الرئيسيه أخبار فلسطينية تونس…بين مؤتمر للعروبة…ومنتدى لفلسطين

0

تحتضن تونس في الأسبوع الاخير من شهر نيسان/ابريل 2016، فعاليتين هامتين اولهما الدورة السابعة والعشرين للمؤتمر القومي العربي (19 و20 نيسان/ابريل) وثانيهما المنتدى العربي الدولي الثاني من اجل العدالة لفلسطين (22 و 23 نيسان/ابريل) بالتعاون مع الاتحاد التونسي العام للشغل، وقد ابدى المئات من المشاركين والمشاركات من كل اقطار الوطن

العربي وقارات العالم استعدادهم للمشاركة في احدى الفعاليتين أو في كلاهما معاً….
ولا يخفى على احد الرمزية التي ينطوي عليها لقاء الفعاليتين على ارض تونس بعد الثورة والمسار الديمقراطي التشاركي الذي اختارته، وفي ازمنة متقاربة من شهر نيسان العابق بالذكريات الأليمة والمضيئة في حياة امتنا….
أما المؤتمر القومي العربي، فله مع تونس العروبة والإسلام قصة تعود إلى يوم تأسيسه في آذار/مارس 1990، حين التقى في رحاب “ارض الزيتونة” خمسون مفكراً ومناضلا عربيا لإطلاق تجربة “لم الشمل” بين كل المؤمنين بالمشروع النهضوي العربي، فكان البيان التأسيسي بياناً تاريخياً أكد تصميم ثلة من أهل الفكر والعمل على تجديد العهد مع مشروع النهضة في الأمة بكل عناصره المعروفة.
كانت الصدمة الأولى للمؤتمر، بعد أشهر على تأسيسه، الانقسام الحاد على الصعيدين الرسمي والشعبي الذي حل بالأمة بعد غزو الكويت في 2 آب 1990، وكان من الطبيعي أن تطال شظايا هذا الانقسام مؤسسي المؤتمر أنفسهم حيث لم يرى البعض فيما حصل إلا غزواً لبلد عزيز على كل بلد عربي، فيما رأى أخرون إن الامر لا ينحصر برفض الغزو وحده، وقد كان هناك اجماع على هذا الرفض، ، يرون أيضاً في تدفق الاساطيل والقواعد الاجنبية إلى المنطقة باسم تحرير الكويت مشروعا استعماريا صهيونياًٍ لاحتلال منابع النفط وتدمير العراق وتفتيت المنطقة كلها….
ومنذ عام 1990 والزلازل تعصف بالمنطقة وتنعكس بالتأكيد على مسيرة المؤتمر، وعلى مواقف اعضائه، فيما كان المؤتمر يحرص في كل بياناته الختامية على اعتماد التوازن التوازان المبدئي في الموقف من الصراعات الداخلية في الاقطار، والوضوح الحاسم، حين يكون الامر متعلقاً بعدوان أو احتلال أو تدخل استعماري على قاعد ة “اشداء على الاعداء رحماء بيننا”، وهو موقف لم يكن يرضى اصحاب الرؤوس الحامية في هذه الجهة أو تلك من اطراف الصراع، فيما كان المؤتمر يعتبر ان أي مواقف اخرى ستؤدي إلى تصدع بنيان المؤتمر إذا لم يكن زواله تماماًً، وقد حصل ذلك مع مؤتمرات اخرى انطلقت في مواعيد متقاربة مع انطلاقة المؤتمر ولكنها لم تتمكن من الاستمرار لانها لم تحرص على استقلاليتها من جهة وعلى توازنها من جهة اخرى.
وبالطبع، ورغم مرور اكثر من ربع قرن على تأسيس المؤتمر القومي العربي، فان الكثير من المهتمين بالعمل العام، بمن فيهم بعض أعضاء المؤتمر، لم يتمكن من فهم الغاية التي تم تأسيس المؤتمر من اجلها، وهي بناء إطار للحوار والتشاور يسعى لإطلاق مواقف تشكل مرجعية للعمل القومي العربي، واطلاق مبادرات يتحمل اعضاء المؤتمر من مواقعهم السياسية والفكرية والاعلامية والحزبية والنقابية في اقطارهم ترجمتها، فكانت مخيمات الشباب القومي العربي التي رافقت المؤتمر منذ تأسيسه، وكان المؤتمر القومي/ الاسلامي اطاراً للتحاور والتفاعل بين ابناء التيارات الرئيسية في الأمة، وكان المؤتمر العام للاحزاب العربية، وكانت الملتقيات العربية والدولية من اجل فلسطين وعناوين قضيتها، والجولان العربي السوري وتحريره، والعراق وجرائم الحرب فيه، والسودان ووحدته، بالإضافة إلى دورات عدة للمؤتمر العربي العام حول قضايا دعم المقاومة العربية في فلسطين والعراق ولبنان، والى دورات منتدى التواصل الفكري الشبابي العربي السنوية الست التي بدأت عام 2010.
وطبعا لا يمكن لأحد أن يغفل دور المؤتمر والمؤتمرات الشقيقة في إطلاق مبادرات كسر الحظر الجوي على العراق قبل الاحتلال، وكسر الحصار على غزة وتنظيم المسيرات المليونية في عواصم عربية عدة دعماً للمقاومة في فلسطين والعراق ولبنان.
وبدلاً من أن يرى البعض في المؤتمر والهيئات المنبثقة عنه منصة لإبداء رأيه ولإقناع الآخرين به، يتصرف البعض وكأن المؤتمر حزب جديد في الساحة أو إطار يسعى من خلاله لفرض رأيه على الآخر، فيخرج البعض غاضباً على المؤتمر لأنه لم يتبن رؤيته كاملة فيلتقي عن غير قصد بكل المتربصين بهذه التجربة القومية المتواضعة الجامعة، الذين لا يطيقون وجود هيئات ترفع راية العروبة وتدافع عن الاستقلال والحرية والعدالة والتجدد الحضاري وتحترم حقوق الانسان والجماعات المتنوعة في المجتمع، وتؤكد على تكامل العروبة والاسلام وكل الرسالات التي انطلقت من المنطقة وأسست لحضارة عربية اسلامية شارك في صنعها عرب من كل الديانات ومسلمون من كل القوميات.
وحين انعقد المؤتمر القومي العربي للمرة الثانية في تونس في دورته الرابعة والعشرين (عام 2012)، قاطع بعض اعضاء المؤتمر انعقاده في عاصمة احتضنت قبل عام ما يسمى “بمؤتمر اصدقاء سوريا”، فيما قاطع اخرون انعقاده عام 2001 في بغداد بذريعة ان مجرد انعقاده في عاصمة الرشيد هو دعم للنظام الوطني العراقي السابق للاحتلال، وفيما دعا البعض إلى مقاطعة انعقاده في بيروت بذريعة رضوخه للهيمنة “الفارسية الصفوية”، رأى البعض الآخر ان مجرد انعقاده في القاهرة عام 2013 هو دعم للرئيس السابق محمد مرسي فيما كان خطباء جلسته الافتتاحية المصريون هم ابرز معارضيه وفي مقدمهم السيد حمدين صباحي.
وفي كل مرة، كان يتفاجأ المتحاملون على المؤتمر بان المؤتمر سيد نفسه، وان مكان انعقاده لا يؤثر ابداً على طبيعة خطابه المنسجم مع أهدافه، ولا بالطبع على استقلاليته التي جعلت منه المؤسسة العربية الأهلية الأفقر في وطننا العربي، والتي تفاخر إن كل الحاضرين في دوراتها يتحملون تكاليف السفر والإقامة على نحو لا نراه في غيره من المؤتمرات والندوات.
وبالعودة إلى تونس، فلقد صدر عن المؤتمر فيها بيان شديد الوضوح بادانته لقرارات جامعة الدول العربية حول ليبيا وسوريا، وبرفضه للعقوبات بحق بلد مؤسس في الجامعة، وهو ما اعتبره المراقبون المنصفون رداً على قرارات “جامعة الدول العربية” وعلى انعقاد المؤتمر المشؤوم في تونس..
لكن انعقاد “المؤتمر القومي العربي” في تونس هذه الأيام يكتسب أهمية إضافية لأنه يتزامن مع الانعقاد الثاني “للمنتدى العربي الدولي من اجل العدالة لفلسطين ” بحضور شخصيات دولية يغلب عليها الطابع القانوني وشخصيات عربية تقود لجان الانتصار للحق الفلسطيني في اقطارها.
فتونس التي تحتضن بعد بيروت منتدى العدالة لفلسطين، كانت قد فتحت أبوابها للقيادة الفلسطينية والرئيس الشهيد أبو عمار أيضاً بعد بيروت ومعركتها الخالدة عام 1982، بل تونس التي تشكل شاهداً حياً على جرائم حرب صهيونية، وجرائم اغتيال كجريمة اغتيال القائد الفلسطيني الرمز خليل الوزير (ابو جهاد) في مثل هذه الايام قبل 28 عاماً (18 نيسان 1988) والجرائم ضد الانسانية بما فيها جريمة التمييز العنصري (الابارتايد) وجريمة الاعتقال والأسر لا سيّما الاعتقال الاداري.
إن تونس لا تجتمع حول أمر، كما يقول التونسيون، كما تجتمع حول فلسطين، واهلها في غالبيتهم يعتزون بهويتهم العربية وعقيدتهم الاسلامية في مواجهة كل محاولات طمس هذه الهوية، بل هي في احتضانها لدورة جديدة من المؤتمر القومي العربي انما تسهم في تحصين التيار القومي العربي من كل محاولات العبث به وصرف انظاره عن بوصلة الأمة في فلسطين، وعن خيار المقاومة الذي هو اللغة الوحيدة التي يفهمها اعداء فلسطين ومنتهكو العدالة يومياً على ارضها….
بالعروبة والوحدة ننتصر لفلسطين وفي القلب منها القدس، وبفلسطين نحصن العروبة ونسير على طريق الوحدة الديمقراطية العابرة لكل العصبيات المدمرة….

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار