في مغزى الحراك الأمريكي-العربي تجاه السلطة الفلسطينية “وأسرائيل”..من هم المستفيدين من بقاء السلطة وتمددها.

في مغزى الحراك الأمريكي-العربي تجاه السلطة الفلسطينية “وأسرائيل”..من هم المستفيدين من بقاء السلطة وتمددها.

عريب الرنتاوي
عمان: يُخفي “الحجيج” الأمريكي لإسرائيل والسلطة من ضمن ما يخفي، رغبة أمريكية واضحة بالإبقاء على السلطة الفلسطينية في مكانها، بعد تكاثر التقارير المنذرة والمحذرة من خطر انهيارها، إن بفعل الضغوط والممارسات الإسرائيلية غير المسبوقة، وهذا هو الأساس، أو بسبب تفاقم الخلافات بين مراكزها ورموزها توطئة لمرحلة “ما بعد عباس”.. الحراك الأمريكي محمّل بأهداف أخرى، ليست وظيفة هذه المقالة، الوقوف عليها جميعها.
لا معنى لـ”حل الدولتين” الذي تحرص واشنطن على تسميته بـ”رؤية بايدن” إن انهارت السلطة، إذ حتى مع تعذر هذا الحل أو إرجائه، وربما استحالته، لا بد من بقاء السلطة، فهي اليوم تخدم بوصفها “وهم الدولة” إلى أن تتحقق الدولة، وربما بدلاً عن تحقيق الدولة.
الفلسطينيون في غالبيتهم، بمن فيهم أشدهم معارضة للسلطة، لديهم الرغبة في إبقاء السلطة، بل ويتنافسون على تقاسم كعكتها، مهما تناقص حجمها وتضاءل وزنها..
بهذا المعنى، تتقاطع النظرة الأمريكية للسلطة مع النظرة الإسرائيلية، أو على الأقل، نظرة تيارٍ مركزي فيها، ما انفك ينظر للسلطة بوصفها “ذخراً” و”رصيداً” وليست “عبئاً” أو “تهديداً” كما يحلو للغلاة فيها وصف الحالة.. لإسرائيل مصلحة حيوية حتى الآن على الأقل، في الإبقاء على السلطة، ولكن بشرط أن تظل ضعيفة، ودائماً تحت السيطرة الإسرائيلية السيادية.
قد تنصرف الأنظار إلى “التنسيق الأمني” بوصفه أحد أهم وظائف السلطة الفلسطينية من المنظور الإسرائيلي، وهذا صحيح إلى حد كبير، لكن الأصح منه، أن للسلطة وظائف أكثر أهمية وحيوية لإسرائيل، من “التنسيق الأمني” المرذول من غالبية الفلسطينيين..
منها، أن السلطة بمجرد وجودها، تنفذ وظيفة “ترانسفير قانوني” والتعبير للدكتور علي الجرباوي، لخمسة ملايين فلسطيني أو أزيد، في الضفة والقطاع، فهي الكيان القانوني لهم، الذي يمنحهم الجنسية وجواز السفر، وبذا تكون إسرائيل قد تحللت من تحدي منح الجنسية لهؤلاء أو بعضهم، وتركت هذه الكثافة السكانية، خارج إطار حساباتها.
وإلى جانب “التنسيق الأمني” و”الترانسفير القانوني”، ثمة وظائف للسلطة لا تقل أهمية، تمارسها بمجرد وجودها، فهي تتحمل نيابة عن الدولة القائمة بالاحتلال أوزار وأكلاف الخدمات المقدمة لملايين الفلسطينيين من صحة وتعليم وبنى تحتية وغيرها..
وهي إضافة إلى ذلك، تسهم في خلق الوهم بوجود “عملية سلام” ومسار سياسي، حتى وإن كانا معطلين منذ عقد من الزمان على أقل تقدير، لكن الوهم بشأن وجودهما، وإمكانية استئنافهما، مازال قائما، وهو إن لم يكن “وهمًا” عند البعض، فهو ينفع كوسيلة لتبرئة الذات والذمة والضمير، من عبء اجتراح مسار بديل لمسار المفاوضات الذي مضى على انطلاقته الأولى في مدريد قرابة الثلث قرن تقريبا.
الدول العربية ذات الصلة، وبالذات مصر والأردن، تريد للسلطة أن تبقى، بل وتريد لها أن تتمدد كذلك، وهذا هو جوهر التحرك المصري – الأردني المشترك الأخير.
الفلسطينيون في غالبيتهم، بمن فيهم أشدهم معارضة للسلطة، لديهم الرغبة في إبقائها، بل ويتنافسون على تقاسم كعكتها، مهما تناقص حجمها وتضاءل وزنها..
ثمة طبقة “مخملية” مستفيدة من السلطة، وثمة جيوش من الموظفين الذين ينتظرون نهاية كل شهر بفارغ الصبر، وثمة قطاع خاص متحالف معها، وثمة دورة اقتصادية تكاد تعتمد على ميزانيتها.. السلطة المرفوضة في الخطاب اللفظي لكثيرٍ من الفلسطينيين، لكنها مرغوبة بشدة، لكثيرين منهم كذلك.
الدول العربية ذات الصلة، وبالذات مصر والأردن، تريد للسلطة أن تبقى، بل وتريد لها أن تتمدد كذلك، وهذا هو جوهر التحرك المصري – الأردني المشترك الأخير، فانهيار السلطة، قد يفتح أبواب جهنم، وقد تتطاير شراراتها الحارقة إلى الدواخل العربية، وهذا خيار غير مرغوب فيه، ويشكل هاجساً لأمن هذه الدول واستقرارها..
وما ينطبق على هذه المروحة الواسعة من المستفيدين من بقاء السلطة، ينطبق كذلك على مواقف عواصم وازنة في أوروبا والصين وروسيا وغيرها من دول العالم، وإن بأقدار متفاوتة من الاهتمام والإسهام.

موقع إرم نيوز، 4 شباط/ فبراير 2023

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار