فصائل منظمة التحريرالفلسطينية – الموت البطيء..

0

فصائل منظمة التحريرالفلسطينية – الموت البطيء..!: رائف حسين
21 كانون ثاني 2018
الكلام عن تحديث مؤسسات “م ت ف” ودمقرطتها عمره من عمر المنظمة. الأسباب التي تم تداولها لتغاضي النظر عن هذه المهمة لفترات طويلة أو لإقصاء هذه المهمة الى يومنا هذا عديدة ومتنوعة والتطرق لجميعها يحتاج الى كتاب ودراسة كاملة، لذا اكتفي بالتركيز على الفصائل ودورها في هذا المقال.

الْيَوْمَ وبعد 52 عام ونيف على تأسيسها لم يعد احد يطالب بدمقرطة “م ت ف” ومؤسساتها كهدف أولي اساسي… الآن الكل من داخل ومن خارج المنظمة يطالب بإعادة الاعتبار للمنظمة اولاً بعد ان تم الإجهاز عليها في صفقة القرن الماضي – اتفاقيات اوسلو وباريس وما تلاها من اتفاقيات جانبية.

منظمة التحرير الفلسطينية كانت ضمنيا، قبل تفكيك مؤسساتها ووضع ما تبقى منها في ثلاجة الجثث، الممثل الشرعي لعموم أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده… الكل؛ فلسطينياً، عربياً وعالمياً، شعبياً ورسمياً، تعامل مع المنظمة من هذا المنطلق. اضافة الى ان “م ت ف” أصبحت مع الوقت الهوية الوطنية الجامعة لابناء الشعب الفلسطيني… لهذا لا يمكن القبول بالتفريط بمنظمة التحرير لانه سوف يعني في نهاية المطاف التفريط بالهوية الوطنية.

السؤال المحق في هذا الصدد هو ان كانت مكونات المنظمة، من فصائل وأحزاب وقيادات، راغبة بالدرجة الاولى وقادرة بالدرجة الثانية على اعادة الاعتبار لهذه الهوية الوطنية الجامعة؟

الفصائل الفلسطينية بألوانها المختلفة وبتوجهاتها الأيدلوجية والسياسية المتنوعة أصبحت العائق الاول امام تطور الحالة الفلسطينية بشكل عام وامام اعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كهوية وطنية جامعة بشكل خاص… اذ ان الحقيقة التي تفرض نفسها علينا تقول بصريح العبارة: من لا يستطيع وعلى مدار سنين طويلة وبظل مثل هذه الظروف المصيرية الحرجة ان يجد القاسم المشترك الأكبر بينة ويتفق على العمل على هذا الأساس من اجل المصلحة الوطنيه العليا ليس بمقدوره ان يعيد الاعتبار للمنظمة كرافعة للهوية الوطنية.

الانطباع المخيم على الحالة الفلسطينية والمنتشر بين عموم أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجدهم هو الابتعاد عن التنظيمات الفلسطينية وإدارة الظهر لها ولمكوناتها.

ثقة الجماهير الفلسطينية بالفصائل الوطنية وخصوصاً تلك المنضوية تحت راية “م ت ف” في تراجع مستمر منذ سنوات وقاربت ان تصل الى نسبه خطيرة وطنياً.

الامتعاض الجماهيري الواسع من التنظيمات والقيادات والأحزاب الفلسطينية له اسبابه ومقوماته… رغم ان كثيراً مما يتم تداوله من نقاش وكلام وتوصيف حول الفصائل هو فشة خلق أو رأي نابع من غريزة الثأر وليس قراءة واقعية نقدية لحال الامر.

لفهم الفرضية أعلاه: بان الفصائل الفلسطينية عندها رغبه بتطوير الحالة الفلسطينية لكن لا تملك القدرة على ذلك… أعدد بعض الأسباب :
1- الفصائل الفلسطينية خصوصاً تلك التي واكبت المسيرة الفلسطينية منذ بداياتها الصعبة، حركة “فتح”، الجبهة الشعبية، حزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقاً) والجبهة الديمقراطية، قدمت نضالا وفكراً مهمين جداً… لولاهما لتبعثرت القضية الفلسطينية في مهب الريح وتم الإجهاز عليها من قبل بعض الأنظمة العربية… لهذه الفصائل ولأعضائها جميعاً يَكِّنُ كل عاقل احتراما وتقدير كبيرين… هؤلاء هم من رفعوا الراية والبندقية وقدموا البرامج السياسية والنضالية لمعركة التحرير… لكن هذا لا يعني ان بيدهم صك غفران يُكَّفِر عن جميع تخبطاتهم السياسية وإخفاقاتهم الاستراتيجية… تاريخهم يضعهم امام مسؤولية وطنية اعلى، وعلى عاتقهم تقع مهام مضاعفة ومعقدة تتطلبها المرحلة… اعتقادهم بان تاريخهم النضالي ضمانة لبقائهم وقوة تأثيرهم هو اهم سبب في إخفاقهم.

2- الفصائل الفلسطينية أقفلت باب عطاءها البرنامجي الاستراتيجي الهجومي كحركة تحرر وطني تعمل ضمن ظروف معقدة ومتقلبة في منتصف السبعينات بتبنيها البرنامج المرحلي والكفاح المسلح كاستراتيجية تحرير… هذا كان آخر برنامج استراتيجي محكم ونقلة نوعية إيجابية للحالة الفلسطينية… بعد هذه المرحلة أصبحت الفصائل الفلسطينية اما اداة لقوى اقليمية وعالمية تروج لفكرها وسياساتها أو انها راوحت مكانها نضالياً وفكرياً… حتى بعد توقيع اتفاق أوسلو استمر هذا الضياع ولَم تقدم هذه الفصائل تطويراً لاستراتيجياتها بتاتاً، بل فقدت البوصلة وأصبحت تتخبط بين استراتيجية فريق أوسلو المرسومة غربياً بان الحالة الفلسطينية أصبحت الآن في طور بناء دولة وبين نوستالجية الكفاح المسلح وحركة التحرر… هذا الضياع افقد الفصائل الفلسطينية مصداقيتها.

3- الفصائل الفلسطينية بألوانها السياسية المختلفة ومنذ نهاية ستينات القرن الماضي ثبتت بايداءها السلبي ان المصلحة الفئوية والمصلحة الشخصية للقيادات اهم من المصلحة الوطنية العليا… فجاء تأسيس الفصائل والأحزاب فيما بعد عن طريق الانقسام الداخلي… الجبهة الديمقراطية انشقت عن الجبهة الشعبية وقبلها “فتح” انشقت عن الاخوان المسلمين… وبعدها انشق ابو موسى و”فتح الانتفاضة” عن “فتح” وقبلها انشقت الجبهة الشعبية-القياده العامة، ومن ثم انشقت “فدا” عن الديمقراطية وانشق مصطفى البرغوثي “المبادرة الوطنية “عن الحزب الشيوعي الذي انشق عن نفسه وأصبح يسمي نفسه حزب الشعب ومن ثم انشق دحلان عن “فتح” وأبتكر ال “فتح” دكاكين مختلفة باسمهم وأصبحت “فتح” شبه “مول حركي”… فرسخت فكرة الانقسام في عقول البشر ولَم تنجح الفصائل بزرع فكرة التجديد مكانها… النتيجة الحتمية كانت وما زالت؛ بعد الجماهير عن الفصائل وساد فكر: “هم ونحن” لوصف علاقة الجماهير مع الفصائل.

4- نجح الرئيس الراحل ياسر عرفات بجعل حركة فتح التنظيم المهيمن على منظمة التحرير الفلسطينيه والمتنفذ المستفرد بقرارها وأصبحت باقي الأحزاب والحركات المنضوية تحت راية م ت ف “احزاب ساتالايت” تدور حول فتح وياسر عرفات وبدونهما لا يمكن لها ان تعيش… وأفلح ياسر عرفات ايضاً “بسياسة العصى والجزره” بربط مصير هذه الأحزاب وسياساتها وتوجهاتها برغباته الشخصية… وأستمر ياسر عرفات بهذا النهج بعد توقيع اتفاقية أوسلو… والكل يعرف الانشقاقات التي حصلت داخل حركات فلسطينية بايعاز وإدارة وإخراج من ياسر عرفات ومطبخه… هذا الضعف للأحزاب اليسارية خصوصاً وهذه الهيمنة لـ”فتح” وياسر عرفات قابلتها الجماهير الفلسطينية بالابتعاد البطيء عن هذا “المستنقع”.

5- تكلس التجديد لم يقتصر فقط على الأداء الفكري الاستراتيجي والتكتيكي للفصائل الفلسطينية بل أصاب ايضاً البنية الداخلية للأحزاب والحركات… فالتجديد بالقيادات والصف الاول للأحزاب هو رمزي وشكلي وليس جوهريا حتى بعد إخفاقات سياسية وانتخابية… الحالة الطاغية في معظم الحركات، واستثني “حماس” هنا كونها اكثر الحركات الفلسطينية دينامكية في تداول السلطة والقيادات، قيادات في سن متقدم تقود جماهير أكثرها من الشباب..! الوصف العام الشعبي لهذه الحالة اصبح: تقلد مركز قيادي بحزب ينتهي اما بالموت أو بنهاية الحزب..! التشدق بالديمقراطية في الطرح السياسي مع انعدام الديمقراطية الداخلية، لا يزيد من مصداقية الحزب والقيادة بل على العكس.

6- الفصائل الأكثر مطالباة بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير هي فصائل اليسار الفلسطيني. لا يكاد يوم يعبر دون ان نقرأ أو نسمع مطلب من هذا القبيل… لكن هذا اليسار بتركيبته المختلفة لا يوفي بثلاث شروط هي أساسية لزرع المصداقية وزيادة التقبل لمطالبه بين الجماهير… اولاً هذا اليسار مرتبط مادياً بالصندوق القومي الفلسطيني ولا يمكن له ان يستمر على قيد الحياة دون الحقن المادية من هذا الصندوق الذي تهيمن عليه حركة “فتح”… في نهاية المطاف أصبح “من يريد ان يأكل من خبز السلطان عليه ان يضرب بسيفه” أو ان يموت جوعاً… “فتح” تسمح لهؤلاء بمعارضة داخل حدود ترسمها هي فقط. ثانياً قوى اليسار الفلسطيني التي لا تختلف عن بعضها البعض الا بالاسم وأحيانا بقوة النوستالجية النضالية لم تستطع حتى الآن ان تبني عمل جبهوي فيما بينها لتقوية موقعها داخل الكيان السياسي الفلسطيني والسبب هو عنجهية القيادات والخوف على امتيازاتهم الشخصية ليس الا… ثالثاً تحكم هذه الفصائل ديمقراطية هلامية اعلامية ودكتاتورية داخلية واضحة وهذه الحقيقة التي تدركها الجماهير يقلل من هيبة هذه الأحزاب ويزعزع مكانتها.

الفصائل الفلسطينية التي تراوح مكانها تنظيمياً وفكرياً منذ عشرات السنين… تعيش في غرف الانعاش وهي تواجه موتا بطيئا… بعضها اصبح جثة لكن لم يقرر حتى الآن موعد الدفن… ويخطئ من يظن ان الانشقاقات المنبثقة عن مصالح شخصية ضيقة قد انتهت أو انها تنحصر فقط في حركة “فتح”..! المتابع للفصائل والأحزاب اليسارية الفلسطينيه يدرك تماماً ان هذا الحال يخيم ايضاً على هذه الفصائل وهي فقط مسألة وقت لنرى الانقسامات، التي بدأت بطرح سياسي متناقض داخل قيادات بعض هذه الأحزاب، تطفوا على السطح وتصبح واقعا.

* محلل سياسي، رئيس الجالية الفلسطينية في المانيا.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار