلى شكل آخر، وفي مثل هذه الحالة، عادة يؤخذ القرار بأغلبية ثلثي أصوات المساهمين. فما بالكم بمؤسسة بتاريخ وحجم وأهداف منظمة التحرير، التي نصت المادة الرابعة من ميثاقها الوطني على أن الفلسطينيين «جمعياً أعضاء طبيعيون» فيها، ولم تتم ـ في حدود ما نعلم ـ استشارة هؤلاء الأعضاء، أو مناقشتهم، أو طرح الفكرة عليهم والتصويت عليها.

لا بدّ أن أعضاء اللجنة التنفيذية القدامى وحديثي العهد، على بيّنة تامة، من أن الميثاق الوطني الفلسطيني هو بمثابة العقد الاجتماعي لكل أبناء فلسطين في داخل الأرض المحتلة وخارجها، وبالتالي لا يجوز التصرف به بالخفة التي تمت، وتحويل هذا العقد الاجتماعي المقدس لشعب كامل، إلى بازار يمكن العبث به. ومن المهم ملاحظة أن هذا العقد الاجتماعي ينص في المادة (33) على أن الميثاق لا يعدّل «إلا بأكثرية ثلثي أعضاء المجلس الوطني» الذي عليه أن يعقد «جلسة خاصة يدعى إليها من أجل هذا الغرض» ونسبة الثلثين تعني ـ وهذا مهم- ثلثي الأعضاء الحاضرين منهم الجلسة وغير الحاضرين. ومن المناسب أن نستعيد كذلك نص المادة (29) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير، التي نصت على أن «تعديل هذا النظام الأساسي أو تغييره، أو الإضافة عليه» يحتاج إلى ثلثي أصوات المجلس الوطني. ومن هنا يلحظ أن الوثائق الأساسية للمنظمة اشترطت في تعديل أي من نصوصها، نسباً محددة من التصويت عليها، فمن باب أولى أن تكون هناك إجراءات أكثر شدّة وتعقيداً، في ما لو كان القصد تغيير الوضع القانوني للمنظمة.

أما ثاني الأسباب فهو القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/2012، الذي اعترف بفلسطين «دولة غير عضو لها صفة مراقب» في المنظمة الدولية، حيث نص في الفقرة الثانية منه بصراحة على أن الاعتراف بفلسطين دولة يجب أن لا يمس بـ»حقوق منظمة التحرير الفلسطينية المكتسبة وامتيازاتها ودورها في الأمم المتحدة بصفتها ممثل الشعب الفلسطيني، وفقاً للقرارات ذات الصلة». يلحظ من النص أن الأمم المتحدة أعطت الأهمية القصوى للمنظمة وليس للدولة، وهي التي اعتبرت المنظمة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ولم تورد هذا النص حين اعترفت «بدولة فلسطين». فكيف يتم اغتيال المنظمة إلى دائرة؟

 

وختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن ما نقل عن الزميل الفاضل أحمد الأشقر من أن اعتبار المنظمة دائرة من دوائر السلطة هي «مثلبة قانونية» وهذا قول صحيح، إلاّ أنه أضاف أن الإطار الأوسع، وهو المنظمة، هو «الذي يسع السلطة الفلسطينية وليس العكس». وتعقيباً على القانون كذلك قالت المنظمة الدولية «حشد» أن «الحقيقة الراسخة أن السلطة او الدولة شكلت بقرار من منظمة التحرير» وعبرت عن عدم رضاها عن هذا الخلط. وعبّر الدكتور الفاضل بسام القواسمي أستاذ القانون الدستوري في جامعة الخليل، عن خشيته من أن يكون القرار بقانون «مقدمة لإنهاء دور منظمة التحرير الأساسي الذي انشئت من أجله» وهو تخوف مشروع وصحيح، إلاّ أن الدكتور القواسمي تساءل: «ما هو دور المجلس المركزي الذي أنشأ السلطة الوطنية»؟

ومع الاحترام والتقدير للزملاء الأفاضل فإني أختلف معهم في أن السلطة الفلسطينية لم تنشأ بقرار من المجلس المركزي ولا بقرار من المجلس الوطني، رغم صدور قرار عن الأول أعلن فيه أنه ينشئ السلطة، ولم يكن لذلك القرار أي قيمة قانونية، ذلك أن الذي انشأ السلطة الفلسطينية هي اتفاقية أوسلو حصراً وطبقاً لنصوصها وأحكامها، وما كان قرار المجلس المركزي إلاّ للتمويه على فكر الشعب الفلسطيني، الذي ظنّ أن المجلس المركزي هو من خلق السلطة. وهذا لا يتفق وصحيح النص في اتفاقية أوسلو. وكل الذي حدث أن الإدارة المدنية التي انشأها الحاكم العسكري بموجب الامر العسكري 947، أصبحت هي السلطة الفلسطينية، وتمّ نقل صلاحيات الإدارة المدنية إلى السلطة الفلسطينية، بموجب اتفاقيتين لنقل السلطات. ونصت الاتفاقيتان على أنه بمجرد نقل الصلاحيات إلى السلطة يتم حل الإدارة المدنية. ولم تتمعن القيادة الفلسطينية في أن صلاحيات الإدارة المدنية (التي حلت محلها السلطة) مستمدة من الحاكم العسكري، أي أن مصدر صلاحيات السلطة هو الحاكم العسكري الذي أعاد إحياء الإدارة المدنية، وقد احتجت الحكومة الفلسطينية على ذلك، لأن في ذلك تقاسما في وظيفتها. وهنا مناط الخطر الكامن في القرار بقانون وهو أن تصبح منظمة التحرير دائرة من دوائر السلطة، اي تصبح تحت سيطرة الحكم العسكري وإدارته، لا بل يفقد الشعب الفلسطيني ممثله الحقيقي والجامع لكل أشتاته حتى لو أصاب هذا الممثل التشويه الذي أصابه بفضل سلطة أوسلو التي تحولت إلى سلطة غير شرعية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار