الكلمة السياسية للرئيس الأسد حول القضية الفلسطينية والصراع مع العدو الصهيوني، في الإجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الإشتراكي*

*الكلمة السياسية للرئيس الأسد حول القضية الفلسطينية والصراع مع العدو الصهيوني، في الإجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الإشتراكي*

 

في الوضع السياسي، العنوان الأهم والأبرز اليوم هو الموضوع الفلسطيني، وأبرز ما في هذا العنوان هو عودة القضية الفلسطينية الى الواجهة، ولكن بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق منذ نشأت هذه القضية عام 1948، اليوم اتضحت عدالة هذه القضية على مستوى العالم وانكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية بالنسبة لمعظم العالم، وتراجع الدعم العالمي الذي حظيت به “إسرائيل” على الأقل على مستوى العالم طبعاً وليس على مستوى الغرب، على مستوى الغرب منذ البداية، ولكن على مستوى العالم منذ تم توقيع اتفاقيات أوسلو وهذا الشيء سوف يخلق مشكلة مزدوجة.

 

المشكلة الأولى هي للكيان الصهيوني الذي عاش على تعاطف العامة من الغربيين وليس فقط السياسيين منذ الأشهر الأولى لقيامه، وهذه المشكلة ستخلق مشكلة للساسة الغربيين الذين بدؤوا يجدون أنفسهم في مواجهة مع الرأي العام في بلادهم، أما المشكلة الثانية فهي إصابة وتدهور صورة المنظومة الغربية، أولاً على مستوى العالم فمنذ الحرب العالمية الثانية ولكن بشكل خاص بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 لدينا أجيال من المنبهرين والمفتونين بالغرب، مفتونون لدرجة أنهم منومون تنويماً مغناطيسياً، فكل ما يحصل في الغرب هو مذهل ورائع وجميل، هذه الصورة بدأت تتدهور وتصاب بالصميم، الأهم من ذلك أن هذه الصورة بدأت تتدهور عند المواطنين الغربيين أنفسهم الذين كانوا يؤمنون بالمبادئ التي تقوم عليها هذه المنظومة، اكتشفوا اليوم حقيقة المبادئ التي تقوم عليها وهي الكذب والنفاق والخداع، وخداع شعوبهم أولاً قبل الشعوب الأخرى في العالم ، لذلك عندما نرى القمع الوحشي الذي لم نره سابقاً في الجامعات الأمريكية ومثلها في فرنسا وألمانيا وأي تظاهرة تنتقد “إسرائيل” أو تقف إلى جانب غزة، فالهدف الأول هو ليس بالضرورة “إسرائيل” تحديداً ولو أنها ربيبة الغرب، الحقيقة هذا القمع الوحشي غير المسبوق الذي نراه يعبر عن حالة هلع للمنظومة الغربية بشكل عام، هذه الحالة مرت بها المنظومة الغربية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وكان هناك تمرد، جانب له علاقة بالتطور الاجتماعي ، وجانب له علاقة بحرب فيتنام، وجانب له علاقة بأن الجيل الشاب بذلك الوقت كان ينظر باحتقار وكره للمنظومة السياسية القائمة في الغرب، فكان هناك قمع وكان هناك قتلى في الجامعات ولكن الغرب يعتقد أنه منذ ذلك الوقت بعد خمسة عقود قد تمكن من تدجين الشعوب الغربية وخاصة الشباب، وكانت ذروة هذا التدجين هي مرحلة كورونا كما رأينا.

 

ما يحصل الآن خلق حالة هلع ورعب لدى هذه المنظومة من أن يكون هناك إمكانية لتمرد شعبي عليها، أما بالنسبة لمنطقتنا فقد فضحت الحرب على غزة حقيقة الكثير من الأنظمة، وميزت بين المواقف الحقيقية والشكلية، وميزت الصادق من المنافق، وجعلت الموقف من القضية الفلسطينية هو المرجع في تقييم تلك المواقف، فالموقف من القضية الفلسطينية هو اليوم الذي يرفع أشخاصاً ودولاً، وهو الذي يهز العروش، وأهم أنموذج نراه اليوم هو الأنموذج التركي، فأردوغان تذاكى وتذاكى وتذاكى على شعبه بالرغم من أن الإنسان الذكي فعلاً يجب أن يعرف حقيقة بسيطة بأن الذكاء الجماعي الشعبي أقوى من أي ذكاء فردي، هذه هي طبيعة الإنسان، مع ذلك أعتقد بأنه يستطيع أن يخدع الشعب التركي ويهاجم “إسرائيل” بلسانه ويدعمها بيده، ولكن الشعب التركي لقنه درساً كبيراً في الانتخابات، وهذا الدرس مضمونه أن قوة الموقف الرسمي والحزبي تكمن في تماهيه مع الموقف الشعبي، وهي حالة قلما نراها في كثير من الدول، إما لعدم مبدئية الدول أو المسؤولين أو لنفاق الحكومات وخضوعها لأصحاب الفضل في مجيئها وغير ذلك، فإذاً أردوغان قدم اليوم أنموذجاً هاماً جداً في هذا المجال، وكما نرى فهم يتحدثون الآن في تركيا عن قطع العلاقات الاقتصادية مع “إسرائيل” ولا نعرف لماذا لم يقم أردوغان بهذه الخطوة منذ أشهر، يعني هل سمع مؤخراً منذ شهر فقط بأن هناك مجازر ترتكب في غزة؟ أعتقد بأن الأوان قد فات والصورة الحقيقية قد ترسخت والشخص قد افتضح.

 

الأكثر أهمية بالنسبة لنا في سورية تحديداً وهي حالة عامة أيضاً ليست مرتبطة بسورية، أن الحرب على غزة فضحت دعاة الاقتداء بالغرب في عالمنا العربي وفي سورية، الغرب بحريته وديمقراطيته، الغرب بقيمه العظيمة الرائعة وحضارته وإنسانيته ومدنيته، أولئك الأشخاص الذين يحملون في عقولهم أقصى ما يمكن لإنسان أن يحمل من عقد نقص ودونية تجاه الأجنبي، لم نسمع هؤلاء يتحدثون أو ينظّرون حول موقف الغرب من الحرب على غزة، موقف الغرب الداعم لـ “إسرائيل” سياسياً، مشاركة القوات العسكرية والأمنية الغربية بشكل مباشر في الحرب، إرسال السلاح لـ “إسرائيل”، لم نسمع أي كلمة أو تصريح أو ملاحظة، لم نسمع عن الديمقراطية المتعلقة بقمع الطلاب في الجامعات الأمريكية وغيرها بالرغم من أنها كلها كانت تحت سلطة القانون أي متوافقة مع الدستور والقانون، لم نسمع أي شيء عما يطرح الآن في الكونغرس الأمريكي بالنسبة لتوسيع مفهوم السامية، وبالتالي يمنع على أي شخص انتقاد “إسرائيل” كدولة كما يفترضون، أو الحديث عن الهولوكوست أو أي شيء آخر يمس هذه المفاهيم.

 

لم نر الخونة يذهبون كالقطعان إلى الكونغرس لكي يطالبوا بقانون لمحاسبة “إسرائيل”، هم ذهبوا كالقطعان من أجل قانون محاسبة سورية، لا توجد لدينا مشكلة، نحن نقبل أن يكون هناك قانون لمحاسبة سورية في الكونغرس، ولكن أن يعملوا بالتوازي من أجل قانون لمحاسبة “إسرائيل”، طبعاً هذا كله عبارة عن خيال وأحلام، لم نسمع بثيران الثورة الذين سموا خطأ بالثوار، لم نسمع أنهم أطلقوا صاروخاً واحداً من أجل كرامة أهل غزة، لم نسمع أيضا تصريحاً أو تظاهرة مع لافتات دعماً لهم، كل هذا ليس بجديد علينا، معروف لنا ولكم ولكل سوري، ولكن كل ما يحصل يثبت كل ما قلناه منذ الأيام الأولى للحرب على سورية، القضية هي قضية عمالة وخيانة.

 

لكن أهم الدروس التي تقدمها غزة هي الدرسان الفلسطيني واليمني، قدما دروساً للعرب بشكل عام وللسوريين بشكل خاص، لماذا للسوريين بشكل خاص؟ لأن مبادئ الحرب متشابهة، قتل، إرهاب، حصار، تدمير، وغير ذلك من المعاناة التي نراها في هذه الدول الثلاث، لكن كلنا نعرف بأن الوضع في فلسطين لا يقارن بسورية، وأيضا الوضع في اليمن لا يقارن بسورية، أوضاع الفلسطيني واليمني أصعب بكثير من أوضاعنا بكل المعاني والأوجه، مع ذلك فقد قدموا دروساً في العزة والكرامة، في الشهامة والإرادة، وفي حب الوطن، وهذه العناصر لوحدها من دون وجود إمكانيات حقيقية حولت اليمن وغزة، وإذا أردنا أن نقول فلسطين بشكل عام، ليس إلى قوة إقليمية بل إلى قوة عالمية حقيقية فرضت نفسها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، تمكنوا من ذلك لأن فكر العمالة لم ينتشر، ولأن عقيدة الهزيمة لم تزدهر عندهم.

 

لا حاجة لتكرار موقفنا الوطني من الكيان المجرم، موقفنا ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية ولم يهتز للحظة أو ظرف ولا أتحدث عن هذه الحرب، أقول عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948 بكل الظروف التي مرت بها سورية والانقلابات والاستقرارات وغيرها، لا يجرؤ مسؤول في سورية على التنازل تجاه القضية الفلسطينية، ولا نتنازل اليوم، لأن جوهر القضية لم يتغير، ولأن العدو نفسه لم يتغير، والمتغير الوحيد هو الأحداث بشكلها الخارجي، فالمجازر ليست بطارئة على سلوك الكيان الصهيوني سواء ازدادت أو انخفضت، لا يهم، والانحياز الغربي الأعمى للصهيونية من قبل الدول الغربية ليس بجديد، أما التخاذل العربي تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا فهو ليس بمفاجئ، الفارق اليوم أن عناصر القضية تعرت وانكشفت وافتضحت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي من جانب، وبسبب آخر وطبعا هو الأهم الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، هذا الصمود الذي أربك وأنهك الغرب وأذنابه في منطقتنا، وقبل كل هؤلاء الكيان الصهيوني غير القادر على هزيمة مليوني شخص محاصرين منذ عقود مجردين من كل مقومات القوة والحياة ويعيشون في شريط طوله حوالي 40 كيلومتراً وعرضه بضعة كيلومترات، بتحالف غربي صهيوني لم نر له مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية.

 

وطالما أن الوضع لم يتغير والحقوق لم تعد لا للفلسطينيين ولا للسوريين، فلا شيء يبدل موقفنا أو يزيحه مقدار شعرة، وكل ما يمكن لنا أن نقدمه ضمن إمكانياتنا للفلسطينيين أو لأي مقاوم ضد الكيان الصهيوني سنقوم به دون أي تردد، وموقفنا من المقاومة وتموضعنا بالنسبة لها كمفهوم أو كممارسة لن يتبدل، بالعكس هو يزداد رسوخاً، لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة لا قيمة له في هذا العالم، ومن لا يقاوم دفاعاً عن الوطن فلا يستحق وطناً بالأساس، فالخضوع يعطي شعوراً كاذباً بالأمان، وربما بالقوة وأحيانا بالوجود أو بالكينونة، لكن إلى حين، إلى حين ينتهي هذا الدور وتنتهي المهمة المطلوبة، ليتم بعدها الاستغناء عن الأشخاص وعن الدول وعن الأوطان، وعندما يتم الاستغناء عن الأوطان فهذا يعني دمارها وزوالها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار