سيناريوهــــات الحــــرب القادمــــــــة 

سيناريوهــــات الحــــرب القادمــــــــة

 

بقلم : عصري فياض

 

عادة ما تكون الحرب بين متناقضيّن، مترافضيّن تماما، عدويّن لدوديّن، وهذا واضح ومتوفر في المشهد الذي يلف الشرق الاول منذ عقود،ففي الوقت الذي انحسرت فيه اسس العداوة الظاهرة بين اسرائيل وبعض العرب اثر توقيع اتفاقيات صلح وسلام وتطبيع مع بعض الدول العربية، فإن انتصار الثورة الاسلامية في ايران قبل نحو اربعين عاما،والتي قلبت موازين ايران فكريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا،ونقلتها من الضد إلى الضد،من الفلك الامريكي وما يتبعه،إلى عقيدة الاسلام المحمدي المبني على ثقافة والولاء لال البيت التي انتجت ثقافة الوليّ الفقيه،فالثورة الاسلامية في ايران ومنذ نشاتها في بداية ستينيات القرن الماضي كانت بدافع عدة اسباب ومنها علاقة  نظام الشاه محمد رضا بهلوي بإسرائيل،كونها ربيبة الولايات المتحدة الامريكية التي كانت حليف الشاه والماص لخيرات ايران والداعم لعمليات البطش والتنكيل التي كان يمارسها النظام المخلوع ضد الشعب الايراني بقسوة بالغة،فأصبحت الولايات المحتدة الامريكية في وعيّ الشعب الايراني تسمى بالشيطان الاكبر، وهذا الموقف من الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل تقاطع قربا من الشعب الفلسطيني المظلوم وقضيته العادلة لعدة عوامل أهمها النظرة العدائية الواحدة للكيان وداعميه،ثم تقاطعات  العقيدة الثورية الايرانية القائمة على مناصرة المظلوم اينما كان على الارض، وإيمان ايران الاسلامية الراسخ والمتجذر والمتناغم مع مبادئ ثورتها ان ارض فلسطين هي ارض عربية اسلامية لا يجب أن تكون لغير ابناء شعبها الفلسطيني من النهر إلى البحر،وقد عبر الامام اية الله الخميني عن ذلك بكل وضوح بعد أن وصل الى طهران قادما من منفاه الباريسي في مطلع شباط من الام 1979 عندما سأله احد الصحفيين عن وجهته القادمة فقال”اتمنى أن اموت وراء رشاش على جبال صفد”،ووصفه اسرائيل بعدها بغدة سرطانية يجب إستأصالها،فبدأت رياح الثورة تتجه نحو الغرب وخاصة إلى ما يحيط بإسرائيل مثل العراق و لبنان وسوريا وشعب فلسطين والخليج،وقد تلاقت هذه الرياح مع من لا زال ينظر لاسرائيل عدو يمكن هزيمته بالكفاح والنضال،وان مشاريع التسوية معه مضيعة للوقت نظرا لأنه عدو  شديد ألعداء، توسعيّ، باطش، عنجهيّ، لا يحترم قوانين ولا يقدر معاهدات، يعمل على تحقيق حلمه الاسطوري في اقامة دولته من النيل الى الفرات وتسخير شعوب المنطقة لخدمته معتمدا على اسطوة توراتية تقول “أن اليهود هم شعب الله المختار”.ويعتبر قاعدة متقدمة للاستكبار العالمي بقيادة امريكا والغرب.

 

فكانت هذه الرياح وما حققت من ايجاد وتنامي لحركات مقاومة جديدة مثل حزب الله في لبنان،او تعاونت مع حركات مقاومة اخرى  مثل حركة فتح والقيادة العامة بداية ثم مثل الجهاد الاسلامي وحماس وباقي الفصائل لاحقا،وحركات وفصائل المقاومة في العراق خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين،وحتى الوقوف الى جانب سوريا في وجه الحرب الكونية عليها،ومن ثم مساندة ودعم الحوثيين والجيش اليمني، كل ذلك ومع مرور الوقت وعبور المتغيرات على جزء لا يستهان به من الشرق الاوسط والمنطقة العربية أدى الى نشوء محور المقاومة الذي كوّن كتلة صلبة في المنطقة جوهرها هو العداء لإسرائيل، ومقارعة المشاريع الامريكية والغربية في المنطقة العربية، وهذه الكتلة وعلى مدار عقود وسنوات استطاعت تسجيل عدة انتصارات،اصبحت حقيقة واقعة وساطعة، منها انتصار المقاومة اللبنانية وطرد الاحتلال الاسرائيلي من معظم الاراضي اللبنانية في العام 2000 دون قيد او شرط، وطرد المحتل الاسرائيلي من قطاع غزة بالمقاومة دون قيد او شرط ايضا،واخراج القوات الامريكية المحتلة للعراق،وصمود سوريا ووضعها على سكة التعافي بعد عقد او اكثر من العدوان الدولي الغربي والمتآمر عليها،وانتصار شعوب العراق وسوريا  وجيشيها ومقاومتيها على تنظيم داعش الارهابي، وصمود الشعب اليمني والحوثيين والجيش اليمني في وجه العدوان السعودي الاماراتي الامريكي،والاقرار بحقيقة وجود الحوثيين كحقيقة واقعة لا يمكن انكارها او تجاهلها،بل الاقرار بمشاركتهم في اية مشاريع للحلول السياسية للقضية اليمنية كجزء اصيل من المكونات اليمنية.

 

كل هذه الشواهد والحقائق الساطعة جعلت من المحور قوة متعاظمة تكبر وتتعاظم مع مرور الزمن امام اسرائيل، وتشي بحتمية الصدام معها سواء كان بشكل جزئي،من الشمال والجنوب”قطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا،أو جماعي بمعنى كل المحور ايران ولبنان وغزة وسوريا والعراق واليمن معا،مع استحالة أن يكون يوما من الايام مفاوضات سلام بين الكيان ومكونات هذا المحور،حتى سوريا كونها الجهة الوحيدة التي فاوضت اسرائيل بعد مؤتمر مدريد تحت مظلة امريكية ودولية،وخرجت بقناعة أن الارض السورية المحتلة في الجولان لا يمكن الحصول عليها الا بالقوة،لذلك،الصدام حتمي، ونوازعه كثيرة ومتعاظمة خاصة إذا ما أضفنا عليه هوس اسرائيل وقلقها البالغ وصراخها الذي لا يتوقف منذ أكثر من عقدين والذي وهو المشروع النوويالايراني، هذا المشروع الذي أيقظ في اسرائيل وقيادتها وحكامها عقدة الابادة التي تعرض لها قسم من اليهود على يد النازية في الحرب العالمية الثانية،فقبل أكثر من عقد ونصف تقريبا صرح بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال في ذلك الوقت وحاليا” أنه لن يسمح لأحد بتكرار ما جرى لليهود في الحرب العالمية الثانية مهما كلف الامر.”

 

لذلك، منع الحرب معجزة،وهي ستقع إن عاجلا أو آجلا، ولكن كيف ستكون؟وكيف ستمضي وتتطور؟

 

للجواب على هذه الاسئلة، هناك سيناريوهات مبنية على الواقع الواقع،قد تكون على النحو ألتالي:-

 

• السيناريو الاول:- على الاغلب،ستندلع الحرب بمبادرة من اسرائيل وبدعم لوجستي أو تقني امريكي دون مشاركة مباشرة(خاصة في البداية)، وذلك إما عبر هجوم شامل على ثلاث جبهات رئيسية مرة واحدة وهي ايران وحزب الله بالاساس وسوريا بشكل ملحق وثانوي في البداية، عبر هجمات بمئات الطائرات المقاتلة والصورايخ بعيدة المدى “صورايخ يرحو 1 ويرحو2” والقنابل الضخمة الخارقة للتحصينات والقنابل الكهرومغناطيسية التي تشل عمل الاجهزة والرادارات وربما تستخدم في مرحلة من مراحل الهجوم القنابل النووية التكتيكية،وذلك حسب تطور مراحل الحرب وعشرات الغواصات والبوارج الممتدة في البحار القريبة من ايران ولبنان، بالاضافة للمدفعية على جبهة لبنان وسوريا، والقيام بالعمليات الخاصة من قبل فرق الكومندوز، وقد تكون بداية الهجوم هو اغتيال قيادة المقاومة في لبنان و ضرب رأس المحور الاول إيران  ومفاعلاتها النووية ومراكز قوتها الاستراتيجية، وضرب أحد أكبر حلفائها وهو حزب الله،والذي يشكل سيفا مسلطا على رقبة اسرائيل ومهددا ملاصقا لها،مع تحييد كل من جبهة غزة والعراق واليمن قدر الامكان، وتكون هذه الحرب متدحرجة،بحيث تقوم اسرائيل بضرب ثلاثة آلاف هدف في ايران مرة واحدة وعلى امتداد عدة ايام ومئات الاهداف في لبنان، وتنفيذ المرحلة  الثانية  وربما الثالثة من هذه الحرب في حال تلقت اسرائيل هجمات مضادة قاسية تفقدها نتيجة الهجمة الاولى، وتمكن عدوها (مكونات المحور)من إمتصاص الضربة الاولى.

 

وفي هذا السيناريو تراهن اسرائيل على الضربة الاستباقية وشبه المفاجأة، وتراهن ايضا أن تدخل العالم لوقف الحرب سيأتي سريعا وسينقذها من الدخول في حرب استنزاف طويلة، فتكون بذلك حسب تصورها قد عطلت أو أخرت البرنامج النووي الايراني لسنوات، وأضعفت الخطر الكامن في تعاظم  قوة حزب الله،وحركت قوى الرفض له في الساحة اللبنانية.

 

• السيناريو الثاني :- توجيه ضربة للمنشات النووية الايرانية ومراكز قوات الحرس الثوري والجيش الايراني ومراكز القيادة الايرانية إما بالاهداف الكبيرة ولعدة ايام وهي الف هدف كما تقول وسائل الاعلام الغربية او المتوسطة خمسماية هدف أو الصغيرة ثلاثماية هدف بشكل يحدث شللا في امكانية الرد الايراني الموجع على اسرائيل حسب تصورها، وتفعيل الخطة ب وج في حال لم تاتي الضربة الاولى نتائجها المرجوة،وهذا التفعيل سيفتح المجال امام حكومة الكيان لتوجيه ضربة للقيادات الايرانية السياسية والعسكرية خاصة في المرحلة الثانية إذا ما تساقطت الصورايخ الايرانية البالستية على المدن الاسرائيلية بالمئات او بالاف وبغزارة، هذا مع افتراض ان حلفاء ايران في المحور لم يتدخلوا من الساعات الاولى للحرب، وفي حال تدخلهم ستشتعل الحرب الكبرى الشاملة.

 

• السيناريو الثالث: توجيه ضربة للمقاومة الاسلامية في لبنان بقصد سحق حزب الله والتخلص من الكابوس الذي يهدد اسرائيل وجوديا  صباح مساء ولا ينفك عن بناء قوة متعاظمة والذي يعتبر ذراع متقدم لإيران، وسيف متقدم من سيوفها قريب حدا من الرقبة الاسرائيلية،وهذه الحرب سيكون هدفها اسرائيليا هو القضاء تماما على هذا الخطر حتى لو ادرى الامر على الاجتياح البري المؤقت والواسع والمدمر، والذي تطمح اسرائيل من خلاله لبتر يد من ايادي ايران وارسال رساله لباقي مكونات المحور تظهر قوتها وجبروتها والاستفراد بباقي المكونات مكوِّن مكوِّن.

 

• السيناريو الرابع : وهو الحرب الشاملة  وعلى كل المحاور دفعة واحدة التي قد لا تشارك امريكا فيها مباشرة في البداية لكن تداعياتها ستدفع بالولايات المتحدة للمشاركة لإنقاذ ربيبتها اسرائيل من خطر تلقي الضربات من كل الجبهات وعلى نطاق واسع من ايران ولبنان وسوريا والعراق وغزة والضفة واليمن،والتي ستكون مغامرة غير محسوبة النتائج من قبل حكومة اسرائيل التي ومهما قذفت بمقدراتها العسكرية وقواتها لتفتيت وإلحاق الاذى بمكونات وخارطة محور المقاومة ستكون جبهتها الداخلية الاكثر فتكا في الخسائر وضعف التحمل الامر الذي سيكون غير مسبوق في الكيان منذ اكثر من سبعين عاما والذي سيؤسس لنتائج كارثية على المشروع الصهيوني برمته.

 

• السيناريو الخامس:-  والذي يبدو ضعيف التحقق ومستبعد في الظروف الحالية،وهو ان تقوم الولايات المتحدة بشت ضربة على المشروع النووي الايراني لكسر تعثر الجمود في مفاوضات العودة للاتفاق النووي (5+1) الذي وقعته الادارة الامريكية في عام 2015 في عهد  باراك اوباما،وانسحب منه  دولاند ترامب في العام 2018.

 

من هنا تبدوا لنا خارطة السيناريوهات متشابهة الى حد ما ومتشابكة، وقد تتحد في لحظة ما وتصبح سيناريو واحد موحد وهو الحرب الكبرى والشاملة، والتي قد لا تعرف نتائجها الا في مسار واحد وهو ان إسرائيل ستخرج خاسرة منه خسارة غير مسبوقة ستؤسس ربما لتقويض فعلي ومتراكم لبنيانها وزوالها وخروجها من خارطة المنطقة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار