إبراهيم مؤمنة علماً إبداعياً في الفن التشكيلي الفلسطيني..جسّد في لوحاته أمل كل فلسطيني تواق إلى الحرية والتحرير والعودة..

رامز مصطفى-دمشق

فقدت الحركة الوطنية الفلسطينية ومعها سائر أبناء شعبنا، أحد أبرز حراس بوابات قضيتنا بأبعادها الثقافية وذاكرتها المروية أدباً وشعراً وأغنيتاّ وفناً وتراثاً. إنه الفنان التشكيلي المبدع الراحل إبراهيم مؤمنة. في لحظة ألم الفراق أجد نفسي اليوم ومن موقع الصداقة كما الكثيرين ممن عايشوا فقيدنا الفنان أبو أيهم أن يقول أو يكتب عنه شيئاً، على الرغم أنّ الأمر ليس بالهين، لأنني مهما قلت فيه سأجد نفسي مُقصراً ولم أوفهِ حقه فيما كتبت عن حياته وأعماله وما تركه من بصمات.

لا أدّعي أنني مبحر في معرفة كل تفاصيل حياة صديقي الراحل أبو أيهم، ولكن أستطيع القول أنّي أعرفه بقدرٍ لا بأس به من جوانب حياته، وعلى وجه الخصوص حياته النضالية التي عبّر عنها في التزامه الواعي دفاعاً عن قضية وطنه الأرض وناسها ومقدساتها ومقاومتها وشهدائها وأسراها، وعناوينها وثوابتها التي ما غادرها حتى آخر لحظة من حياته.

من يشاهد لوحات إبراهيم بما حملته من عناوين وألوان وما رمزت إليه، يُدرك أنه أمام إنسان جعل من قداسة قضيته، وما لحق أبناء شعبه من ظلم ومعاناة وألم بسبب ما تعرض له من تشرد، بوصلته خط ليس فيه من بيانية من شيء، لأنّ ناظمه إيمانٌ عميق بعدالة ذاك الحق الذي لا يعلو عليه حق في اقتلاع الكيان الغاصب عن أرض فلسطين. لذلك كان لا يطيق سماع من يتحدث في الواقعية السياسية أو الاعتدال وتحكيم العقلانية التي تنتقص من الحقوق ولو قيد أنملة. ولم يكن يكتفي بالتبرم أو التذمر، بل يذهب إلى أبعد من ذلك فيكتب على صفحة التواصل الاجتماعي كلاماً لاذعاً حد الشتم في أغلب الأحيان. ومن يراجعه فيما كتب منتقداً أو شاتماً يستمع له ويعده أن يعدل من كتاباته، ولكنه في قرارة نفسه كان قراره ألاّ يلتزم مبقياً على كتاباته المنتقدة سواء في السياسة أو السلوك.

أبو أيهم الفنان، جسّد في لوحاته تطلعات كل فلسطيني تواق إلى الحرية والتحرر والتحرير والعودة إلى الوطن الأم فلسطين بماضيها وحاضرها ومستقبلها. كيف لا وهو أحد ضحايا النكبة واللجوء الذي ترك من تداعيات على شخصية كل فلسطيني جعلت منه ثائراً من أجل تحرير فلسطين. ولكي يُرضي أبو أيهم ذاك الخيار الذي أمن به شقّ طريق الفن التشكيلي فأبدع إبراهيم مقاوماً في الدفاع عن قضيته بريشته وملصقه السياسي فعبر بحسه الوطني عن انحيازه لأرضه وإنسانه. وهو كما قال فيه يوماً الأديب الشهيد أبو عادل: (إبراهيم مؤمنه لا يرسم، بل يقول لنا ما يرى وما لا نرى… إبراهيم مسكّون بالحنين الحنين لزمن مضى ولزمن قد يأتي ولا يأتي… كأن اللوحة تريد أن تقول للطيور حلقوا فوق سماء البلاد واعزفوا الحان الذكرى لشجعان مروا من هنا… لشهداء رووا بدمهم الزكي ارض البلاد… لشجعانٍ ما حادوا عن الدرب ولا ساوموا ولا قبلوا بالخداع والضلال ممن أعمتهم المصالح والامتيازات والوظائف).

مضى إبراهيم إلى دنيا البقاء غير نادم على دنيا الفناء، فقد عاشها زاهداً لا مترفاً بكل تصاويرها ومغرياتها وملذاتها وأحابيلها. تاركاً وراءه إرثاً فنياً ستبقى لوحاته وملصقاته ومنحوتاته ركناً في معركة روايتنا الفلسطينية في مواجهة زيف وأضاليل رواية كيان الاحتلال وحركته الصهيونية.

إبراهيم مؤمنة وإن مضيت جسداً، ولكنك ستبقى علماً إبداعياً لطالما ستفتقده الحركة الفلسطينية وفنها التشكيلي، كما افتقدت الفنان التشكيلي الكبير عبد المعطي أبو زيد والفنان المُربي غسان جود، والكثيرين من أبناء تلك الحركة المشهود لها بعطاءاتها وتجسيدها لكل معاني الوطنية الفلسطينية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار