المجلس المركزي “وهندسة منظمة التحرير الفلسطينية” لتعميق التنسيق الأمني وفق خيار “السلام الاقتصادي”

المجلس المركزي “وهندسة منظمة التحرير الفلسطينية” لتعميق التنسيق الأمني وفق خيار “السلام الاقتصادي”

عليان عليان
يقتضي من فصائل المقاومة ألا تستمر في الركض وراء القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، لأن هذه القيادة ليست بوارد التخلي عن خياراتها السياسية، وعلى هذه الفصائل البدء على ببناء جبهة وطنية عريضة على أرضية برنامج سياسي مقاوم، رافضا لنهج المفاوضات واتفاقات أوسلو المذلة، دون القطع مع الطرح القائل باستمرار النضال من أجل استعادة منظمة التحرير إلى خطها الوطني المناهض لمشاريع التسوية الاستسلامية.

لم تفاجأ الفصائل الفلسطينية التي رفضت المشاركة في اجتماع المجلس المركزي في الخامس من شهر شباط (فبرابر) الجاري، بما صدر عن هذا المجلس من قرارات إدراكاً منها بأن قيادة السلطة أرادت من عقده تجديد شرعيتها المنتهية والمتهاوية، أمام الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية، عبر مصادرة دور المجلس الوطني الفلسطيني، ومخالفة النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اتخاذ قرارات خطيرة بتعيين قيادات مطعون في نهجها السياسي في مواقع حساسة في منظمة التحرير الفلسطينية.

فالمجلس المركزي بات يدعى للاجتماع بعيداً عن المشاورات والحوارات الضرورية التي تعقد قبله، بحيث يكون اجتماعه تتويجاً للتوافقات الفلسطينية بين مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، بل يدعى أو يستدعى لتلبية حاجات محددة للسلطة تنسجم مع نهجها السياسي في علاقاتها مع الكيان الصهيوني، ولاستخدامه كبندقية للتصويب على نهج المقاومة بفصائلها المختلفة.

فالقرارات (التوصيات) السياسية الصادرة عنه هي ذات القرارات، التي سبق وأن أصدرها المجلس المركزي عام 2015، وهي وقف التنسيق الأمني وتعليق الاعتراف بالكيان الصهيوني لحين التزامه بالاعتراف بدولة فلسطيني المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف العمل بالالتزامات المترتبة على اتفاقيات أوسلو وغيرها مع (إسرائيل). وفي حينها تم تكليف اللجنة التنفيذية بوضع الآليات لتنفيذها، ولم تعمل اللجنة شيئاً بخصوصها، لأنها لا تعدو كونها مجرد سكرتاريا تنفيذية للرئيس عباس مع استثناءات محدودة، وهذه المرة أيضاً تم تكليف اللجنة التنفيذية بوضع الآليات لتنفيذها لتواجه نفس مصير التوصيات والقرارات السابقة.

ما يهمنا هنا أن لا نتوقف أمام القرارات السياسية الشكلية الكاذبة الصادرة عنه، والتي يوظفها الرئيس عباس لتوفير الحماية والتغطية السياسية للفصائل التي استجابت لدعوته بعيداً عن الاجماع الوطني، فهذه القرارات لا تعدو كونها ديكوراً سياسياً لتزيين وجه السلطة في مواجهة فصائل المقاومة التي عملت على تعرية نهج قيادة أوسلو وفضح الاستهدافات الحقيقية من عقد المجلس في هذه المرحلة.. بل يهمنا هنا تناول مسألتين رئيستين بالإضافة إلى عدم شرعية اجتماع المجلس بدون توافق وطني مسبق وهما:

أولاً: عدم شرعية المجلس المركزي بإجراء تعيينات جديدة أو عمليات استبدال لأعضاء اللجنة التنفيذية، أو اختيار رئيس جديد للمجلس الوطني، فصلاحيات المجلس المركزي المنصوص عليها في النظام الأساسي تناقض ما أقدم عليه المجلس المركزي في اجتماعه الأخير، وهذه الصلاحيات خاصة بالمجلس الوطني الفلسطيني بوصفه (الأصيل) وما حصل هو اغتصاب في وضح النهار لصلاحيات المجلس الوطني.

فالمجلس المركزي هو الحلقة الوسيطة بين المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومهماته تتمثل في مراقبة أعضاء اللجنة التنفيذية وأدائها في تنفيذ قرارات المجلس الوطني، بين الدورة السابقة والدورة اللاحقة، والاطلاع على حسن سير عمل دوائر المنظمة، وتقديم التوصيات اللازمة بذلك إلى اللجنة التنفيذية، لاتخاذ إجراءات تنفيذية لتفعيل تلك الدائرة أو الجهاز، وتجميد أو تعليق عضوية أو أي تنظيم، واتخاذ أي عقوبة بشأنه، على أن يعرض الأمر على المجلس الوطني في أول دوره لانعقاده، ثم فإن دوره ينحصر في الجانب الرقابي، في حين أن الجانب التشريعي المتمثل بإصدار البرامج السياسية والقضايا التنظيمية مناط فقط بالمجلس الوطني.

ثانياً: المسألة الأخرى الخطيرة هو هندسة اللجنة التنفيذية بما يخدم توجهات السلطة الفلسطينية السياسية، خاصةً وأن منظمة التحرير غدت تابعة للسلطة وليس مصدراً لها وقد تمثلت هذه “الهندسة” بتعيين حسين الشيخ – عضو اللجنة المركزية لحركة فتح- خلفاً للراحل صائب عريقات في موقع “أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير”، وهذا التعيين ينطوي على مغزى سياسي وأمني محدد، فحسين الشيخ شغل وما يزال يشغل موقع “وزير الاتصالات المدنية” وهو الاسم الكودي لضابط التواصل مع الكيان الصهيوني وفق مهمة رئيسية هي “التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني”، ما يعني أن هذا القرار جاء لاسترضاء الجانبين الصهيوني والأمريكي، أما تعيين روحي فتوح رئيساً للمجلس الوطني، فيأتي من باب المصادرة على توجه العديد من الفصائل بعقد مجلس وطني انتقالي بهيئة رئاسة متفق عليها للإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية قادمة.

الفصائل الرئيسية الثلاث التي طعنت في شرعية انعقاد المجلس وقراراته، وهي الجبهة الشعبية و حركة حماس ، وحركة الجهاد الإسلامي، دعت في بيان مشترك لها، إلى حوار وطني جاد على مستوى الأمناء العامين للاتفاق على تشكيل مجلس وطني انتقالي جديد يضم الجميع، ويمهد لإجراء الانتخابات الشاملة، ما يساهم سريعاً في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل مؤسساتها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج،وشددت على ألا “عودة لمسار أوسلو، والارتهان بمسار التسوية، وأن المقاومة هي قانون التعامل مع العدو المحتل، ما يقتضي تشكيل القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية، ومنحها كامل الصلاحيات على الأرض ضد الاحتلال والمستوطنين.

لكن ومن واقع استعراض التفاهمات الفلسطينية والارتداد عليها من قبل قيادة السلطة منذ مؤتمر الأمناء العامين في بيروت- رام الله في سبتمبر أيلول 2020 ، وحوارات دمشق وتفاهمات القاهرة وميثاقها وغيرها، يمكن الجزم بأن قيادة السلطة باتت تدير الظهر لطروحات الفصائل بشأن الوحدة الوطنية ومتطلباتها، وباتت تتكيف مع مشروع السلام الاقتصادي الصهيو أميركي، الذي نجد مقدماته في لقاء رئيس السلطة مع وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس في التاسع والعشرين من شهر ديسمبر (كانون أول) الماضي الذي تضمن أعطيات وتسهيلات اقتصادية إسرائيلية للسلطة ولرجال الأعمال، والذي أكد عباس خلاله – وفق العديد من المصادر الإسرائيلية ومن ضمنها هيئة البث الإسرائيلي الرسمية – للوزير الإسرائيلي، على الاستمرار في نهج التنسيق الأمني، واستمرار أجهزة الأمن الفلسطينية في ملاحقة المقاومة بجنين وعموم أرجاء الضفة، ومنع تحول الهبات الشعبية في برقة وبيتا وجنين وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية إلى انتفاضة شاملة.

ما تقدم يقتضي من فصائل المقاومة الرئيسية ألا تستمر في الركض وراء القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، بعد أن أثبتت التجارب الملموسة بأن هذه القيادة ليست بوارد التخلي عن خياراتها السياسية، وأن تعمل هذه الفصائل على بناء جبهة وطنية عريضة على أرضية برنامج سياسي مقاوم، رافضا لنهج المفاوضات واتفاقات أوسلو المذلة، دون القطع مع الطرح القائل باستمرار النضال من أجل استعادة منظمة التحرير إلى خطها الوطني المناهض لمشاريع التسوية الاستسلامية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار