جدوى الانتخابات الفلسطينية..في ظل الانقسام وغياب الحل السياسي..؟ نريد حلاً سياسياً جذرياً وليس زفّة سياسية.

بقلم : الدكتور باسم عثمان
– إن علامة الاستفهام التي يضعها الشعب الفلسطيني على مخرجات وثيقة “التفاهمات الثنائية” الأخيرة في تركيا بين فتح وحماس، تتلخص بالسؤال التالي: ما تم الاتفاق عليه هل هو زفّة سياسية أم حل سياسي..؟!

1 – هل الأولوية في الحالة الفلسطينية الراهنة: ترسيم الانتخابات الفلسطينية التشريعية ( بالتدرج وبسقف زمني؟! ) .. وأخرها المجلس الوطني الفلسطيني ( الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للكل الفلسطيني وصاحبة القرار السياسي ) ؟! ، أم .. الأولوية لاستراتيجية وطنية فلسطينية انطلاقا من تحديات الراهن الفلسطيني والعربي والدولي؟!

– إن الانتخابات الفلسطينية جزء من الحل وليس كل الحل، وهي نتيجة طبيعية للحل الوطني العام والرزمة الشاملة لتحديات الحالة الفلسطينية وتعقيداتها داخلياً وخارجياً ، هي الأداة والوسيلة لأهداف وطنية وليست هدفاً بحد ذاته ، لذلك ، فإن الدعوة إلى الانتخابات في الوضع الفلسطيني الحالي بدون إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات والتوافق على رؤية وطنية ، مغامرة غير محسوبة العواقب وقفزة في المجهول، أو يهدف منها ” الثنائي “ المتحاور إدارة الانقسام وكسب الوقت لأهداف ” تكتيكية “ تستند في الرهان من جديد على الأخر والتغيرات الإقليمية والدولية .

– إن تجاهل متطلبات النهوض الوطني الفلسطيني والياته ، وتجاهل تحديات مشروعه الوطني وقضايا الخلاف الأساسية ، والتركيز على الجوانب الشكلية الإجرائية، بمعزل عن التوافق والاتفاق الوطني العام ، من خلال حوار وطني شامل وليس حوار ” ثنائي “ او تفاهمات ” ثنائية “ ، سنغرق في دوامة من الانتكاسات الوطنية ولن نرتقي بالورقة الفلسطينية الى مستوى المخاطر والتحديات الراهنة, ما يستوجب فوراً .

– إنهاء التعامل بما سمي ” عملية السلام “ والماراثون التفاوضي العقيم , أوسلو وكل استحقاقاته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية, والعودة الى مربع استحقاقات حركة تحرر وطني هدفها إنهاء الاحتلال والسيادة الوطنية , بكل أشكال المقاومة والتحرير لتغيير الحقائق على الأرض , وإبراز قوة الورقة الفلسطينية في المحافل الإقليمية والدولية .

– وهنا يجدر الإشارة، الى حسم مسألة المقاومة بكل اشكالها وتلاوينها، الشعبية منها والمدنية السلمية والمسلحة ، في خدمة التحرر وإنهاء الاحتلال ، وتجديد وظائف السلطة الفلسطينية بما يخدم الاستراتيجية الوطنية العامة .

– إن الدعوة الى اجراء الانتخابات بمعزل عن اليات المواجهة والتصدي للمخاطر المحدقة بالمشروع الوطني الفلسطيني، وبالتوافق الفلسطيني الاجماعي، وليس ” الثنائي “ ، سيعمق الانقسام الفلسطيني وشرعتنه ، ويفسح المجال لشرعنة ” السلطة الجديدة “ ، التي يجري تأهيلها وتلميعها لتناسب رؤية ترامب وتجلياتها العربية والإقليمية .

– لن تكون الانتخابات هي الحل ..؟ بل هي جزء من الحل ، ولا يمكن أن تكون الانتخابات خطوة إيجابية إلا إذا كانت النتيجة وليس المدخل ، وفي إطار حل الرزمة الكاملة وبالشراكة الكاملة ، لأن العملية الوطنية ليست انتقائية أو تجريبية ، الحل في التوافق والاتفاق على استراتيجية وطنية تتجسد بأدواتها والياتها، ومن ثم تأتي الانتخابات لتُكمّل الحل السياسي والعملية الوطنية وليس العكس ، وحركة التحرر الوطني الفلسطينية ليست باستثناء عن حركات التحرر العالمية، بل استمرارا واستكمالاً لها ، وإذا كانتالقضية تدور حول مسألة الشرعية ..؟ فإن الشرعية الثورية في كل تجارب العالم غالباً ما تستمد من الميدان والفعلوالعمل، لقيادة سياسية قادرة على توجيه جمهورها نحو الهدف الوطني الاستراتيجي .

2 – هل المطلوب في هذه المرحلة استكمال ” اجترار” الحوارات والتفاهمات ” الثنائية “ وبدون نتائج على الأرض وخوض معارك تكتيكية ..؟ .. أم .. المطلوب حوار وطني جدي وشامل ، بدون أي استثناء ، كون الجميع شركاء بالنضال والمسؤولية والقرار السياسي ، وكأن بقية الفصائل والقوى والشخصيات الفلسطينية ، شاهد زور وضيوف شرف على الحالة الفلسطينية ومصيرها ..؟!.

– إن الوضع الفلسطيني يمر بمرحلة استثنائية وحرجة للغاية ، ما يستوجب بعدم التعامل معه بانتظاريه وانتقائية وتجريبية, في الوقت الذي نثمن فيهالخطوة الوحدوية والتي ابتدأت بالدعوة إلى الوحدة الميدانية والمقاومة الشعبية, وانتهت–للأسف-بمهرجانات إعلامية وبيانات ” شعبوية “ عن تشكيل القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية والجماهيرية طالما الانقسام قائم ومستمر، ومن ثم الانتقال إلى الدعوة الأحادية لإجراء الانتخابات بالتدرج , في محاولة مكشوفة لتأجيل الحسم بالقضايا المصيرية إلى أجل غير مسمى , وذلك بتغييب الحوار الوطني الشامل بين الفصائل الذي تصدر تباشيره اجتماع الأمناء العامين في بيروت ورام الله , للتوافق على الرؤية الوطنية الاستراتيجية من موقع الشراكة الوطنية , والخروج من مخاض الحالة الفلسطينية في هذه المرحلة العصيبة بأقل الخسائر.

3 – هل هو محور إقليمي جديد ( تركي – قطري ) بتوجه أمريكي ..؟ في مواجهة المحور ( الخليجي – الاماراتي ) الذي يسعى إلى تأهيل شخصيات فلسطينية بديلة عن القيادة الحالية ، وتمكينه من قيادة المركب الفلسطيني بما يتوافق مع تطبيقات المرحلة القادمة من الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية لشرق أوسطي جديد ..؟!

– أما الخضوع للإملاءات الامريكية وسياسية ” العصا والجزرة “ أو البديل الفلسطيني جاهز على الأبواب ..؟

– إن كل الدلائل تشير، بعقد الحوارات ” الثنائية “ في تركيا واستكمالها في قطر، برسائل وإيماءات مشفرة حول المسعى الفلسطيني الرسمي والدور المنوط بالمحور الاقليمي الجديد ، خصوصاً بعد إعلان أمير قطر موقفه السياسي من رؤية ترامب ، والوعود الأمريكية بغض الطرف عن بعض التجاوزات التركية في المنطقة والاقليم ، والسعي لتوفير غطاء فلسطيني لمؤامرة تصفية القضية الوطنية بعد تغيير السلطة القائمة بسلطة تقبل ما هو مطروح في رؤية ترامب واستسلامها للشروط والإملاءات الإسرائيلية .

– تأسيسًا على ما سبق، فإن ما جرى ويجري من ردود أفعال فلسطينية حتى الآنغير كافية ، لإحباط مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية ، خصوصًا في ظل التحوّل النوعي بموقف النظام الرسمي العربي والخليجي على وجه الخصوص، نحو التطبيع والتحالف مع ” إسرائيل ” ، ما يستدعي ردًا فلسطينيًا بمستوى المخاطر والتحديات الراهنة ، يتجاوز السياسات الانتظارية والرهان على المتغيرات الإقليمية والدولية .

4 –هل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني المبرمج أولاً حسب التفاهمات الجديدة، سيُعيد كامل السيادة للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة ..؟ إذا الامر كذلك ، لماذا لا تُبنى جسور الثقة من الأن وتعود غزة الى حضن السلطة بانتخابات او بدونها، فقطلإشاعة التطمينات في الشارع الفلسطيني؟ طالما التفاهمات الفلسطينية ” الثنائية “ هي ” الفيصل “ في الحالة الفلسطينية ..؟

– السؤال هنا : هل انتخابات المجلس التشريعي، إن حصلت ، كفيلة بعودة غزة الى حضن الوطن ..؟ ما لم تتوفر الإرادة الوطنية والسياسية لدى” الثنائي “ بتوحيد الجغرافيا الفلسطينية وإنهاء الانقسام ( السياسي والجغرافي والسلطوي ) ؟، إلّا إذا كان الهدف من إجراء الانتخابات قبل الاتفاق على الحل السياسي ، تكريس السلطات الموقعية تمهيداً للانفصال الجغرافي الكامل ..؟! .

– إذاً ، ما الفائدة المرجوة من انتخابات لا تضمن ولا تحقق السيادة الفلسطينية الكاملة على كامل الجغرافيا الفلسطينية ..؟ فإذا كانت الثقة و ” التفاهمات “ بين الأطراف الفلسطينية هي الفيصل ، فلماذا إذاً لا تجري الانتخابات الشاملة باستحقاقاتها الثلاث ( التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني ) دفعة واحدة ، ونعتبر ذلك بداية حقيقية لمرحلة جديدة في بناء نظام سياسي ديمقراطي مؤسساتي يرتكز على رؤية وطنية تجمع ما بين الاستراتيجية الدفاعية ( توفير مقومات الصمود للشعب الفلسطيني فوق أرضه )، والاستراتيجية المقاومة ( إنهاء الاحتلال والسيادة الوطنية ) .

– المطلوب :

– إنهاء الانقسام ، توحيد المؤسسات ، وإعادة صياغة استراتيجية وطنية فلسطينية مقاومة لصفقة ترامب والتطبيع والضم ، واجراء الانتخابات التشريعية دفعة واحدة كاستحقاق دستوري ، بدون الرهان لا على الإقليمي ولا على الدولي، ولا على عودة الرهان على مفاوضات ” السلام “ والتقوقع في دائرة السياسات الانتظارية والتجريبية والانتقائية .

– قيادة جماعية وشراكة حقيقية تحتكم إلى الشعب ، بناء وتوحيد كل المؤسسات وتجديدها عبر الشروع في حوار وطني تمثيلي واسع للداخل والخارج ، يبحث الاستراتيجية الوطنية الموحدة ، وأسس الشراكة، وكيفية بناء مؤسسات منظمة التحرير لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي ، وتغيير مفهوم السلطة وتجديد وظائفها.

– إن كافة محاولات الإدارة الأمريكية لتمرير مشروع تصفية القضية الفلسطينية لن تنجح طالما أنها لن تحظى بموافقة فلسطينية رسمية ، وحتما ستفشل كل المؤامرات مع الفلسطيني لأنه باختصار تراهن على مصير شعب حافظ على هويته وإرادته وقضيته ، رغم كل المخاطر وضغوطات اللجوء والذوبان الذي تعرض لها .

– نريد حلاً سياسياً جذرياً وليس زفّة سياسية .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار