رد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني

0

رد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني
كتب د. إبراهيم أبراش: منذ أن بدأ العالم يسمع عن القضية الفلسطينية منذ مائة عام والقضية الفلسطينية تندرج في سياق قضايا التحرر الوطني كقضية شعب مُهَدد بوجوده الوطني ويخضع للاحتلال الصهيوني ويناضل من أجل الاستقلال والحرية . هذه الصفة هي التي جعلت غالبية شعوب العالم وخصوصا العربية والإسلامية تدعم الشعب الفلسطيني وتنظر وتتعامل مع الإنسان الفلسطيني والشعب الفلسطيني كتجسيد حي للحرية والرجولة والكرامة ، وكان الفلسطيني يحظى بالترحاب والاحترام أينما حل وارتحل .

ما ساعد على رسم هذه الصورة للفلسطيني آنذاك حتى في ظل مطالبة الفلسطينيين بالحد الاعلى ،تحرير كل فلسطين ،هو عدالة القضية الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال بكل أشكال المقاومة داخل فلسطين المحتلة وخارجها ،ووجود قيادة وطنية موحدة تحظى بتقدير الشعب والتوافق عليها وتحافظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني وعدم زج القضية في مشاكل ومحاور المنطقة ، يضاف لذلك أن الشعب الفلسطيني شعب معطاءً ومبدع في كافة المجالات وإن طلب شيئا كان يطلب الدعم السياسي والسلاح فقط ،أو المال من اجل السلاح ودعم صمود الشعب داخل وطنه .

بالرغم من الانهيارات الكبرى لمعسكر حلفاء الشعب الفلسطيني ،انهيار النظام الإقليمي العربي والمشروع القومي منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979 ثم حرب الخليج الثانية ،وانهيار الحليف الدولي – المعسكر الاشتراكي – بداية التسعينيات ،بالرغم من كل ذلك لم يستسلم الشعب الفلسطيني ولم يخضع لا للإغراءات المالية والحياة الاقتصادية المريحة التي يتيحها له الاحتلال الإسرائيلي ولا لمشاريع التسوية السياسية ،حتى مع قبول منظمة التحرير التعامل مع فكر ومشاريع التسوية أستمر الشعب في مقاومته للاحتلال بما هو ممكن ومتاح من أدوات المقاومة كما استمرت القيادة في التمسك باستقلالية القرار الوطني إلى حد كبير ،كما استمرت الشعوب والدول العربية والإسلامية تكن كل احترام للشعب الفلسطيني .

تغيرات كثيرة جرت فلسطينيا وعربيا ودوليا وكلها تقريبا جاءت متعارضة مع صالح الشعب الفلسطيني ،ففلسطينيا حدث الانقسام وتداعياته الخطيرة من حيث إضعافه للسلطة الوطنية والمؤسسة الرسمية ، ومن حيث إضعافه لخيار المقاومة المسلحة .وعلى المستوى العربي والدولي تغيرت التحالفات وشبكة المصالح وموازين القوى ،خصوصا ما بعد اندلاع فوضى ما يسمى الربيع العربي ،حيث كانت فلسطين أكبر ضحاياه وإسرائيل أكثر المستفيدين منه . كل ذلك لم يؤثر فقط على العملية السياسية وعلى توصيف القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني ،بل أساء لصورة فلسطين و الفلسطينيين عند العالم لأن “الحكم على الشيء فرع عن تصوره ” كما قال العلماء .

كان الضرر الأكبر على القضية الفلسطينية بسبب كل هذه المتغيرات هو تداخل القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني ضد الاحتلال مع ملفات المنطقة المغايرة في منطلقاتها وأهداف الفاعلين فيها وخصوصا بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وصيرورتها حكومة وسلطة موالية لجماعة الإخوان المسلمين ،وتراجع مركزية القضية الفلسطينية لتصبح مجرد مشكلة ضمن مشاكل شرق أوسطية أكثر أهمية من وجهة نظر الفاعلين السياسيين الدوليين ، أيضا الخلط بين المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي و عنف الجماعات المتطرفة الذي صاحب ما يسمى الربيع العربي .

كانت قمة الرياض 21 مايو منعطفا خطيرا في سيرورة الأحداث من حيث إعادة ترتيب وتوصيف الأمور برؤية جديدة .ففيها كانت التحالفات الجديدة ما بين إدارة ترامب والدول السُنية والتي عنوانها محاربة الإرهاب ومواجهة الخطر الإيراني ،وتصنيف الرئيس الأمريكي ترامب وبعض الانظمة الخليجية حركة حماس كحركة إرهابية ،وبالتالي الخلط ما بين المقاومة المشروعة للاحتلال الإسرائيلي وعنف الجماعات الإسلاموية الأخرى ،في الوقت الذي تتزايد بوادر تقارب بين عديد من الأنظمة العربية وإسرائيل ،ونتيجة هذه القمة تم تصعيد الخلافات ما بين دول المنطقة وخصوصا داخل المعسكر الخليجي التي قطعت بعض دوله علاقاتها مع قطر .

لذا فإن المطلوب اليوم إعادة القضية الفلسطينية إلى أصولها الأولى كحركة تحرر وطني وإعادة الوجه المُشرق للشعب الفلسطيني كشعب يناضل من أجل الحرية وليس من أجل الراتب والمساعدات المالية ،ووقف الخلط ما بين القضية الفلسطينية ومشاكل المنطقة التي في غالبيتها تدور حول المصالح الغربية وصراع نفوذ بين دول الجوار ،والصراع على السلطة والثروة ،حتى وإن بررت بعض الدول والجماعات سلوكياتها بتبريرات دينية أو إنسانية .

المطلوب اليوم من حركة حماس سرعة تدارك الأمر بإعادة النظر بالعلاقات والتحالفات الخارجية وأن تتفهم خطورة المرحلة ونتمنى عليها بدلا من البحث عن منقذ خارجي ليحمي سلطتها ودولتها في القطاع أن تمد يدها لمنظمة التحرير وشريكها الوطني لتحمي المشروع الوطني ومن أجل المصلحة الوطنية العامة حتى وإن أدى ذلك للتخلي عن سلطتها في قطاع غزة .قد تجد حماس من يساعدها في قيام دولة غزة حتى إسرائيل ستساعدها في ذلك ،ولكنها ستخسر الشعب الفلسطيني .

في مقابل ذلك على السلطة الوطنية اتخاذ خطوات عملية تُقنع وتُطمئن الشعب الفلسطيني وخصوصا أهالي قطاع غزة بأنها جادة وقادرة على إعادة توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة وحدة وطنية ،أيضا على القيادة الفلسطينية أن تنأى بنفسها عن التحالفات الجديدة في المنطقة وأن تعيد النظر بنهجها ووقف مراهناتها على الإدارة الامريكية الجديدة التي هي أسوء من سابقاتها ،مع عدم الانخراط في أية تسوية جديدة لإنهاء الصراع الآن لأن أية تسوية في ظل الظروف الراهنة ستكون أسوء من تسوية أوسلو .

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار