القلم والرغيف من أين نبدأ؟

نزيه أبو نضال
المثقف والكاتب المبدع هو ضمير الناس وحارس أحلامهم والمدافع عن حقوقهم المعيشية.ذلك ان حرية القلم هي الطريق للوصول الى الرغيف.
يبدو لي أن جذر مسألة هموم المثقف والمواطن العربي وحقوقه وأوضاعه المعيشية، إنما يكمن في حقل آخر: هو حقل الحرية أو نقيضه الاستبداد.. حقل التجاوز أو نقيضه الثبات.. حقل العدل أو نقيضه النهب والاستغلال.. حقل التنوع الخصب أو نقيضه الأحادي الأحد المطلق.
في حقل الألغام والآلام هذا ينبت الفكر وينبت الإبداع فيكون أن يتجرع سقراط السم لأنه تجرأ على إثارة مياه الحياة الراكدة بعصف الأسئلة، وفيكون أن يُنفي أبو ذر الى الصحراء ليموت، لأنه دلّ الفقراء على جنة في الأرض، لا في السماء…
ويكون أن يُقّيد ابن المقفع ويلقى به إلى فرن مشتعل ويُحرق حياً، لأنه آمن بحرية العقل واستقلال التفكير…أما الحلاج فيُجلد بالسياط ويُصلب ويُقطع رأسه ويُحرق لأنه اشتبه بإمكانية توحيد العقل والدين.. فيكون أن يهرب غاليليو من عذاب الحرق.. فيستنكر دوران الأرض التي تدور. ويموت الأفغاني بطيئاً بالسم، في قصر الآستانة.. لأنه قاتل ضد منوعات الاحتلال الأجنبي، وضد استبداد الحاكم. ويحاكم طه حسين ويحجر على كتابه لأنه فقط شك بمصادر الشعر الجاهلي…
ويُسجن ناظم حكمت، لمدة عمر شاب مكتمل، لأنه غنى للعدل وللمستقبل كذا يُنفى البارودي وببرم التونسي ويُسجن الثنائي نجم/ إمام. أما صديقنا نصر حامد أبو زيد فيهرب باجتهاده الفكري إلى هولندا، ومعه زوجته التي (طُلقت) منه بقرار من محكمة الحسبة.. يهرب حتى لا يلقى مصير زميله فرج فوده: الاغتيال. أو موت ينجو منه بأعجوبة: نجيب محفوظ .
جذر أزمتنا أن صاحب الفكر والإبداع في بلادنا هو مجرد سلعة يشتريها السلطان بشروطه: مدحاً أو رثاء، أو يُقتل صاحبها أو يُنفى إذا ما تجرأ على نقدٍ أو هجاء.
هذا التاريخ الدامي من تسليع الفكر والإبداع وصل في مرحلة أجهزة الإعلام الهائلة المملوكة للسلطان: صحف وإذاعات ومحطات تلفزة وفضائيات ومواقع إنترنت إلى أن تصبح الثقافة “سلعة” كمالية إضافية يمكن الاستغناء عنها: فها هي ميلودرامات المسلسلات المصرية توفر للمتلقي ما يشبه (الإشباع) الأدبي والفني..
نحن إذن أمام إشكالية مركبة: نظرة من أعلى إلى أسفل ترى الفكر والإبداع مجرد سلعة كمالية يمكن شراء أصحابها. (لاحظوا: شراء أصحابها لا شراء السلعة نفسها)، ثم نظرة ذاتية من الأسفل يرى عدد من الكتاب فيها أن الكتابة مجرد فضلة وقت أو وسيلة شهرة وليست شهوةً عارمةً لتغيير الحياة
في ظل هذه الحقائق المدمّاة تكمن إشكاليات المواطن المعيشية:.. فتكون نقطة البداية لبحث هذه المسألة والبحث عن حلول لها بالتجرؤ على طرح المسألة بوضوح حاسم: إن الكتابة الإبداعية والفكرية هي بمعنى ما سلعة يجب أن تقايض بثمن..لكن الكاتب نفسه لا يجوز النظر إليه باعتباره سلعة، لأنه ضمير الناس وحارس أحلامهم والمدافع عن حقوقهم المعيشية.ذلك ان حرية القلم هي الطريق للوصول الى الرغيف.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار