هل ستنتهي الحرب في غزة بالعودةِ إلى مسار سياسي جديد ووهم حَلِّ الدولتين في إطار مخطط غربي – عربي لتصفية المقاومة ودم”إسرائيل”في نظام إقليمي؟

هل ستنتهي الحرب في غزة بالعودةِ إلى مسار سياسي جديد ووهم حَلِّ الدولتين في إطار مخطط غربي – عربي لتصفية المقاومة ودم”إسرائيل”في نظام إقليمي؟

توفيق المديني
يناقش الأمريكيون والصهاينة والعديد من المحللين الغربيين السيناريوهات المحتملة لما بعد حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ،حيث يستهدف الكيان الصهيوني القضاء على حركة حماس ،وبالتالي التخلص من المقاومة الفلسطينية، وإنشاء “واقع أمني جديد” وتولي “طرف ثالث” المسؤولية. والبديل هو تحالف من دول عربية والسلطة الفلسطينية ودول أوروبية والجامعة العربية والأمم المتحدة.
تعتقد هذه الأطراف أنَّ هذه الحرب بين الكيان الصهيوني وحماس ستنتهي كما انتهتْ كل الحروب السابقة بوقف إطلاق النار (2008-2009، 2012 ،2014 ، 2019 ، 2021)،ولكنَّ من دون إيجاد أي حلٍّ للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي .فالحل لهذا الصراع من وجهة نظر الإمبريالية الأمريكية و الكيان الصهيوني و الدول الغربية، يكمن في بناء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد، تكون الريادة فيه ل”إسرائيل” ، بعد القضاء على حركة حماس.
في اجتماع يوم السبت الماضي في عمان،أقرَّ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزراء خارجية الدول العربية الرئيسية المشاركة في اللقاء،بأنَّ عودة الوضع إلى ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أمرٌ مستحيلٌ، و السيناريو المتفق عليه أمريكيًا و إسرائيليًا وعربيًا، هوعودة سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة.فالرئيس محمود عباس الذي وقف في هذه الحرب متفرجًا على المجازر البشعة وجرائم الحرب بحق المدنيين الفلسطينيين التي ارتكبها الجيش الصهيوني في قطاع غزة،ينتظر بفارغ الصبر موعد العودة الكبرى إلى قطاع غزة. فقد كشف عباس الأحد الماضي ،في رام الله،عن جزءٍ من لعبته أمام وزير الخارجية الأميركي قائلاً: “قطاع غزة جزءٌ لا يتجزأ من دولة فلسطين، وسنتحمل المسؤولية كاملة في إطار الحل السياسي الشامل للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة”.
وعلى صعيد العرب، تُكُّنُ العديد من الأنظمة العربية العداء الكبير لحركة حماس،لأسبابٍ ليس أقلها مرجعيتها الإسلامية -الإخوانية ،إضافة إلى علاقتها بإيران، لذا فَهُمْ لا يُمَانِعُونَ في رؤية الحركة تُضْرَب.
لا يعني حين نتناول هذا الموضوع، أنَّ هذا السيناريو هو الذي ستنتهي إليه الحرب .فالحرب لا تزال قائمةً ومستمرةً ،وحركة المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عزالدين القسام تُكَبِّدُ العدو الصهيوني خسائر كبيرة في المعدات و الجنود نتاج بدء هجومه البري على غزة، وحزب الله يخوضُ هذه الحرب في الجبهة الشمالية بواقعيةٍ شديدةٍ ،وإيران تُهَدِّدُ بتوسيع الحرب إذا استمر العدوان على غزة.
التهديد الأمريكي لمحور المقاومة
أمًّا الإمبريالية الأمريكية الضالعة في قيادة العدوان على غزة، لاتزال مستمرة في الحشد العسكري الهائل لأسطولها الحربي في منطقة الشرق الأوسط، إذْ أعلنتْ القيادة المركزية الأمريكية أنَّ الغواصة النووية من طراز أوهايو دخلت مجالها في الشرق الأوسط، وتعمل بالطاقة النووية،وهي واحدة من أكثر الأسلحة الاستراتيجية تقدما وسرية، ونادرا ما يكشف الأمريكيون علنا عن مواقعها.إنَّها رسالة واضحة تؤكد فيها الإمبريالية الأمريكية التدخل عسكريًا عن طريق شنِّ هجماتٍ بصواريخ كروز ضد إيران وحزب الله إذا فتحت جبهة ثانية في الحرب ضد الكيان الصهيوني.
فالإمبريالية الأمريكية اصطفتْ بإطلاقية إلى جانب الكيان الصهيوني، الذي تَحطمَ مفهومه للأمن القومي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبرالماضي ،جرَّاءعملية”طوفان الأقصى”،ودعمتْ بالمالِ والسلاحِ “إسرائيل” التي يهيمن على حكومتهافاشيون صهاينة عنصريون،ويُتَهَمٌ جيشها بارتكابِ جرائمِ حربٍ في غزة.وتبحثُ الإمبريالية الأمريكية ،عن دورٍ أكبر في الشرق الأوسط،بعد هزائمها في كل من أفغانستان والعراق،وهي تدفع ثمن تجاهلها لإقليم الشرق الأوسط خلال ثلاثة أعوام من رئاسة بايدن، ما قاد إلى الحرب الدائرة الآن، وأرغم إدارة بايدن مُجدَّدًا على إرسال قواتٍ إلى شرق المتوسط والخليج، في وقت كان معظم اهتمامها مُكرّسًا لهزيمة روسيا في أوكرانيا، وتحجيم الصعود الصيني في المحيطين الهادىء والهندي.
وهذا الدعم المطلق من جانب الرئيس بايدن للكيان الصهيوني ليس ناجمًا من حسابات حزبيةٍ،وإنَّما هوموقف أيديولوجي وجيو سياسي استراتيجي في مواجهة حركة حماس ،وباقي محور المقاومة من إيران إلى حلفائها في سوريا وحزب الله والحوثيين ،رغم تراكم جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الصهيوني بقيادة مشتركة في غرفة العمليات بين الصهاينة والأمريكان.كما أمر بايدن بتحديد عمليات تسليم الأسلحة للكيان الصهيوني بشكلٍ عاجلٍ، وكان النشر المذهل لقوات الطيران البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط بمنزلة رسالةً مبطنةً لحزب الله اللبناني وإيران .
وتتفقُ الولايات المتحدة مع هدف الكيان الصهيوني المتمثل في تدمير حماس، حتى لو لم يكن من الواضح تماما كيف سيبدو ذلك في النهاية. وعندما سئل الرئيس جو بايدن الشهر الماضي من قبل شبكة سي بي إس نيوز عما إذا كان يعتقد أنَّه “يجب القضاء على حماس بالكامل”، قال: “نعم، أعتقد ذلك”.
وفي الوقت الحالي، تضغط إدارة الرئيس بايدن على الكيان الصهيوني للسماح بوقف القتال لأغراضٍ إنسانيةٍ وتوخي الحذر في استهدافها، لكنَّها لن تدعم وقف إطلاق النار طويل الأمد.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي للصحفيين يوم الاثنين الماضي : “ما زلنا لا نعتقد أنَّ وقف إطلاق النار العام مناسب في هذا الوقت، وعندما نتحدث عن وقف عام لإطلاق النار، فإنَّ ما يعنيه ذلك هو وقف كامل للقتال في جميع أنحاء غزة، وهو ما نعتقد في هذه المرحلة أنَّه يفيد حماس”.
وعلى الرغم من أنَّ إيران لا تشارك بشكل مباشر في الحرب، إلا أنَّها مهتمة بشدة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ،وتدعم طهران حماس وحركة الجهاد الإسلامي وباقي فصائل محور المقاومة بالتمويل والأسلحة والتدريب، وتسعى منذ فترة طويلة إلى طرد القوات الأمريكية من الشرق الأوسط.
كما أنَّ إيران تستغل هذه اللحظة التاريخية من الحرب الدائرة بين الكيان الصهيوني وحماس لممارسة الضغوطات على الولايات المتحدة من خلال مهاجمة فصائل المقاومة المرتبطة بها القوات الأمريكية في العراق وسوريا بطائرات بدون طيار وصواريخ 38 مرة على الأقل منذ 17 أكتوبرالماضي ،حتى في الوقت الذي يرسل فيه البنتاغون كمية متزايدة من القوة النارية إلى المنطقة.لكنَّ المسؤولين الأمريكيين يقولون سرًّا إنَّهم يعتقدون أنَّ إيران تحاول ببساطة زيادة الضغط على واشنطن، وليس إثارة حربٍ إقليميةٍ أوسع.
وكان وزير الخارجية الأمريكي،أنتوني بلينكن،قام بزيارةٍ غير معلنةٍ إلى بغداد، وحذر في تصريحات من توسيع الصراع على خلفية الحرب الدائرة في غزة، في ضوء تزايد عمليات فصائل المقاومة العراقية و السورية ضد القواعد العسكرية التي تستضيف قوات أمريكية في العراق وسوريا.
وحذر وزير الخارجية الأمريكي “الجماعات الموالية لإيران من استغلال حرب غزة لمهاجمتنا، نخبر الحلفاء والشركاء بضرورة عدم توسع الصراع”.وقال البنتاغون إنَّ العراق شهد بالفعل زيادة كبيرة في الهجمات خلال الشهر الماضي، بما في ذلك 28 هجوما على الأقل على منشآت أمريكية في العراق وسوريا خلال الأسبوعين الماضيين.
النفاق الأمريكي حول حلِّ الدولتين
تواجه إدارة بايدن ضغوطاتٍ داخليةٍ وانتقاداتٍ دوليةٍ بسبب انحيازها المطلق للكيان الصهيوني، والتعاطي بمعايير مزدوجةٍ حين يتعلق الأمر باحترام القانون الدولي الإنساني،وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.و رغم أنَّ الرئيس بايدن تحدث عن “إعادة تأهيل” حلِّ الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ، لكنَّهُ لا يستعجل المجازفة بلعب دورِ الوسيطِ مُجَدَّدًا في سنة انتخابية أمريكية، وحتى أنَّ الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لن يكونا مستعدين للتجاوب مع رئيس قد يخسر الانتخابات بعد سنة من الآن. وكيف يمكن للرئيس بايدن أن يكون كحامٍ رئيسيٍّ لـ”إسرائيل” ويطالب بدور الوسيط؟، فهذا هذا النفاق الذي كان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية منذ 30 سنة وصل اليوم إلى ذروته.
فكيف كيف يمكن أن تفتخر إدارة بايدن بالموقف الليبرالي الأخلاقي وهي ترفض فكرة وقف إطلاق النارفي حرب الإبادة هذه ؟.. وكيف يمكن للرئيس بايدن أن يدين الضربات الروسية على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا ويكتفي بالتذكير بالقوانين الإنسانية الدولية في حالة “إسرائيل”، فضلاً عن كذبه المفضوح، زاعمًا أنَّ الكيان الصهيوني، لا يقتل المدنيين.
في الأسبوع الماضي، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس من الدوحة إسماعيل هنية “تصوراً شاملاً”لحلِّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر موافقة حماس على حل الدولتين. تلك، كانت رسالة مفادها أن الحركة التي تقاتل في غزة مستعدة للحلول المستدامة إذا توافرت شروطها.فهل يمكن إحياء حلِّ الدولتين ؟
لقد طرح الرئيس السابق بوش رؤيته حول الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، تعيشان جنبًا إلى جنبٍ، في ذروة تحالفه المطلق مع رئيس الوزراء الصهيوني السابق آرييل شارون، الذي كان يخوض حرب إبادة حقيقية ضد الشعب الفلسطيني. وفي وقت كان في أمَسِ الحاجة لدغدغة المشاعر العربية حول دولة فلسطينية مؤقتة، بهدف إغواء العالم العربي، وهو يستعد لغزو العراق في بداية سنة 2003، بوصف غزو العراق هذا، والقضاء عليه كقوة عربية رئيسية على الأقل محسوبة على مجمل القوة العربية تقريبا، مثَّلَ أكبر نصر استراتيجيٍّ للهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.
وسبق أن تعهد الرئيس بوش بأن يتم الإعلان عن الدولة الفلسطينية في بداية عام 2005، أي في نهاية ولايته الأولى، غير أنَّه لم يلتزم بتنفيذ تعهده. وفاجأ الجميع بعد فوزه في انتخابات الإعادة بتأجيل الإعلان عن هذه الدولة إلى العام 2009، أي بعد انتهاء ولايته الثانية وخروجه من البيت الأبيض!!.
الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي كان يريد أن يغير الصورة السلبية عن الولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي، حدَّدَ جدول أعمال أمريكي للتوصل إلى تسوية دائمة للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، يتضمن تفويض مصر برعاية القضية الفلسطينية، وتكليف الأردن بتشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، واعتبار السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس شريكاً وحيداً للمؤسسات الدولية في إعادة إعمار غزة، وإرساله السيناتور السابق جورج ميتشل كمبعوث أمريكي خاص يعمل لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وخطابه في البرلمان التركي الذي شدَّدَ فيه على حلِّ الدولتين الذي أطلقه سلفه بوش.
الرئيس الأمريكي أوباما الذي كان يعي مركزية الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي في قوس الأزمات الممتد من المتوسط حتى أفغانستان وباكستان، واجه كونغرس متعنتًا في تحقيق أي تسوية للقضية الفلسطينية، وواجه أيضًا تحديًاكبيرًا، تمثل في معارضة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لما بات يعرف بحل الدولتين، أي إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل.
ففي خطاب القسم الذي ألقاه أمام الكنيست لم يتطرق نتنياهو إلى حلِّ الدولتين الذي تؤيده واشنطن،فبدأت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة نتنياهو ولايتها الرسمية برفض نتائج مؤتمر أنابوليس للسلام، وبالتالي دفن مقولة الدولة الفلسطينية.
حيث إنَّ الأولوية لبنيامين نتنياهو تكمنُ في القيام بضربةٍ عسكريةٍ استباقيةٍ ضد منشآت إيران النووية، وتجميد عملية السلام حاملاً على عاتقه كبديلٍ ما سماه مشروع السلام الاقتصادي، في ظل رفضه للسلام، ورفضه إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإطالته أمد الانشقاق الفلسطيني، وتكريس غياب المحاور الفلسطيني القادر على التحاور مع “إسرائيل وبالتالي التهرب من المفاوضات، فيما أصبحت المبادرة العربية للسلام في مهب الريح بعد الحرب الإسرائيلية التدميرية على غزة.
في ظل حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة،ما منْ ضغطٍ فعّالٍ يُمارس على الكيان الصهيوني – سواء من الرئيس بايدن الذي لا يستعجل المجازفة بلعب دور الوسيط مُجدَّدًا في سنة انتخابية أمريكية، فضلاً عن هناك تساؤل جدِّيٍ حول مدى استعداد بايدن نفسه للعمل مع أكثر الحكومات فاشية في تاريخ الكيان الصهيوني ،أو أوروبا أو حتّى الدول العربية نفسها – لوضع حدٍّ لاحتلاله الأراضي الفلسطينية، أو إنهاء توسعه الاستيطاني أو الموافقة على إقامة دولة فلسطينية. وفي غياب ضغط من هذا النوع – ويجب أن يكون ضغطاً شديداً – لن تنصاع “إسرائيل”.
منذ تأسيس دولة “إسرائيل” على أنقاض أرض فلسطين العربية منذ سبعة عقود ونيف ، حاولَت سحق أيّ انطلاق للمقاومة الفلسطينية. ويبقى هذا العزم حقيقياً اليوم بقدر ما كان آنذاك. إذ ما زالت “إسرائيل” تعتقد أنَّ أيَّ تنازلٍ للفلسطينيين – وأيَّ إقرارٍ منها بمسؤوليتها في تجريدهم من ممتلكاتهم – من شأنه أنْ يقوض شرعية الدولة الإسرائيلية.وبالتالي، يُعتبر التفوه بعبارة “دولة فلسطينية” لغزاً قاسياً – سواء أتت العبارة على لسان جورج بوش الابن أوأوباما، أو بايدن،أو الرئيس الفرنسي ماكرون أو أيّ زعيم آخر.
فلسطين تحولت إلى كسورٍ عشريةٍ،حتّى الآن، هناك مساحة 40%من أراضي الضفّة الغربية وقطاع غزة التي تمثل 22% من مساحة فلسطين التاريخية (27000كيلومتر مربع)تقوم عليها المستوطنات الصهيونية ،إذ بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية 465400 مستوطن، في عام 2021،صعوداً من 116300 عند التوقيع على اتفاقات أوسلو في العام 1993. وبحسب استطلاع للمعهد الديموقراطي الإسرائيلي أُجري في العام 2022، فإنَّ غالبية اليهود تفضل الأمر الواقع السائد حالياً،هذا فضلاً عن المناطق العسكرية المقفلة والمحميّات الطبيعية والطرقات المخصصة للصهاينة فقط ،والجدار الفاصل المشيّد في عمق الأراضي الفلسطينية. أما الجزء المتبقي من الضفة فمُقسم بإقامة مئات الحواجز. وقد أصبحت القدس الشرقية العربية، أي قلب فلسطين العربية، مفصولةً بشكل كامل تقريباً عمّا تبقى من الضفّة الغربية بحلقة من المستوطنات الصهيونية.
خاتمة:
تدفعنا الحرب الأمريكية-الصهيونية على قطاع غزة، من أجل تهجير سكانه، إلى طرح سؤالٍ مهمٍ :إلى متى سيتحمّل الفلسطينيون ظروف حياتهم الحالية المريعة – واحتضار الحلم بالعيش في دولة – قبل أن ينفجروا؟
الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني هو الاستمرار في المقاومة المسلحة من أجل تحرير الأرض السليبة ،لا سيما بعد أن أدرك الشعب الفلسطيني أكثر فأكثر أنَّ الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني لن يتخلياعن شيء عن طريق التفاوض، فاللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الأمريكي-الصهيوني هي لغة القوة .
في ظل صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، التي تخوض حرب استنزاف ضد الجيش الصهيوني، يتوقّع بعض المراقبين اندلاع انتفاضة ثالثة أكثر عنفاً من الانتفاضتَين اللتَين سبقتها واللتَين اندلعتا في العامين 1987 و2000 على التوالي. بيد أنَّ بعض المراقبين الآخرين يرون أنَّ روح القتال بدأت بالضمور في نفوس الفلسطينيين الخاضعين لحكم محمود عباس الذي تحول إلى قوة قمع ضد المقاومين الفلسطينيين ،إضافة للبطالة، وسوء التغذية،والاقتصاد المنهار، والقيود الشديدة على تحرّكهم، فضلاً عن حرب الإبادة الحالية في قطاع غزة، وقتلها لعشرات الآف بين شهيد وجريح في صفوف الفلسطينيين ، وسَجن أكثر من 10 آلاف فلسطيني في ظروف قاسية.
ويشكّل وجود حزب الله الداعم الرئيس للمقاومة الفلسطينية على الحدود بين جنوب لبنان وشمال فلسطين،وحماس في قطاع غزّة جنوب فلسطين صعوبة أكبر لأنَّهما يسعيان إلى امتلاك القدرة على الردع عبر إيجاد “توازن رعب” معالكيان الصهيوني . ولكنّهما في الأساس أكثر بقليل من مجرد حركتَي مقاومة للدفاع عن الذات، ويشكّلان إزعاجاً كبيراً للدولة اليهودية القوية من دون تشكيل خطر على وجودها.
من وجهة نظر الكيان الصهيوني، يعتبر أنَّ وجوده مرهونٌ بخوض الحروب الدائمة – والمراقبة الأمنية الدائمة المطلوبة – هو ثمن يستحقّ دفعه للسيطرة والاستيلاء التدريجي على فلسطين التاريخية كاملةً.ويُقال إنَّ دافيد بن غوريون رئيس أول حكومة صهيونية عام 1948ذرف دموعاً مريرة على تفويت فرصة الاستيلاء على كامل الضفة الغربية وطرد ما بقي من السكّان العرب في العام 1948، عندما تمّ دحر الدول العربية. ومن الواضح أنَّ خلفاءه لم يتخلّوا عن هذا الهدف على الإطلاق. فبقاء حدود “إسرائيل” غير مرسومةٍ بشكلٍ نهائيٍّ حتّى اليوم ليس مسألة بلا طائل.
الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية قضيا على حلم الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف،والحال هذه لم يبق للحركات الإسلامية الجهادية وباقي الفصائل الوطنية الفلسطينية سوى التمسك بخط تحرير كل فلسطين عن طريق الكفاح المسلح ، وهذا التحرير ليس مشروعاً بونابرتياً لحاكم عربي، ولا هو مشروع لأي حزب، أوحركة أصولية،أو طبقة اجتماعية، إنَّه في جوهره جزء من المشروع القومي الديمقراطي النهضوي الذي يشمل تيارات الأمة كلها، وجزء من تقدم الأمة العربية ووحدتها.
والنضال من أجل تحرير فلسطين هو الاندماج في المشروع القومي الديمقراطي المعادي جِديًا وفِعلياً وراديكاليًا للإمبريالية الأمريكية،والكيان الصهيوني،والدول العربية التسلطية،والمستند إلى قوى الشعوب العربية،وإلى جماع الأمة،ولا إلى فئة،أو طبقة،أو حزب،أو حركة أصولية، مهما ادعت تلك الحركة أنها ممثلة للأمة،ونائبة عن أكثريتها،وإنْ كان ذلك لا ينفي حقيقة أنَّ الدولة الوطنية العربية المتقدمة، ستكون مسؤوليتها أكبروتأثيرها أعمق، ولكنَّ لن تكون أبداً بديلاً عن الكل،أو نائبة عن الأمة العربية وشعوبها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار