“COVID-19” يكشف ما أخفاه القناع.. الكمامة لا تستر أميركا

د.بسام رجا كاتب وباحث فلسطيني

لقد أظهر وباء “كورونا “هشاشة التحالفات السياسية والتكتلات الاقتصادية التي تسيطر عليها واشنطن.

من المبكر الحديث عن “انزياحات” مؤثرة في العلاقات الدولية بين الولايات المتحدة الأميركية وشركائها السياسيين والاقتصاديين بعد جائحة فيروس “كوفيد 19” التي ضربت معظم دول العالم، ولكن يُنظر هنا في سياسة التوحّش التي ظهر فيها وجه الإدارة الأميركية، التي تعاطت مع هذه الكارثة الإنسانية من بوابة الربح والخسارة وآثارهما في الاقتصاد الأميركي.

 لقد أظهر وباء “كورونا “هشاشة التحالفات السياسية والتكتلات الاقتصادية التي تسيطر عليها واشنطن، التي راقبت وانتظرت في آن معاً ما يحدث في دول العالم من اجتياح للفيروس، ولم تدفع مع شركائها إلى خطة طوارئ تظهر حرصها على الأمن الصحي الأوروبي.

وعلى العكس من ذلك، أسرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى عرض مليار دولار على شركة “كيور فاك” الألمانية، للاستحواذ على اللقاح، إن تمكّنت الشركة من تصنيعه، ليكون حصرياً لأميركا.

ورداً على عرض الرئيس الأميركي للشركة الألمانية، قال وزير الصحة الألماني ينس سبان: “إنّ محاولة إدارة الرئيس ترامب السيطرة على أبحاث شركة “كيور فاك” اقتراح خارج الطاولة… الشركة ستصنع لقاحاً للعالم، وليس لدولة بعينها”. 

وقد أثار العرض الأميركي غضب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي اعتبرت أن هذه العروض مرفوضة، مشيرةً إلى أن ألمانيا تسابق الوقت مع أصدقائها في الاتحاد الأوروبي لوضع حد لوباء يطال البشرية.

ومن خلال التدقيق في تصريح المستشارة الألمانية، يمكن قراءة التذمّر من تصريحات الرئيس الأميركي، والتركيز على العمل مع الشركاء الأوروبيين.

الاستعراض الأميركي الذي ظهر مع إعلان تزايد عدد الحالات المصابة في الولايات المتحدة الأميركية، وهشاشة النظام الصحي الذي أشار إليه حاكم نيويورك، دفعا الرئيس الأميركي إلى التخبّط في تصريحاته والذهاب إلى طمأنة المجتمع الأميركي إلى أن الوضع الصحي تحت السيطرة، ولن يطول الوقت للسيطرة على “الفيروس الصيني”، في انتقاد مبطَّن للصين التي ردَّت على تصريحاته واعتبرتها غير مسؤولة.

ويبدو أنَّ إدارة الرئيس الأميركي وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة أسئلة الداخل الأميركي حول خطة الطوارئ الصحية التي من المفترض أن تكون نموذجاً في العالم، الأمر الذي أثار سخطاً في المجتمع الأميركي الذي عبَّر عن انتقادات واسعة للحكومة الأميركية في إدارتها للأزمة.

ورغم أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسابق الوقت للحدّ من انتشار “كوفيد 19″، فإنها لم تضع تصوّرات واضحة أمام مجتمعها، في ظل الحديث عن كوارث اقتصادية تعيد إلى الأذهان الأزمة العالمية الاقتصادية في العام 2008.

الحرب التي يخوضها العالم ضد عدو غير مرئي، لم تضع الولايات المتحدة الأميركية في خانة الذين كرّسوا أسلحتهم للدفاع عن وباء يتهدّد البشرية، بل أظهرت الفروقات في القراءة الأميركية لطبيعة العلاقات بينها وبين الدول الحليفة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. 

كما أظهرت التطلّعات الأميركية لضرب اقتصاد الصين التي واجهت الفيروس باقتدار، وحدّت من انتشاره، ووقفت إلى جانب إيطاليا وغيرها من الدول في مواجهة “كورونا”، بعيداً من الحسابات الاقتصادية الضيّقة والربح والخسارة، ففي الوقت الذي أرسلت بكين طواقهما الطبية إلى روما، ولم تتوانَ عن مساعدة كل من ناشدها، كما فعلت مع الرئيس الصربي، الذي خذله الاتحاد الأوروبي وأميركا، تحركت روسيا وكوبا أيضاً، وجهَّزتا الطواقم الطبية، وأرسلتاها إلى إيطاليا، ما سينعكس بشكل أو بآخر على العلاقات الدولية المستقبلية، وإن كان ذلك يحتاج إلى دقة في القراءة والاستنتاجات النهائية.

الوجه الأكثر بشاعة الذي أظهرته الإدارة الأميركية التي تخشى هبوط مستوى شعبية ترامب المتأهب لولاية ثانية، أنها واصلت حربها الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية في إيران وعلى سوريا وروسيا والصين وفنزويلا وكوبا، ولم ترفع عقوباتها عن أي من الدول المذكورة، بل زادت حصارها على إيران، ولم تخفّفه، ولو بشكل مؤقّت، لتوفير إمكانيات تساعدها في مواجهة الوباء. وهذا التصعيد ترافق مع إجراءات البنك الدولي الذي رفض طلباً للإقراض الدولي تقدَّمت به إيران وفنزويلا.

لا شكَّ في أن الفوضى التي اجتاحت العالم، والبحث عن حلول فردية لمواجهة الوباء، أظهرا “سلعية” العلاقات بين الدول، وإن كان بحدود معيّنة، وليس من بوابة التعميم، لكن ما يمكن ملاحظته أن العلاقات الدولية التي من المفترض أن تنعكس على مناخات جامعة، لم تكن بمستوى التحدي، ولم ترقَ إلى حدود الشعارات المطروحة التي تقدّم على طاولات الحوار السياسي والاقتصادي، وهو ما سيكون له انعكاساته المستقبلية التي أشرت إليها في مستهلّ المقال.

من المهم قراءة نموذج جمهورية الصين الشعبية التي قدَّمت وستقدّم المساعدات الطبية والخبرة للدول المتضررة في مواجهة “كوفيد 19″، وهو ما سيعرّي العلاقات الدولية التي صُوّرت على أساس أنها نموذجية بين دول العالم، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية.

 يقف العالم اليوم على مفترق طرق بعد أن صُدم بأن كل التطور التكنولوجي والتصنيع الفائض للأسلحة لم يستطع مواجهة الفيروس، وبالتالي ما قيمة كل ما يشار إليه على أنه تطوّر وتوسّع في دائرة “المعرفة”؟ وقد أصبح مدركاً أن ما يحتاج إلى فائض معرفة وبحث متواصل هو قراءة جوهر العلاقات الدولية والتوحش العالمي في تكديس الثروات وإفقار دول كثيرة ونهبها.

هل نحن أمام تحولات جدّية كشفها “كوفيد 19″؟ هل نحن أمام خارطة سياسية جديدة تسحب بساط الهيمنة من تحت أقدام واشنطن، بعد أن ظهرت صورة التوحّش الأميركي في أدقّ وقت لمواجهة وباء يهدّد العالم؟

لن يطول الوقت لمواجهة “كوفيد 19″، لكن الكثير سيتغيّر بعد أن تعرَّت سياسة الولايات المتحدة التي خسرت الكثيرَ من صورة “المنقذ” والفكرة القائلة إنها صاحبة رسالة “الديموقراطية” والتكاتف في مواجهة “أعداء” البشرية، كما تروّج

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار