السلطة الفلسطينية والاغتيالات … علاقة وظيفية

كتب: عماد عفانة
بات الاغتيال يمثل سلوك وخيار صهيوني حاضر دوماً وغير مرتبط بأسباب، بقدر ارتباطه بأهداف محددة ومعدة سلفاً.
الخبراء والمحللون السياسيون تكاد توجد بينهم حالة من شبه الاجماع على أن التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، كان من أهم العوامل التي ساعدت الاحتلال في الوصول إلى الفدائيين وقادة المقاومة في مختلف مناطق الضفة الغربية وقبل ذلك في قطاع غزة، علاقة أرست قواعدها اتفاقية أوسلو 1994، علاقة وصفها محمود عباس بـ “التنسيق الأمني المقدس.
ويعتمد العدو على إما على العملاء مباشرةً أو على التنسيق الأمني مع اجهزة أمن السلطة للحصول على المعلومات، تماماً كما يعتمد على تكنولوجيا التجسس، سواء عبر مراقبة أجهزة الهاتف أو أجهزة التنصت، ومراقبة السيارات عبر طائراته المسيرة التي لا تكاد تغادر سماء فلسطين.
السلطة الفلسطينية تعترف بل وتفاخر بوجود التنسيق الأمني، بدليل توصيات المجلسين المركزي والوطني بوقف هذا التنسيق الأمني والتي لم تجد طريقها الى التنفيذ.
ويستهدف التنسيق الأمني ملاحقة بنية المقاومة الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية، وهو ما فاخر به محمود عباس إن التنسيق مع الجهات الأمنية الإسرائيلية أفشل العديد من العمليات.
وقد نجحت السلطة على مدار سنوات طويلة في تغيير البيئة الشعبية والسياسية والأمنية من بيئة حاضنة للمقاومة احتضنت العديد من المطاردين، من بينهم قائد كتائب القسّام محمد الضيف الذي عاش في الضفة الغربية لفترات، وهناك عمليات لم يكشف الاحتلال منفذيها لسنوات، مثل خلية صوريف، إلى بيئة طاردة للمقاومة عبر ربط الناس بمنطق استهلاكي معين ونظام حياة يشبه فقاعة الرفاهية في الضفة الغربية، حرمت المقاومة من حاضنتها، على خلاف الوضع السائد في قطاع غزة.
ففي غزة تعتبر السلطة القائمة نفسها سلطة مقاومة، فتحميها وترعاها وتوفر لها ظهير سياسي واجتماعي واقتصادي، اما في الضفة فتعتبر السلطة المقاومة نقيض لها وتهدد استمرارها وتفشل وظيفتها القائمة على حماية المحتل بكل مكوناته بموجب اتفاقات أوسلو، والرئيس محمود عباس لم يقصر فقد وصف المقاومة غير مرة بالعبثية.
وقد اتبع العدو عدة آليات لتنفيذ الاغتيالات، من بينها الاغتيالات التي تجري عبر الاشتباكات المباشرة بين المقاومة وقوات الاحتلال، أو عبر القصف من الجو، وهناك اغتيالات جرت عبر التفخيخ بالمتفجرات.
430 عملية اغتيال بحق قيادات سياسية وعسكرية ونشطاء فلسطينيين نفذها العدو في مختلف المناطق حسب معطيات مؤسسة الحق الفلسطينية.
ففي اعقاب الهبّة الشعبية والعمليات الفردية التي بدأت في أكتوبر 2015، اغتال العدو عدد كبير من المقاومين كان أبرزهم الشهيد محمد الفقيه مرورا بباسل الأعرج وأحمد نصر جرار وأشرف نعالوة وصالح البرغوثي وليس انتهاءً بعمر أبو ليلى عام 2019.
ويهدف العدو من هذه الاغتيالات إلى تحقيق أهدافه على المدى القصير:
تحقيق الردع وتمرير رسالة مفادها أن لا شيء يوقفها عن القتل، وقد أثبت الميدان فشل هذا الهدف فقد تصاعدت حدة المقاومة بعد كل عملية اغتيال ولم تضعف، بل تطورت وانتقلت في قفزات نوعية أذهلت العدو.
وعلى المدى الطويل: تحقيق محاولة إحداث تغيير في المنظومة القيادية للفصائل، كان أبرز أمثلتها عندما اغتال العدو الأمين العام للجبهة الشعبية، وقيادة حركة حماس وعلى رأسهم زعيم الحركة أحمد ياسين واخوانه إسماعيل أبو شنب وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة وعبد العزيز الرنتيسي.
وقد أثبتت الأيام فشل هذا الهدف، حيث أثبتت الفصائل تماسكا كبيرا وصعدت قيادات جديدة أثبتت جدارة في الميدان.
195 عملية اغتيال نفذها العدو من الانتفاضة الأولى عام 1987، وكانت آنذاك تستهدف القيادات العسكرية من دون المساس بالقيادات السياسية للفصائل.
أما في انتفاضة الأقصى بين عامي 2000 و2006، نفذ العدو أكثر من 300 عملية اغتيال بمساعدة الأمن الوقائي الذي كان يرأسه محمد دحلان، حيث سجل تحوّل بارز في الاغتيالات التي باتت تطال القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية على حد سواء.
وبحلول عام 2006 كان العدو قد اغتال أغلب القيادات السياسية والعسكرية للفصائل الفلسطينية، بمن فيهم الأمناء العامون للفصائل بمختلف توجهاتها الوطنية واليسارية والإسلامية، حيث يتهم جهازي الأمن الوقائي والمخابرات الفلسطيني بالمساهمة في تزويد العدو بالمعلومات الميدانية اللازمة لتسهيل تنفيذ هذه الاغتيالات.
الوثائق الأمنية الملحقة باتفاقية أوسلو تلزم السلطة الفلسطينية بهذا التعاون الأمني الذي ألحق العار بالقضية الفلسطينية، حفاظا على أمن الاحتلال، فيما تعتبره السلطة تعاونا يحافظ على السلطة لأن علاقة السلطة بالتعاون الأمني علاقة وظيفية وليست اختيارية.
قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار