منظّمة التحرير الفلسطينية..ما كانت عليه وما آلت إليه..!!

منظّمة التحرير الفلسطينية..ما كانت عليه وما آلت إليه..!!

آراء – نبيل عمرو
ربّما نكون بحاجة إلى التذكير بـ”العصر الذهبي” لمنظّمة التحرير الفلسطينية، حين تكرّست وترسّخت إطاراً تمثيليّاً وقياديّاً ومرجعيّاً للشعب الفلسطيني كلّه، وحين قادت بكفاية، على الرغم من التحدّيات والانتكاسات، المزاوجة المعقّدة بين العمليْن السياسي والعسكري، وحين حافظت على القرار الوطني المستقلّ في زمن تكاثر الطامحين إلى جعل القرار المتعلّق بفلسطين حكراً عليهم واستثماراً مربحاً لأجنداتهم ومصالحهم.
بفعل ذلك كلّه حازت المنظمة بجدارة صفة “الوطن المعنويّ”، المؤدّي إلى الوطن الحقيقي. ويسجّل التاريخ لمنظمة التحرير أنّها تغلّبت على كلّ الانشقاقات التي حدثت في الساحة الفلسطينية، وكان أخطرها ذلك الانشقاق الكبير الذي بدأ في “فتح” وامتدّ ليلقي بظلاله السوداء على الحالة الفلسطينية إلى الحدّ الذي أغرى كثيرين بتغيير نظرتهم إلى المنظمة بما يقترب من سحب الاعتراف بها ممثّلاً شرعيّاً وحيداً للشعب الفلسطيني. وقد ظهرت بوادر من هذا النوع في مؤتمر قمّة عمّان لمن لا يزال يتذكّر.
حازت المنظمة بجدارة صفة “الوطن المعنويّ”، المؤدّي إلى الوطن الحقيقي. ويسجّل التاريخ لمنظمة التحرير أنّها تغلّبت على كلّ الانشقاقات التي حدثت في الساحة الفلسطينية .
كان هذا هو حال الوطن المعنوي والمرجعيّة العليا للعمل الفلسطيني كلّه والحاضنة المضمونة للوحدة الوطنية الفلسطينية. هذا التاريخ الذهبي إلى أين وصل في الوقت الراهن؟ وما هو حال منظمة التحرير باستذكار ما كانت عليه ومقارنته بما آلت إليه؟
وباء الانقسام
زحف وباء الانقسام عليها وشتّت قواها من داخلها ومن حولها :
1- انقسام أكبر بين فتح وحماس الذي أفرز انقساماً على مستوى الوطن والشعب. وحين فتّشنا عن المنظمة لاستنساخ ما كانت عليه في المؤتمر الوحدوي الذي انعقد في الجزائر لم نجدها.
2- انقسام في الشرعية بين أولى دستوريّة وثانية “أمر واقع”. وحين فتّشنا عن منظمة التحرير القديمة كي توحّد الشرعيّات وتصهر البرامج في بوتقتها الصحيّة والصحيحة لم نجدها.
3- انقسام أفدح في الخيارات بين برنامج حماس ومَن معها وبرنامج فتح وأتباعها. كانت المنظمة هي المرشّح الأكثر تأهيلاً للخروج ببرنامج موحّد كما كانت تفعل على مدى تاريخها الذهبي مع فرز صحّي بين موافِق ومتحفّظ ومعارِض. وحين بحثنا عنها في زمن استفحال هذه الانقسامات والتعارضات والتناقضات لم نجدها.
4- والأخطر أنّ الحاضنة الوحدوية الآمنة ذاتها تحوّلت إلى حاضنة انقسامات مركّبة داخل الفصيل الواحد وداخل الإطار الموحِّد، وداخل ساحة العمل الوطني بكلّ فرقها وامتداداتها. فإذا الذي ادّخرناه لوحدتنا وتعايش توجّهاتنا وتنظيم العلاقة بين برامجنا، يتحوّل إلى معضلة بحدّ ذاتها، فلم تعد عاجزة عن القيام بأيّ عمل وحدوي فحسب، بل صارت هي حاضنة انقسام إضافي.
انتخابات ثلاثية
المؤسف والمثير حتّى للندم أنّ الفلسطينيين أوشكوا على إنهاء انقسامهم فعلاً حين اتّفقوا على إجراء الانتخابات الثلاثيّة وبتحديدات زمنيّة. في تلك الفترة توفّرت مقوّمات وحدة وطنية تتحقّق في مؤسّسة منظمة التحرير التي ستُجري انتخابات مجلسها الوطني حيثما أمكن، وبالتوافق حيثما لا يمكن. وتوفّرت أيضاً وحدة السلطة من خلال مجلسها التشريعي المنتخَب الذي يضمّ الجميع. وتوفّرت أيضاً بحلقة وسيطة هي الانتخابات الرئاسية. كان هذا الذي تمّ التوصّل إليه مخرجاً استراتيجيّاً نموذجيّاً تعزّزت جدواه العمليّة بأنّ خمسة وتسعين في المئة من الفلسطينيين جدّدوا سجلّاتهم الانتخابية، وأنتجوا ستّاً وثلاثين قائمة، بعضها مستقلّ إن لم يكن معظمها، وبعضها شبابيّ ونقابيّ وقطاعيّ وحتى عشائريّ ومناطقيّ، وهذا هو حال الانتخابات العامّة في كلّ زمان ومكان حيث المرشّحون يمثّلون الكلّ والناخبون كذلك.
ضاعت الفرصة ولم يعد أحد ليقتنع بالذرائع والأسباب التي سيقت لتبرير إضاعتها. والمؤسف أو المحزن حقّاً أنّ إهدار فرصة الانتخابات الثلاثيّة لم يُعوَّض ببديل يتوفّر فيه حدٌّ أدنى من المعقوليّة. فها نحن نرى الانقسام يستمرّ ويتعمّق ويتكاثر، ونراه أيضاً يزحف على المنظمة التي ستعقد مجلساً مركزياً لا ينتج رسالة وحدوية. وحين لا تشارك فيه القوى السياسية من داخل المنظمة وخارجها فلا يصيب الفشلُ المجلسَ المركزيّ وحده، بل المنظّمة ومكانتها ودورها. ولنستذكر أنّ أهل المنظمة أو بعضهم، وهذا هو الأصحّ، كانوا قد اتّخذوا قراراً متهوّراً بنقل صلاحيّات المجلس الوطني إلى المجلس المركزي، أي نقل الصلاحيّات من الأكبر والأقوى شرعيّةً إلى الأصغر الذي هو فرع مؤقّت فحسب، الأمر الذي أفرز جدلاً جديداً في الساحة الفلسطينية حول المجلس والمنظمة: هل هي صالحة للتوحيد والتمثيل والقيادة أم لم تعد كذلك؟
* كاتب وسياسي فلسطيني .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار