المعايدات والكلام المعسول.. فخّ إسرائيلي للتطبيع الإلكتروني!

الإسرائيلي يستفيد من توسيع قدرة الحسابات التي يبث منها رسائله بالعربية عبر وسائل التواصل الإجتماعي، للوصول إلى أكبر عدد من الناس. الحل هو التجاهل وعدم التفاعل، لا من قريب ولا بعيد.

ردّت الفنانة جوليا على تغريدة تتضمن معايدةً مسمومةً، كما سمّتها، من الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر بيان، ولمّا يأت الرد بعد عبر صفحته. 

في الظاهر، قد يبدو الأمر بسيطاً، ولكن في العمق، أثبتت النجمة المعروفة بتعلقها بالمقاومة، أنها لم تنجرّ إلى الفخ الإسرائيلي، كما يفعل البعض عن غير قصد، في عصر يكثر من يفعل فيه ذلك عمداً.

هل هناك استراتيجية يمكن فهمها حول تواصل الحسابات الإسرائيلية مع المتابعين العرب؟

كل ما نرصده من تفاعلات إسرائيلية بما يخص الساحة الافتراضية، يمكن تصنيفه ضمن خانة أنسنة المحتل وتكريس التطبيع. والهدف منه، بطبيعة الحال، الاستفادة من تواجد الناس إلكترونياً، لحثهم على التفاعل مع حسابات إسرائيلية يتم تزيينها برداء اللطف والتسامح والعيش المشترك.

هي ليست المرة الأولى التي يتفاعل ناشط إسرائيلي مع حدث عربي بهدف الوصول إلى فئة محددة من الجماهير.

الحساب الإسرائيلي ينشر باللغة العربية (وهو دليل واضح على أنه موجه للتواصل والتفاعل مع العرب).

يقوم الحساب باستغلال المناسبات المرتبطة بهذا الجمهور للتعليق عليها أو إبداء الرأي بها (بهدف الاستفادة من أكبر عدد من المتفاعلين وإظهار النية الحسنة. يزداد خطر هذا الفعل، لأنه يحصد تفاعل الفئات العمرية الأصغر نسبياً، الذين يغفلون عن العديد من الأحداث التاريخية والأسباب التي تمنع من التفاعل مع شخصيات معادية).

يتم توظيف هذه الصورة الراقية بين مزدوجين، بينما هي زائفة في الحقيقة، في كسب تفاعل ومتابعات عالمية، وبالتالي تأييد الحساب بمصداقية ورمزية أكبر. أفيخاي أدرعي يبارك لكل الفنانين العرب، لأن لديهم قاعدةً شعبيةً كبيرةً، وليظهر أنّ “إسرائيل” منفتحة ومسالمة. 

-قوة الإسرائيلي في التوظيف الإعلامي إلكترونياً هي قدرته على التنقل بين مستويات مختلفة من حالات التعاطي. أقصد هنا اختياره المساحة والتوقيت والمادة الأنسب للهجوم أو الدفاع أو التبني ونشر الأكاذيب ليبني عليها لاحقاً. وهذا ما نلاحظه كثيراً في موضوع تعاطيه مع حزب الله، من خلال تركيزه على أن حزب الله “إرهابي”، وأن الشعب العربي ضحية له، ومحاولة إخفاء الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، والتي يأتي نشاط حزب الله وحركات المقاومة كرد طبيعي ومشروع عليها، وفق الشرائع والقوانين الدولية.

ما التقنيات المستخدمة والأساليب المعتمدة لتنفيذ المهام؟

الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي تتغذى عملياً بأعداد المتابعين، والتفاعل هو المحرك الأساسي لإظهارها على محركات البحث. ولذلك، إنّ معايدة فنانة وطنية راقية كجوليا، تمتلك قاعدةً شعبيةً وحيثيةً بين المتابعين، ستزيد من قدرة الوصول إلى أفيخاي، لمجرد تفاعله مع الحدث.

-عادةً ما نرصد نسبةً كبيرةً من نشر المواد في المناسبات الجامعة، من مثل شهر رمضان والأعياد، ويتم التعليق على المواضيع الإسلامية والدينية ونشر الأدعية (ما يدل على استغلال اهتمامات الناس، وهو ما يوضح حجم الخطر، لأنه يثبت عملية تحليل بيانات الجمهور قبل توظيف المعلومات في استقطابهم واستهدافهم)، كما تستخدم الآيات القرآنية والأدعية بهدف إظهار انفتاح الإسرائيلي على الديانات. 

-في موضوع كورونا المستجد، روجت المواقع الإخبارية الإسرائيلية لمقالات وأخبار تتحدث عن توصل المختبرات الإسرائيلية إلى علاج للفيروس، في محاولة لتوظيف الموضوع في إطار التطبيع أيضاً. 

مضمون المقالات تحدث عن محاولات واختبارات يتم إجراؤها كباقي الدول التي تسعى لإيجاد العلاج. أما الهدف الحقيقي فهو توظيف الحدث لخلق مساحات حوارية بين الإسرائيليين والمعادين لهم، فتظهر “إسرائيل” كأنها جزء من منطقة واحدة.

وفي هذا الإطار، تم تمرير أسئلة لجعل الإنسان يعيد التفكير ببعض الأساسيات، من مثل: هل نستخدم اللقاح في حال أوجدته “إسرائيل”؟

-من التقنيات التي يعتمدها أفيخاي وغيره من الحسابات الشبيهة، الترويج للمطبعين العرب وتضخيم حضورهم وصوتهم، لكونهم أقرب إلى الجمهور المستهدف. وقد ظهر هذا الأمر في الخليج مراراً وتكراراً، والهدف منه أولاً الإيحاء بأن عدد المطبعين أكبر مما هو عليه، ثانياً المساعدة في تقبل الناس له، وثالثاً إظهاره وكأنه أمر طبيعي وعادي، في حين تقوم الجهات نفسها بتتبع الحسابات التي تحارب التطبيع، وتلاحقها بطرق شتى، فتارةً ترفع الدعاوى ضدها في المحافل الدولية، وتارةً أخرى تلفق الأخبار الكاذبة، وتفبرك صوراً لتشوه سمعتها، مثلما حصل مع جمعية حركة المقاطعة أو BDS.

كيف يمكن مواجهة هذا التغلغل الإسرائيلي والحد من خطره؟

عادةً ما يستاء الناس من تفاعل الحسابات الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية معهم، ويكون الرد التلقائي الشتيمة أو إظهار مشاعر الكره والاستهجان. وعلى الرغم من أن هذه المشاعر نبيلة وشريفة، فإنّها لا تصب في مصلحة المحافظة على العداء لـ “إسرائيل”، لأنها تزيد التفاعل، وتساعد بالتالي الحساب على الوصول إلى أكبر عدد من المشاركين. 

يعمل الإسرائيليون بمبدأ bad marketing is marketing too، بمعنى التسويق السيئ، ولكنه تسويق أيضاً، ويحقق الغاية.

وبالتالي، حتى لو لم يكن الرد إيجابياً، فإنّ الإسرائيلي يستفيد من توسيع قدرة الحساب على الوصول إلى أكبر عدد من الناس. الحل هو التجاهل وعدم التفاعل، لا من قريب ولا بعيد، لا بل يجب توظيف الوعي المتزايد بين شخصيات مسؤولة كجوليا، للانتقال من حالة الدفاع، وترتيب آلية الرد، إلى توعية المجتمع والتحضير مسبقاً لحملات تجاهل مستمرة لا تسمح لحساب محتل ناطق باللغة العربية بتوظيف حسابات الفاعلين العرب ضمن قاعدة شعبية افتراضية واضحة الأهداف والنيات.

بهية حلاوي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار