السيناريوهات المحتملة لنتائج وتداعيات العدوان والحرب على غزة..

السيناريوهات المحتملة لنتائج وتداعيات العدوان والحرب على غزة..

 

المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستتراتيجية.

تتراوح السيناريوهات الممكنة والمحتملة، من أبرز معالمها استمرار التصعيد ومحاولة النيل من المقاومة وضربة قاصمة لحركة حماس وحدوث نكبة فلسطينية جديدة من خلال التهجير، أو نصر فلسطيني يتجلى في نهوض فلسطيني شامل، أو تنتهي الحرب من دون نصر أو هزيمة، حيث يدعي كل طرف أنه انتصر، وأن الطرف الآخر لم يحقق أهدافه…

 

السيناريو الأول: من أبرز معالم هذا السيناريو ما يأتي:

 

أولًا: نجاح حرب “السيوف الحديدية” في تهجير كل أو قسم كبير من شعبنا في قطاع غزة، وجعل القطاع أو مساحات واسعة منه منطقة عازلة (Buffer Zone) غير قابلة للاستخدام البشري، والقضاء على حلم الحرية والعودة والاستقلال. وفي هذا السياق، فإن حجم ونوعية القصف والأهداف التي تتعرض للقذائف والصواريخ من البر والبحر والجو؛ تدل على أن هذه الأهداف موجودة في قائمة الأهداف الإسرائيلية، سواء صرحوا عنها أحيانًا أو أخفوها.

 

ثانيًا: توجيه ضربة قاصمة للمقاومة بصورة عامة، و”حماس” بصورة خاصة؛ لأن هدف القضاء على “حماس” الذي يردده نتنياهو وأركان حكومته غير قابل للتحقيق، فمن غير الممكن القضاء على حركة تحرر وطني شعبية، خصوصًا بعد معركة طوفان الأقصى التي زادتها قوة وشعبية، وستجعلها قادرة على الاستمرار بغض النظر عن نتائج الحرب، وقد تصبح ضعيفة عسكريًا نعم، ولكنها ستكون قوية شعبيًا وسياسيًا، وهذا سيمهد الطريق أمامها لاستعادة قوتها العسكرية وتبوء مكانة أكبر فلسطينيًا.

 

المقاومة بعد طوفان الأقصى أكثر شعبية

 

ما يعزز التقدير باستحالة القضاء على المقاومة أنها كما ظهر في طوفان الأقصى باتت أكثر قوة وتجذرًا، وأن المقاومة انطلقت منذ نشأة القضية الفلسطينية ولا تزال مستمرة موجة مقاومة وراء موجة وثورة وانتفاضة وراء ثورة وانتفاضة، وبقيت القضية الفلسطينية حية أولًا وأساسًا جراء عدالتها وتفوقها الأخلاقي، وإذا هُزمت “حماس” ستولد حركة أخرى أقوى منها، فالمقاومة مستمرة، على الرغم من كل ما تعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة وتهجير وتطهير عرقي وعدوان وهزائم وحروب ومجازر، ومن تخلي النظام الرسمي العربي عن القضية الفلسطينية، وتخاذل القيادة الفلسطينية التي عقدت اتفاق أوسلو الذي لم يؤد إلى دولة، وإنما إلى كارثة.

 

كما أن المقاومة تستمد المزيد من القدرة على الاستمرار من عدم وجود شريك إسرائيلي للسلام، بل أصبحت إسرائيل أكثر وأكثر تحت سيطرة الاتجاهات والأحزاب والأفكار القومية والدينية الأكثر تطرفًا وعدوانية وتوسعية، وكذلك من فشل اتفاق أوسلو والمفاوضات، وكل المحاولات التي بذلت منذ ثلاثين عامًا وأكثر للتوصل إلى تسوية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، على الرغم من التنازلات الكبرى التي قدمتها القيادة الفلسطينية.

 

وهنا، يجب الحذر من المراهنة على تغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية بحكومة أقل تطرفًا منها، مع تمسكها باللاءات الإسرائيلية المعروفة. فأهم درس أكدته التجربة الفلسطينية أن تحقيق الأهداف الوطنية لا يمكن إلا عن طريق المقاومة الشاملة، وعلى أساس المقولة الخالدة “المقاومة تزرع والسياسة تحصد”، ومن لا يزرع لا يحصد.

 

مخطط التهجير فَشِل، لكنه لم يُدفن

 

إذا أخذنا بتطور الأحداث على الأرض وتداعياتها السياسية، نرى أن مخطط تهجير شعبنا في قطاع غزة إلى سيناء قد تعثر بعد موجة الرفض العربية والدولية، لدرجة أن مصر والأردن وخلفهما الدول العربية مجتمعة رفضوا التهجير وحذروا منه؛ ما أدى إلى تراجع تكتيكي واضح من حكومة الطوارئ التي استبدلت الدعوة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء بالاستعداد لفتح ممر آمن للذهاب من شمال القطاع إلى جنوبه وإلى سيناء فيما بعد، كما ظهر في دعوات صريحة من نتنياهو وغيره من القيادات الإسرائيلية، ومن تصريح جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، الذي دعا إلى فتح ممر آمن لخروج الأجانب والمدنيين إلى سيناء، وتم تغيير ذلك كله بالدعوة الأميركية والدولية الآن إلى إيجاد منطقة أو مناطق آمنة للمدنيين، وفتح المعابر، وخصوصًا معبر رفح، لدخول المساعدات الطبية والمعيشية والوقود ونقل الجرحى.

 

وهنا، يجب الحذر وعدم التسرع بالاستنتاج بأن مخطط التهجير دفن نهائيًا، بل سيتواصل العمل من أجله بطرق أخرى، خصوصًا إذا استمرت الحرب وطالت. فوجود مئات الآلاف خارج بيوتهم بلا خدمات عامة، ودون عمل، وفي ظل بنية تحتية مدمرة كليًا ومناطق غير صالحة للاستخدام الآدمي، سيعزز واقعيًا وتلقائيًا – خصوصًا إذا طالت الحرب – من سيناريو إقامة مناطق لجوء تُقام فيها مصانع ومزارع ومساحات للاستثمار في سيناء بعيدة عن الاستهداف الإسرائيلي.

 

وضمن سيناريو الهزيمة والنكبة، لن يتم إحياء عملية السلام على أساس حل الدولتين، كما روج أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، أثناء جولته بأن على الرئيس عباس أن يضمن هدوء الضفة بالتعاون مع الاحتلال، إلى أن تتم هزيمة المقاومة و”حماس”، وهذا سيؤدي إلى فتح أفق سياسي، وهذا خداع كامل، فإذا هُزمت المقاومة ستتوقف التسوية إلى إشعار آخر، وستتقدم أكثر وأكثر خطة إقامة “إسرائيل الكبرى”، وسيُطلب من القيادة الفلسطينية أن تكون عميلة وإلا يتم الاستغناء عنها.

 

السيناريو الثاني: النصر الفلسطيني وبدء النهوض الشامل

 

يتحقق هذا السيناريو من خلال وقف الحرب والمقاومة لا تزال واقفة على قدميها وسلاحها والأسرى في يدها، ومن خلال عدم حدوث الحرب البرية، أو بحصولها مع تكبد قوات الاحتلال خسائر فادحة تدفعها إلى التقهقر؛ حيث سيفتح هذا السيناريو الباب لعقد صفقة تبادل يتم فيها تبييض السجون الإسرائيلية مقابل أسرى الاحتلال، وهذا السيناريو يفتح المجال لوجود أفق سياسي جراء تغير موازين القوى، بما قد يسمح بتسوية تحقق الحد الأدنى، أو تحقيق ما يمكن تحقيقه من حقوق؛ أي إنه ستكون هناك فرصة أفضل لإنهاء الاحتلال بسبب قوة المقاومة، وخشية المجتمع الدولي من أن يؤدي عدم حل القضية الفلسطينية إلى حروب وأزمات تهدد الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة والعالم كله.

 

ويعزز من هذا السيناريو أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك إستراتيجية للانتصار ولدخول غزة؛ ذلك لأن غطرسة القوة والاستهتار دفعا إلى عدم وضع مثل هذه الإستراتيجية بسبب عدم الحاجة إليها، فلقد اعترف مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، الذي يقدم المعلومات والتقديرات للحكومة، بخطأ تقديره أن “حماس” بعد معركة سيف القدس أصبحت مردوعة، وأنها لن تجرؤ على الدخول في معارك مع إسرائيل لسنوات قادمة.

 

كما تعاني إسرائيل من نقطة ضعف أخرى قديمة متجددة، وهي عدم وضع إستراتيجية خروج من غزة بعد دخولها، وبالتالي يمكن أن تغرق في مستنقع غزة، وتبقى فيه لسنوات، فهي لا تريد إعادة احتلال القطاع والبقاء فيه، “فهي ما صدقت عندما خرجت منه”، فكيف ستعود إليه؟، فهي تعرف أن السلطة في الضفة ضعيفة وغير قادرة ولا راغبة في استعادة غزة على ظهر الدبابة الإسرائيلية، ويمكن لإسرائيل في حال رفضت القيادة الحالية ذلك تنصيب قيادة عميلة لحدية، لن تملك أي شرعية ولا أي نوع من التمثيل.

 

لذا، طُرح للتداول في إسرائيل وجود قوات أميركية أو دولية أو عربية أو مختلطة، وهذا غير ممكن؛ لأن العرب لا يمكن أن يساهموا مباشرة في تصفية القضية الفلسطينية وسط نهوض شعبي عربي نصرة للقضية مختلف هذه المرة عن المرات السابقة، كما عبر عن نفسه بكل الأشكال منذ بدء الحرب وحتى الآن، كما أن الأمم المتحدة لا يمكن أن ترسل قوات لمساعدة الدولة المحتلة من دون أن يكون ذلك جزءًا من حل دولي ضمن قرارات الشرعية الدولية، فهناك أصدقاء للقضية الفلسطينية في مجلس الأمن يملكون سلاح الفيتو، وهناك أغلبية كبيرة داعمة للفلسطينيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

ولا شك أن الأزمة الداخلية العميقة التي دخلتها إسرائيل منذ تولي الحكومة الكهانية الحكم وضعتها الحرب الراهنة مؤقتًا وراء الباب، ولا ينهيها، ولا يقلل منها تشكيل حكومة طوارئ لخوض الحرب، وهذه الأزمة الإسرائيلية سترافقها طويلًا، وستساهم في القضاء عليها، وهي أحد أهم الأسباب لوقوع الهزيمة التي سببتها مبادرة طوفان الأقصى التي حدثت وإسرائيل في أسوأ وأضعف حالاتها.

 

ومن شروط هذا السيناريو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس برنامج مشترك وشراكة حقيقية، فمثلما توحدت إسرائيل وتشكلت حكومة الطوارئ كان من الأولى استعادة الوحدة، فهي قانون الانتصار، وهناك دوافع كبرى لإنجازها.

 

السيناريو الثالث: لا غالب ولا مغلوب

 

يتحقق هذا السيناريو من خلال عدم تحقيق إسرائيل أهدافها (القضاء على “حماس” وتغيير الشرق الأوسط ومحو قطاع غزة عن الخريطة وتهجير سكانه)، وعدم تحقيق المقاومة لأهدافها (تحرير الأسرى، ووقف مخطط تغيير مكانة الأقصى، ورفع الحصار عن قطاع غزة، ووقف الاستيطان، والتقدم الملموس على طريق إنهاء الاحتلال).

 

ويتعزز هذا السيناريو إذا صمدت المقاومة ولم تحرز إسرائيل أهدافها، أو أي أهداف سياسية وعسكرية، ويزيد من احتماله فتح الجبهة الشمالية، سواء إذا أدت أو لم تؤد إلى حرب إقليمية. وفي هذه الحالة، يمكن إقناع الرأي العام الإسرائيلي المتعطش للدماء والانتقام والنصر بأن فتح جبهتين، حتى بمشاركة أميركية في الحرب، لا يضمن النصر، ويضاعف خسائر إسرائيل، ويزيد من احتمال هزيمتها الساحقة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار