*«محرقة» لوعي اللاجئ الفلسطيني: «إسرائيليّون» في «الأونروا»!*ومحاولات تغيير المناهج الدراسيّة في مدارس الأونروا

ضاق العالم بالقضيّة الفلسطينيّة، وقد حار قديماً، ويَحار يوميّاً، في كيفيّة طيّ صفحة هذا «الكابوس» الأبدي. لم يعد الفرق شاسعاً في هذا السعي، بين عدو وبين حليف عدو و«حيادي» و«شقيق»… فـ«البيت الفلسطيني» نفسه ليس بعيداً عن هذا. وصل الأمر إلى وكالة «الأونروا»، التي أنشئت لـ«إغاثة وتشغيل» اللاجئين الفلسطينيين. هذه تُريد الآن أن تغير مناهج تدريس «أطفال القضيّة» ليُصبح اسم بلادهم «يقطين»! وأن تُشطب مِن وعيهم أي خريطة لبلادهم تحت شعار «الحضّ على السلام»! الوكالة، التي تُعاقب اللاجئين وتطردهم مِن عملهم لديها إن أبدوا تعاطفاً، علنيّاً، مع قضيّتهم بحجّة «عدم التحيّز»، تسمح بأن يكون على رأس هرم إدارتها مَن له علاقات بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية وكذلك الأميركية. أياً يكن، هناك مَن لا يزال يرفض أن يموت، ومن هؤلاء مَن سرّب «الفضيحة» الأمميّة، فعطّلوا الخطّة مرحليّاً. هؤلاء، ومعهم كلّ مقاوم في الداخل والخارج هم الذين يتمنّى «كبار العالم» موتهم منذ دهر، لكنّهم فكرة فضلاً عن قضيّة… والأفكار دوماً مضادة للرصاص

في تمّوز 2016، زار الأمين العام السابق للأمم المتّحدة، بان كي مون، مدرسة تابعة لـ«وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى» (الأونروا) داخل قطاع غزّة في فلسطين. كانت هناك لوحة طوليّة لخريطة فلسطين، كلّ فلسطين، تلك التي «من النهر إلى البحر». حدث أن جاء «أحدٌ ما» وغطّى تلك اللوحة بقماشة بيضاء قبل وصول الزائر إلى المدرسة، كأنّها عار لا يُراد للعين الأجنبيّة أن تراه!

مَن فعل ذلك؟ ظلّ الأمر مبهماً. الفلسطينيّون الغاضبون اتهموا «الأونروا» بذلك، فيما نفى المتحدّث باسم الأخيرة الأمر، ثم أتت «اللجان الشعبيّة للاجئين» وقالت في بيانها إن مَن فعلها «جهة مِن الطابور الخامس في وكالة الأونروا… هذا العمل المشبوه والمخزي». كل ذلك كان قبل الوثيقة السياسيّة الجديدة لـ«حماس». قبل أن تعلن الحركة، منهجيّاً، قبولها دولة على ما يُعرف بأراضي عام 1967.

*«الأونروا» وتغيير المناهج*

قبل نحو شهرين، علت أصوات فلسطينيّة، مِن الداخل والخارج، ضدّ «الأونروا» بعدما همّت بتغيير المناهج الدراسيّة للطلاب في مدارسها. مسؤولون في الوكالة رفضوا، بداية، التعليق على المسألة. لاحقاً سيأتي المفوّض العام للوكالة، بيير كرينبول، ليجتمع برئيس الوزراء الفلسطيني (رام الله) رامي الحمدالله، ثم بوزير التربية والتعليم صبري صيدم، وذلك للبحث في قضيّة المناهج المُثارة. بالمناسبة، لولا تسريبات مِن داخل الوكالة نفسها، لكانت مرّت التغييرات وأصبحت واقعاً.
هذه التسريبات، التي حصلت «الأخبار» على نسخ عنها، تتضمن المناهج التي كان يُعمل عليها، إذ كانت كلمة «فلسطين» في واحد مِن كتب المرحلة الابتدائيّة ستُصبح «يقطين»! أمّا الخريطة الفلسطينيّة، فكانت ستتبخّر تماماً. والأم التي كانت تتعاون مع ابنتها في «تطريز خريطة فلسطين» ستُصبح، بعد التعديل، تتعاون مع ابنتها في «تطريز ثوب فلسطيني». أيضاً، كانت ستتبخّر تماماً كلمة «احتلال» مِن إحدى الصفحات، وكذلك التمرين المتعلّق بـ«يوم الأسير الفلسطيني». وفي مكان آخر، في أحد دروس اللغة العربيّة، سيحلّ «الأمير» مكان «الأسير». ستُستبدَل جملة «القدس عاصمة فلسطين» بجملة «القدس مدينة الديانات السماويّة». السجن سوف يُصبح «بلديّة»… اللائحة طويلة، لكنّ الفصل الأخير مِن هذه المسرحيّة التافهة سيُحيل رسم جدار الفصل العنصري إلى هيئة «شلّال»!
رئيس الوزراء الفلسطيني سيُعلن، بعد لقائه كرينبول، أنّه «تم الاتفاق خلال الاجتماع على أنّه لا تغيير على المناهج التي تُدرّس في مدارس الوكالة، وأيّ تعديل عليها سيتم بالمشاورات الكاملة مع وزارة التربية والتعليم». في اليوم التالي، بعد اجتماع المسؤول الأممي مع وزير التربية والتعليم في رام الله، سيُصرّح الأخير قائلاً: «نؤكد العلاقة الوثيقة والتاريخيّة التي تربط الوزارة بالوكالة، والحرص على تعزيز التواصل بما يضمن خدمة التعليم لأبناء اللاجئين وتحسين مخرجاته… ونشدّد في الوقت نفسه على ضرورة احترام المناهج الوطنيّة ومنع أيّ محاولات قد تمسّ المناهج ومضامينها».

*لم يمر تغيير المناهج وشطب فلسطين منها، لكنه سيبقى موضوعاً حاضراً*

أما كرينول، فقال إن الوكالة «تعدّ شريكاً رئيسياً لوزارة التربية، خاصة في المجال التعليمي، ونؤكد حق الأطفال الفلسطينيين في تلقي تعليم نوعي والحفاظ على مقومات الهوية والثقافة، وإنّ أي إثراء للكتب المدرسيّة الفلسطينيّة سيكون بالتنسيق بين الوزارة والوكالة».
هكذا، إنّه «الإثراء». كلّ المسألة في هذا «الإثراء». إلى هنا تكون الوكالة، في الظاهر، تراجعت عن خطوة تغيير المناهج كما كان يُعدّ لها، علماً بأن الاجتماع الأخير بين المفوّض العام للوكالة والوزير الفلسطيني حضره عدد مِن الخبراء والمستشارين، مِن الطرفين، ومِنهم حكم شهوان (احفظوا هذا الاسم) مِن مكتب المفوّض. وبالمناسبة، كانت الوكالة قد عقدت في العاصمة الأردنيّة، نهاية العام الماضي، منتدى لـ«تعزيز الجهود الرامية إلى تنفيذ إطار المناهج» (كما أعلنت على موقعها الإلكتروني). ومما جاء في بيانها آنذاك أنّ المناقشات في المنتدى «ركّزت على كيفيّة ضمان استخدام إطار المناهج على نحو فعّال، مع التركيز على قضايا مثل تجنّب التحيّز والتزام قيم الأمم المتحدة». تذكّروا معزوفة «تجنّب التحيّز»، وكذلك «قيم الأمم المتّحدة».

*العين الإسرائيليّة على «الأونروا»*

قبل منتدى الوكالة المذكور، وقبل فضيحة المناهج، كانت دراسة إسرائيليّة قد صدرت ــ أعدّها رئيس «مركز أبحاث سياسات الشرق الأوسط» الإسرائيلي دافيد بادين ــ وحُرّض فيها على «الأونروا» والمناهج الدراسيّة التي تدرّسها. دعا بادين دول العالم المانحة إلى الكفّ عن تمويل الوكالة، مستشهداً بتصريح لرئيس «لجنة الخارجيّة والأمن» في الكنيست آفي دختر، وفيه أنّ «100% مِن موظّفي الأونروا أعضاء في المنظّمات الفلسطينيّة المسلّحة». لاحقاً، في مطلع العام الجاري، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيليّة تعليقات على دراسة أعدّها أرنوس غروس بالتعاون مع روني شكيد، جاء في خلاصتها أنّ «المناهج الدراسيّة المقررة في مدارس الأونروا تعدها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وتعتمد أساساً نزع الشرعية عن إسرائيل وتشويهها».
بعدما ترجم غروس الكتب المدرسيّة كلّها إلى العبرية، لفحصها ونشرها، خلص إلى الآتي: «هناك 11 كتاباً من مناهج الأونروا دولة إسرائيل غير موجودة فيها، كما ورد في أحد كتب التاريخ أن الصهيونيّة حركة استعماريّة، وكذلك الكتب المذكورة لا تتحدث عن أي صلة للعلاقات الدينية والتاريخية لليهود بهذه الأرض والقدس، وفي جميع كتب الأونروا لا يظهر أي اعتراف بالأماكن المقدسة لليهود مثل الحرم القدسي، وحائط المبكى (البراق)، أو قبر راحيل، بل يتم عرضها كأماكن مقدسة للمسلمين، ويريد اليهود السيطرة عليها».
(يا حرام!)، غروس يزعجه أن يصف أحدهم الصهيونيّة بالحركة الاستعماريّة كأنّها مؤسسة لتوزيع الورود! المُهم، هذه الدراسة قُدّمت إلى الكنيست، كما ذكرت الصحيفة، التي أضافت أنّه «يجب التوضيح للولايات المتحدة والدول الأوروبية أين تُنفَق أموالهم، والطلب منهم وقف ما تقوم به الأونروا».

في نيسان الماضي، عاد بادين، صاحب الدراسة الأولى، ليُكرّر هجومه على مناهج «الأونروا». وادعى أنّ الوكالة «جمعت في مرحلة سابقة تبرعات مالية لإعداد خطط دراسية، تشمل تدريس المحرقة النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية ضمن مناهجها التعليمية، لكنها ما وفَت بتعهداتها». الخطير في الأمر أنّ «الأونروا» لم تردّ ولم تعلّق. أكثر مِن هذا، الأخطر أن بادين نقل عن «مسؤول كبير في الأونروا» قوله إنّه «لم تكن هناك نية أصلاً لتدريس المحرقة، لكننا أردنا تحسين صورتنا لدى الجالية اليهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل». وختم الباحث الإسرائيلي قائلاً: «في ظلّ خشية الأونروا من تقليص واشنطن إسهاماتها المالية المقدمة إليها، غيرت بوضوح في سياستها، وأرسلت رسائل بأنها بصدد إعداد خطط دراسية تحض على السلام، والتخلص من التحريض الذي طالما قالت إنه غير موجود في مدارسها».
يُذكر أن الولايات المتّحدة الأميركيّة هي المساهم الأوّل في تمويل «الأونروا»، وهذه مسألة تاريخية، ولهذا كتب البروفسور الإسرائيلي آريه الداد، بعيد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، أنّه «على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن يطلب مِن ترامب وقف تمويل وكالة الأونروا وإغلاق هذه المنظمة المعادية». وكلّ هذا الضجيج الإسرائيلي كان قد انطلق قبل تسريب نماذج المناهج المدرسيّة المزمع اعتمادها.

*مَن هو حكم شهوان؟👇🏻*

لا تكفّ «الأونروا» في بياناتها وتصريحات مسؤوليها عن التذكير بمبدأ «الحياد» و«عدم التحيّز»… في السياسة وغيرها. فتمنع على موظّفيها (مِن اللاجئين الفلسطينيين) أن يكون لديهم انتماءات سياسيّة، بل حتّى التعبير عن ميولهم الوطنيّة، بل تُعاقب وتطرد مَن يُعبّر مِنهم عن مواقفه الوطنيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، والشواهد كثيرة، وهي قضية دوماً حاضرة في سجلات الموظفين وملاحظات مديريهم.
حسناً، مَن هو حكم شهوان، الذي عيّنته الوكالة مديراً لها في لبنان لعدّة أشهر بين عامي 2016 و2017؟ مَن هو هذا «الخبير في فنون التواصل» الذي شبك علاقات مع مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية، في لبنان والخارج، وأصبح «محبوب الجميع»؟ إنّه حامل شهادة الماجستير في الأمن والديبلوماسيّة مِن «جامعة تل أبيب». هذا كلّ شيء؟ كلا، مَن هم الذين كانوا أساتذته في الجامعة، وأيّ برامج خضع لها، وما «المُنتَج» الذي أصبح عليه؟
الجامعة المذكورة ــ على موقعها ــ تعلن في برنامجها للشهادة التي حصل عليها شهوان الآتي: «اكتسب خبرة لا مثيل لها في زيارات ميدانيّة إلى حدود إسرائيل المختلفة، ومكاتب وزارة الدفاع (الأمن) الإسرائيليّة الحكوميّة التي يقودها عميد متقاعد في الجيش الإسرائيلي». وتضيف الجامعة في سيرته: «لقاءات واجتماعات مع سفراء يديرها مدير عام سابق في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة. لقاءات مع محترفين في الأمن والديبلوماسية».

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار