بين الانتفاضة وذكرى النكبة… إصرار على التحرير والعودة

ميرنا الرشيد صحافية سورية

لم يكن مصطلح أطفال الحجارة مصطلحاً عبثياً، ولم تكن نشأته مع انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987 مجرد حالة مؤقتة وفردية. لقد أسس هذا المصطلح لمرحلة احتجاج ونضال جديدة ضد القوى الإسرائيلية المدججة بالسلاح الثقيل، التي كانت تهتز أمام مجموعة من الفتيان الصغار العزل من السلاح، حيث كانوا يقفون بأجسادهم الغضة ملوحين بالحجارة غير مكترثين بالمواجهة غير المتكافئة بينهم وبين المحتل الصهيوني، الذي جاءهم من أماكن متفرقة من العالم لطردهم من أراضيهم وتجريدهم من منازلهم بتآمر من بريطانيا، وقد استطاع الفتيان الملثمون بالكوفية الفلسطينية أن يلفتوا انتباه العالم إلى ما يتعرضون له من ظلم واضطهاد العصابات المسلحة التي تسببت بتهجير شعب كامل من أرضه.

لقد تحول ملثمو الانتفاضة إلى رمز للتمرد والمقاومة على سطوة الجيش الإسرائيلي، وعلى الوضع المزري في مخيمات الداخل والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال، فحطموا بعنادهم وشجاعتهم شراسة الجنود الذين كانوا يقتحمون المنازل لقتل كل فلسطيني تجاوز عمره الخامسة عشر من أجل وأد شرارة الانتفاضة، وعلى الرغم من أن الملثمين كانوا على يقين تام أنهم سيلقَون الموت أو التعذيب في سجون الاحتلال، إلا أن ذلك لم يمنعهم من متابعة الانتفاضة الأولى التي توقفت بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993.

إن أكثر ما يميز هذه الانتفاضة أنها جمعت في بدايتها قطاعاً متنوعاً من المجتمع الفلسطيني، بما ذلك كبار السن والشباب من الذكور والإناث، لكن سرعان ما هيمن عليها الفتيان الذكور الذين آثروا أن يخاطروا بحياتهم لإلقاء الحجارة على القوات الإسرائيلية، وإحراق عجلات السيارات، ورفع الأعلام الفلسطينية، فكان لهم دور فعال في نضال الشعب من أجل تقرير المصير والكرامة، فتوالت الانتفاضات بعد ذلك من خلال ما زرعوه في وعي الشعب الفلسطيني من إحساس بالمقاومة، وكانت انتفاضة الأقصى عام 2000 التي تميزت بتصاعد الأعمال العسكرية بين المقاومة والجيش الإسرائيلي، ثم اندلعت انتفاضة السكاكين في تشرين الأول 2015، التي نفذ فيها الاحتلال ضربات جوية على قطاع غزة، وقام بالاعتداءات المتكررة والإعدامات الميدانية بحق الشعب الفلسطيني رداً على أعمال المقاومة وإضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذي استمر مدة شهرين.

إن الأحداث والتواريخ المفصلية في رزنامة الشعب الفلسطيني كثيرة، ولا يكاد الاحتلال يلتقط أنفاسه من مواجهة مع أصحاب الأرض حتى يجد نفسه أمام مواجهة جديدة تبرهن على أن الكفاح الفلسطيني الخيار الأول والأخير لنيل الحرية، وإن كانت حملة التصعيد الأخيرة التي سبقت شهر رمضان الحالي قد أودت بحياة ما يقارب ثلاثين فلسطينياً ودمرت ألف وحدة سكنية، في محاولة لن تكون الأخيرة من قبل الاحتلال من أجل تركيع قطاع غزة والضفة الغربية، فإن ذلك كله لم يثني الشعب الفلسطيني عن الخروج في مسيرات ذكرى يوم النكبة الواحد والسبعين التي كانت بدايتها عام 1948، احتل فيها الإسرائيليون ما يعادل ثلاثة أرباع مساحة فلسطين وشردوا 85 بالمئة من الشعب الفلسطيني.

حملت المسيرات عنوان “مليونية العودة وكسر الحصار”، بلغ فيها عدد المتظاهرين ما يقارب العشرة آلاف، وكانت حصيلة الجرحى حسب ما أوردت وزارة الصحة الفلسطينية خمس وستين جريحاً، كما قامت قوات الاحتلال باعتقال أحد المتظاهرين الذين حاول عبور الحدود من غزة ليؤكد للعدو أن شعار “الكبار يموتون والصغار ينسون” زائف وأن الشعب الفلسطيني لا ينسى أرضه وهويته مهما استبد به الاحتلال.

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار