النظام العالمى وتغريدة البجعة

النظام العالمى وتغريدة البجعة
مهدى مصطفى – الأهرام العربي
النظام العالمى الحالى شبيه بالبجعة. يغرّد أغنيته الأخيرة، والبجعة تمضى حياتها فى صمت، ثم تغرّد أغنية أخيرة قبل الوداع بقليل.
تقريبا النظام الحالى الممتد منذ 500 عام، ويتحكم فى مقدمة التطور البشري، وصل إلى محطته الأخيرة، لم يعد لديه قدرة على الابتكار والتجديد، كرس بنفسه النظام كما نعيشه اليوم، وتغيير هذا التكريس لا يتم إلا بحرب شاملة، تعيد كتابة التاريخ والجغرافيا مرة أخيرة، وإلى الأبد.
أصحاب هذا النظام عجزوا عن التغيير بالحروب الصغيرة، عجزوا أيضا مع وجود الأسلحة النووية والهيدروجينية والبيولوجية، عجزوا رغم قوة الخيال فى القصص الإعلامية، عجزوا حتى مع نشر الفيروسات فى بقاع الأرض عن قصد وتصميم.
إذن، فالأمر يتطلب معركة كبرى، مختلفة، ليس مهما ما هى الذرائع المعتمدة، وليس مهما فكرة نشر الديمقراطية والحرية، أو أى شعار تبناه النظام العالمى القديم الجديد المتجدد، فكل هذه العقاقير لم تعد صالحة لموت المريض غير الأوروبى فى أى مكان، والحال تتطلب مغامرة خطيرة.
والمغامرة تبدو ظاهرة على الشاشات، تتطاير عبر الميديا الحديثة، وشاشات السينما والتليفزيون، تبثها الوكالات العالمية فى صور تصريحات لا تختبئ وراء الدبلوماسية، بل تهدد علنا، وتكدس الأسلحة فى قواعد، وتختار الأماكن الإستراتيجية، وتعلن أنها قادرة على خوض معركة مضمونة الانتصار، لا تنظر إلى عدد الضحايا، ولا كم هى المدن التى سوف تختفى، المهم هو إنشاء نظام يستمد وجوده من نظرية دارون ” البقاء للأقوى”.
لا مبالغة، فالواقع الحى يؤكد أن النظام الدولى الحالى صار شبيها بعالم ما قبل الحرب العالمية الأولى، تلك التى جرت وراءها الحرب العالمية الثانية، فألسنة الساسة فى الغرب والشرق تلهج بمفردات الصراع والمعارك والنفوذ، وتجرى كلمة الحرب العظمى على ألسنتهم، كأنها مفردات ممتعة فى حوار فيلم مثير.
من بريطانيا يتصاعد خطاب تعبوى غير مسبوق، يهاجم نفوذ روسيا فى البلقان، وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، ويرفض وجودها الظاهر فى سوريا، ويحذر من وصولها إلى المياه الدافئة فى المتوسط والخليج وبحر العرب.
الخطاب التعبوى أيضا لا يتوقف عن الجرى فى وسائل الإعلام الأمريكية، كأنه استعادة لأجواء الحرب الباردة فى سنوات ماضية، تلك الحرب التى انتهت بانتصار المعسكر الغربى على المعسكر الشرقى، ببضع كتب ثقافية وأفلام، وقصص صحفية، وبضعة منشقين هاجروا سرا من الاتحاد السوفيتى إلى الغرب، وحصلوا على جوائز نوبل.
ساعى البريد، حامل الخطاب هذا، يصل إلى الصين أيضا، وتبدو مراكز الدراسات الإستراتيجية مشغولة بالموقعة المرتقبة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والصين الآسيوية، استعادة أيضا لأجواء الحرب الباردة دون لافتة المعسكر الاشتراكى والمعسكر الرأسمالي، ووضع لافتة جديدة هى منع الصين من الوصول إلى احتلال مركز القوة العالمية الاقتصادية الأولى.
فى حقبة سابقة استطاعوا أن يجعلوا من العولمة إيمانا راسخا، لكنها فشلت فى السيطرة على القوى العالمية فى الواقع، ولما أرادوا قطع شرايينها ظهروا بفيروس كورونا، ويبدو أنه سيفشل كالعولمة، ليبدأ السيناريو الخطير، حرب عالمية ثالثة، تصبح معها الحربان العالميتان، الأولى والثانية، مجرد إنفلونزا صيفية، أو هكذا يتخيلون.
والشاهد أن البجعة ستموت دون صوت، ومعها هذا النظام العالمى الموروث، وتبدأ دورة حضارية من حيث لا يتوقعون.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار