هيثم عبد القادر … من الرعيل الأول… وقصة قمر الزمان

هيثم عبد القادر … من الرعيل الأول… وقصة قمر الزمان
بقلم علي بدوان … عضو اتحاد الكتاب العرب
أبو العلاء، هيثم عبد القادر، من رعيل البدايات في الثورة الفلسطينية المعاصرة، بدايات انبثاق واندلاع وتَجدُّدّ مسيرة العمل الفلسطيني بعد النكبة الكبرى عام 1948، فكان في سنوات فتوته شعلة في الوطنية … وشاباً .. ورجلاً، تغلي في عروقه وجسده، مسألة الوطنية الفلسطينية، كحال الغالبية من أبناء وبنات فلسطين في الوطن والشتات.
تفتحت عيناه على دنيا الوجود في فلسطين عام 1946 في قرية المزيرعة المُدمرة والمُهجّرة عام 1948، فاستنشق جرعات هواء فلسطين في مهد طفولته الباكرة، في تلك القرية الوادعة التابعة لقضاء منطقة الرملة في لواء اللد، والملاصقة لقرية مجدل الصادق (مجدل يابا). في تلك المنطقة التي صمدت حتى الرمق الأخير في مواجهة عصابات وجيوش “الهاغاناه” المسنودة بالدعم اللوجستي من قبل قوات الإنتداب التي كانت مازالت جاثمة على أرض فلسطيني حتى منتصف ايار/مايو 1948، وبقيادة اسحق رابين في حينها.
عاش أبو علاء، هيثم عبد القادر، الذي غادرنا يوم السادس من كانون الأول/ديسمبر بدمشق، عاش في قلب المعمعان التفاعلي، أسوة برفاقه وأخوته من كل القوى والمشارب الوطنية الفلسطينية، فكان مبادراً، وملتزماً، وعيناه ترنو نحو الوطن، فشارك بكل المراحل الصعبة من المسار المتعرج والملىء بالألغام على طريق الجلجلة نحو فلسطين الحرة وعودة شعبها، وحقه بالحياة تحت نور الشمس اسوة بكل شعوب الأرض.
أبو العلاء، الصديق الذي تعارفنا والتقينا معاً، منذ سنواتٍ طويلة، رغم فارق السن، كان على الدوام الرجل الدمث، حتى وإن اختلفت معه في جوانب سياسية متعددة، حول مايجري في ساحتنا الوطنية الفلسطينية، فالخلاف والتباين “لايفسد الود”، وهنا ديدن من يَعرف ويعي أهمية التفاعل بالرأي والقبول بالرأي الأخر بعيداً عن التشنج والتزمت والإحتقان.
وقبل اسبوعين تقريباً، التقيت معه في منطقة المزرعة بدمشق، وهو يحمل حاجات المنزل متثاقلاً، فألقيت عليه السلام، وطلبت مساعدته، فشكرني وقال لي كلمته المعهودة معي “العمر له دور عمي علي”.
لا استطيع ان اتناول كل مافي الأمور عند كتابة بضع كلمات وأسطر قليلة من مسيرة رجل فلسطيني، كحال كل من التزم، وافنى حياته وعمره، في هذا الطريق من عموم القوى والفصائل والمشارب السياسية في ساحتنا الفلسطينية المكتظة. لكنني هنا اودُّ أن اذكر الواقعة التالية :
تم تجهيز سفينة ترفع علم باكستان في ميناء طرابلس الغرب في ليبيا، وتم ملىء قاعها بالعتاد الى عموم الفصائل، وفوق العتاد تم رص عشرات الأطنان من المواد الغذائية كالسكر والرز والطحين، لتبحر بطاقمها الباكستاني الذي يقوده شخص اسمه (قمر الزمان) نحو ميناء صيدا في لبنان، ومن بين الموجودين على ظهر السفينة عدد من الكادرات الفلسطينية، كان منهم أبو العلاء هيثم عبد القادر وغيره، فاعترضتها بحرية الاحتلال وأجبرتها على التوجه نحو ميناء حيفا، وتظاهر الشبان الفلسطينيين بمظهر العمال على ظهر السفينة (كما هو متفق عليه في هكذا حال)، فيما تولى الكابتن الباكستاني (قمر الزمان) التفاوض مع بحرية الاحتلال وابلغهم بأنه متوجه لمدينة صيدا اللبنانية من اجل إصلاحات بالسفينة كما تنص القوانين الدولية للعمل في البحار، ومن ثم الإقلاع نحو مرسين التركية، وهكذا تُركت السفينة بعد ساعات طويلة من احتجازها في ميناء مدينة حيفا المحتلة، بحكم حسن تصرف قائدها وانضباط الكادرات الفلسطينية، الذين كان أبو علاء هيثم عبد القادر على رأسهم وبكل تماسك ورباطة جأش، فوصلت السفينة بسلام لميناء صيدا وتم افراغ السفينة من المواد التموينية ومن ثم العتاد، وفوق فرحتهم كانت فرحة التقاط هواء حيفا وفلسطين ليسري في اجسادهم…
الراحل هيثم عبد القادر (أبو العلاء)، اسمه الحقيقي : عبد الحميد عبد القادر المجذوب من الرعيل الأول لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، رحمه الله.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار