التطبيع السعودي يَدْفُنُ القضية الفلسطينية في الصحاري العربية، وسيمنح “إسرائيل”فرصةً تاريخيةً لاستكمال هدف تصفية القضية الفلسطينية.

التطبيع السعودي يَدْفُنُ القضية الفلسطينية في الصحاري العربية، وسيمنح “إسرائيل”فرصةً تاريخيةً لاستكمال هدف تصفية القضية الفلسطينية.

توفيق المديني
تشكل زيارة وزير السياحة لدى الكيان الصهيوني حاييم كاتس إلى المملكة السعودية ضمن وفد رسمي لحضور مؤتمر منظمة السياحة التابعة للأمم المتحدة بمناسبة يوم السياحة العالمي ، يوم الثلاثاء 26سبتمبر 2023،نقلةً نوعيةً في عملية التطبيع بين الرياض وتل أبيب.
وقال كاتس لـ”إسرائيل اليوم”:”لقد استقبلنا وفد رسمي (سعودي) كبير بحرارة في الرياض، هذا حدث تاريخي ومثير، الرسالة الرئيسية لوجودي هنا؛ أنَّ السياحة هي جسر للسلام وتقريب القلوب، السياحة تجلب الرخاء ونأمل تحت قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي حقق بالفعل إنجازات سياسية عظيمة في الماضي، أن يأتي التطبيع أيضا”، وفق قوله.
وكاتس هو أول وزير إسرائيلي يرأس وفدًا رسميًا إسرائيليًا إلى السعودية، وفي الأسبوع المقبل، سيسافر وزير آخر إلى الرياض، وهو وزير الاتصالات شلومو كرعي، الذي سيشارك في مؤتمر البريد.ومن المتوقع أن يبقى الوزير كرعي في السعودية مدة ثلاثة أيام خلال “عيد العرش”، وسينضم إلى وزير الاتصالات رئيس لجنة الاقتصاد عضو الكنيست دافيد بيتان.
وتأتي زيارة وزير الاحتلال، عقب أيام من تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي أشار خلالها إلى اقتراب التوصل إلى أنَّ اتفاق تطبيع العلاقات بين المملكة السعودية و الكيان الصهيوني يزداد تقدمًا يومًا بعد يومٍ، مشيرًا إلى أنَّ القضية الفلسطينية بالغة الأهمية بالنسبة للمفاوض السعودي.
كما صرح رئيس الحكومة اليمينية الفاشية الإسرائيلية ، بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” أنَّ اتفاق تطبيع العلاقات مع الرياض “يقترب أكثر كل يوم”، موضحًا أنَّه يقتبس بردِّهِ من كلام ابن سلمان.
وأوضح إيال هولتا، وهو مستشار الأمن القومي في “إسرائيل” ورئيس هيئة الأمن القومي سابقا، وباحث كبير في معهد “FDD” في واشنطن، في مقاله الافتتاحي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية بعنوان “السعودية وإسرائيل: ثلاث زوايا”، أنَّ “التطبيع مع السعودية من الزاوية الإسرائيلية، يُعَدُّ حق الكأس المقدس في تثبيت مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط، فالإمكانيات الاقتصادية حيال السعودية وفتح الأفق السياسي مع باقي العالم الإسلامي ستكون غير مسبوقة، وهذه الحوافز أدت لجهد طويل على مدى سنين للحوار في قنوات سرية مختلفة”.
السعودية لم تعد مقتنعة بمرجعية المبادرة العربية
فالسعودية التي أطلقت مبادرة السلام العربية ، جعلتْ هذه المبادرة في خبَرِ كان ، لأنَّ نصَّ إعلان بيروت الصادر في ختام القمة العربية الرابعة عشرة ببيروت الخميس 28 مارس/ آذار 2002 وضمنَّه بنود مبادرة السلام العربية، يتناقض جذريًا مع سياسة المملكة السعودية في الوقت الراهن،الراكضة وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني.
جاء في نص المبادرة العربية ما يلي:انطلاقاً من المسؤولية القومية وإيماناً بمبادئ وأهداف ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة، نُعلنُ ما يلي:
أولاً:يؤكد القادة في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967.
ثانيًا:التأكيد على أنّ السلام في الشرق الأوسط لن يُكتب له النجاح إن لم يكن عادلاً وشاملاً تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و425 ولمبدأ الأرض مقابل السلام، والتأكيد على تلازم المسارين السوري واللبناني وارتباطهما عضوياً مع المسار الفلسطيني تحقيقاً للأهداف العربية في شمولية الحلّ.
وفي إطار تبني المجلس للمبادرة السعودية كمبادرة سلام عربية يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الإستراتيجي أيضا.
كما يطالبها القيام بما يلي :
أ – الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.
ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
– عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي :
أ – اعتبار الصراع العربي الإسرائيلي منتهيًا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل. ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
المملكة السعودية لم تعدْ تتحدثُ عن المبادرة العربية التي تشترط التطبيع الكامل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، عام 1967، وقيام دولة فلسطينية، معترف بها دوليًّا، وعودة اللاجئين، وترجمتها سياساتُ دولٌ عربية، تحلَّلت من عبء الشأن الفلسطيني، ومضت في طريقها نحو علاقاتٍ تطبيعيةٍ مع دولة الاحتلال، حتى وتلك الأخيرة، تبلغ أوْجَ تجاهُلها الحقّ الفلسطيني، وللوجود الفلسطيني ذاته، وللصِّلات والاعتبارات العربية والإسلامية، كما يتجلّى في انتهاكها الممنهَج المسجد الأقصى، وهذا هوحال الدول العربية التي قامت بعملية التطبيع مع الكيان الصهيوني (مصر، الأردن، الإمارات ، البحرين، المغرب، السودان ).
التطبيع مع السعودية يقوم على أساس معادلة “السلام مقابل السلام”
من وجهة نظر الكيان الصهيوني المنتشي بتفوقه على جميع الدول العربية فرادى وجماعة، تفوق عسكري ،تفوق تكنولوجي، تفوق اقتصادي، و الذي يعتبر أنَّ معظم الدول العربية تعيش في حالة ضُعْفٍ شَديدٍ،و تعاني من أزمات داخلية كبيرة اقتصادية و اجتماعية وسياسية،وأصبحت تنظر إلى القضية الفلسطينية كَعِبْءٍ يجب التخلص منه،ولم تعدْ تبْحَثُ عنْ حلٍّ للقضية الفلسطينية، بل أصبحت ترى في التطبيع مع الكيان الصهيوني هو البوابة الحقيقية لتعميق استقرار هذه الأنظمة العربية السياسية التسلطية و التي تعيش في زمن القرون الوسطى سياسيًا وتاريخيًا، لا زمن الثورة الصناعية الرابعة الرقمية التي يعيشها الغرب وباقي الدول الصناعية الناشئة في آسيا وغيرها،هذا الكيان الصهيوني أصبح يطرح التطبيع مع السعودية وباقي الدول العربية الأخرى على قاعدة “السلام مقابل السلام”، الأمر الذي يقود إلى دفن الدول العربية القضية الفلسطينية في الرمال العربية.
علْمًا أنَّ القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع عادي مثل غيره من الصراعات في البلدان المستعمرة أو شبه المستعمرة، بل هي قضية مركزية تجسد اللحظة الراهنة في العلاقات الدولية، وهي آخر فعل استعماري موروث من تقسيم الامبراطوريات الأوروبية للعالم العربي في الحرب العالمية الأولى، ومن الاستعمار الصهيوني الاستيطاني، ومن الهيمنة الامبراطورية الأميركية، إذ تتداخل في هذه القضية الفلسطينية الأبعاد الدينية والجيوسياسية والتاريخية.
فلسطين تقع في قلب العالم العربي، الذي تكالبت القوى الاستعمارية الأوروبية لتقسيمة والسيطرة عليه، بحكم موقعه على تقاطع قاراتٍ ثلاث. فمنذ القرن التاسع عشر، أضحت السيطرة عليه أساسيّة بالنسبة للإمبراطورية البريطانية، التي كانت تريد، عبر قناة السويس، حماية طريق الهند، جوهرة أمبراطوريتها. ثم أصبحت الإمبراطورية الأمريكية التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية هي القوة المسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، الذي يحتوي على أغنى خزّانٍ نفطيّ على الكرة الأرضية.
و بما أن “إسرائيل” جزء من الظاهرة الاستعمارية الأوروبية أولاً، وأداة رئيسة للهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، من خلال دورها الوظيفي في زمن الحرب الباردة، وفي ظل النظام الدولي أحادي القطبية الحالي، الذي لا يزال يمارس الظلم، والانتهاك الدائم للقانون الدولي؛ و”الكيل بمكيالين” تجاه الشعب الفلسطيني، فإنَّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولغاية اليوم، لا تريد أن تضع كل ثقلها لإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، حتى لا تصطدم ب”إسرائيل”، واللوبي الصهيوني في أمريكا، الذي سرعان ما يحول قضية نقد السياسة الإسرائيلية إلى مجرّد ورقة التين للاّساميّة الأبدية. وهذا ما يفسر لنا سرّ الاستعصاء في إيجاد حل للصراع العربي – الإسرائيلي عامة، والصراع الفلسطيني خاصة، وبالتالي بقاءالقضية الفلسطينية من دون حلّ.
منذ وتشكل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو ما انفكت العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية تشهد تدهوراً ملحوظاً، بسبب الاستيطان في الضفة الغربية والقدس.
إضافة أنَّ الإدارة الأمريكية الحالية التي يرأسها بايدن لا تبذل أي جهدٍ في الظروف الراهنة لإيجاد تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأنها عجزت عن بلورة أسس حقيقية لهذه التسوية التي تتخذ من القرارات الدولية مرجعية لها، وأهمها التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة التي تمتد حدودها على خطوط 4 حزيران 1967، يقينا أن هذه التسوية ليست عادلة بالنظر إليها من زاوية طموحات الشعب الفلسطيني الوطنية.
والرئيس بايدن عاجزٌ على الردِّ على التحدّي السافر من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،عبر استخدام ورقة المعونة الاقتصادية والعسكرية للضغط على إسرائيل للقبول بحل الدولتين، ووقف الاستيطان في القدس – وإِنْ كانتْ هذه الورقة لا يمسك بها الرئيس بايدن لوحده، فهذه الورقة يمسك بها الكونغرس حيث أنَّ المعونة يصدر بها قانون ولا يلغيها إلا قانون.
وفضلاً عن ذلك، فإنَّ الانتقالَ إلى المفاوضاتِ المباشرةِ بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية من دون أيِّ ضماناتٍ تشمل: وقف الاستيطان الشامل وخصوصًا في القدس، وسائر الملفات الأخرى خصوصاً ملفي القدس واللاجئين، ومن دون الاحتكام إلى مرجعيات عملية السلام والاتفاقيات الموقعة وخطة خارطة الطريق التي تنص على حل الدولتين على حدود عام 1967، والتأكيد الدائم على أنَّ الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل بالتلازم مع الأمن القومي الأميركي، ومطالبة العرب بالتطبيع المسبق مع إسرائيل، كل هذه السياسة لا تعني سوى شيء واحد هو التسليم لإسرائيل بتصفية القضية الفلسطينية.
خاتمة:وهكذا، فإنً التطبيع بين الكيان الصهيوني والمملكة السعودية،لا يَجُوزُلَه ذِكْرَ أيَّ شرطٍ يتعلق بإقامةِ دولةٍ للفلسطينيين،لأنَّ اليمين الفاشي الحاكم في “إسرائيل”، يريدُ إبرامَ اتفاق سلامٍ تاريخيٍّ مع السعودية، ولكنَّ مع استمرار أولويات هذا اليمين الصهيوني الفاشي الاحتلالي في فلسطين، لفرْض السيادة الصهيونية على الضفة الغربية، وابتلاع مناطق “C”، كما ظهر في الخريطة التي أبرزها نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتظهَر فيها كلمة “إسرائيل” ممدَّدةً على كامل فلسطين، واستمرار قوى الاستيطان اليهودي المتطرِّف في تهويد القدس،لا سيما أنَّ التطبيع السعودي سيمنح “إسرائيل” فرصةً تاريخيةً لاستكمال هدف تصفية القضية الفلسطينية، وبالتالي دفنها في الصحاري العربية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار