واحد وثلاثون عاماً على بدء الانتفاضة الأولى مسيرة حافلة بالنضال والتضحيات

ترجمة: الصحفية ميرنا الرشيد

واحد وثلاثون عاماً مرت على انطلاق شرارة أول انتفاضة فلسطينية في وجه الاحتلال الإسرائيلي. صور الفلسطينيين غير المسلحين الذين كانوا يلقون الحجارة على القوات الإسرائيلية المسلحة، والمركبات العسكرية، حظيت باهتمام غير مسبوق من وسائل الإعلام  العالمية. لقد أصبحت هذه الصور والانتفاضة رمزاً للحركات الاحتجاجية حول العالم.

شعلة الانتفاضة الأولى

في الثامن من كانون الأول عام 1987، دهست سيارة إسرائيلية، سيارة تقل أربعة عمال فلسطينيين في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، الأمر الذي  أدى لاستشهاد الفلسطنيين الأربعة. حينها اندلعت احتجاجات عفوية داخل المخيم، سرعان ما امتد تأثيرها إلى بقية مناطق القطاع. بيد أن التوتر كان قد بدأ بالفعل قبل اندلاع الاحتجاجات، نتيجة المناخ السياسي المتردي بالنسبة للفلسطنيين، الذي جاءهم على شكل كيان اسرائيلي، زُرع على أرضهم عام 1948، موزعاً بين معسكري اليمينيين واليساريين. ناهيك عن سيطرة الإسرائيليين على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الفلسطينية، وسلبهم أراضيهم بشكل مستمر.

اتسمت الانتفاضة التي استمرت ست سنوات، بالتعبئة الشعبية، والاحتجاجات الجماهيرية. كما أنها كانت مشبّعة بالعصيان المدني، والإضرابات المنظمة.

عندما فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي حظر تجول طويل الأمد على البلدات والمدن، تولى الفلسطنينون مهمة إدارة الجماعات والمدارس والعيادات من أنفاق حُفرت تحت الأرض. كما أدت مقاطعة المنتجات والشركات الإسرائيلية، إلى ظهور اقتصاد وطني، تغذيه البضائع المحلية، والناتج الزراعي المحلي.

ووفقاً لمنظمة “بتسيلم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان، فإن 1070 فلسطينياً قضوا بفعل آلة القتل العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك 237 طفلاً. كما أزهق المستوطنون اليهود أرواح 54 فلسطينياً آخرين. واعتُقل في الفترة نفسها، ما يزيد عن 175 ألف فلسطيني، ودمر أسلوب العقاب الجماعي الإسرائيلي 2000 منزلاً.

وبموجب أوامر إسحق رابين، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، تلقى قادة الجيش الإسرائيلي الأوامر بكسر عظام المتظاهرين الفلسطينيين. فيما تطورت هذه الممارسات اليوم لتطال ركبتي وأرجل الشبان الفلسطينيين على وجه التحديد لشل حركتهم.

أول حادثة كسر عظامموثقة

في الـ25 من شباط عام 1988، كان وائل جودة البالغ من العمر آنذاك 17 عاماً، عائداً إلى منزله، برفقة ابن عمه أسامة، بعد انتهائهما من رعي الأغنام، حيث لاحظا أن مجموعة من الجنود الإسرائيلية تتعقبهما في طريق عودتهما إلى قرية عراق التايه شرقي نابلس.

حالما أمسك بهما الجنود، انهالوا عليهما بالضرب، مستخدمين الحجارة لكسر عظامهما. هذه الحادثة كانت أول اعتداء موثق يسجل على شريط فيديو، مسلطاً الضوء على سياسة إسرائيل المسماة بـ”كسر العظام”.

يقول وائل: “في بادئ الأمر، خلع أحد الجنود خوذته، وبدأ يضربني بها على رأسي، حتى سقطتُ على الأرض، وتابع ضربه بشكل جنوني ودون رحمة. وبعد ذلك رفعني، وقرّب الخوذة من وجهي، ليريني ما كُتب عليها”. “لقد ولدتُ لأقتل الفلسطينيين” صاح الجندي بأعلى صوته.

في هذه الأثناء، كان أسامة يحاول الفرار، لكن ثلاثة من الجنود، تمكنوا من الإمساك به، وطرحوه أرضاً.

“كانوا يضربوننا بكل ما أوتيوا من قوة. لم تكن غايتهم أن يكسروا عظامنا، ويتسببوا لنا بأذى جسدي وحسب، بل أرادوا إذلالنا، و كسر عزيمتنا”. يكمل وائل حديثه، وهو يسترجع ذكريات محنته الألمية، “لقد كانت حجارة فلسطين رحيمة”، لذلك نجونا”.

ينقل الجنود، وائل وأسامة، إلى مركز احتجاز وادي الفارعة في الضفة الغربية المحتلة. وفي تلك الليلة، يدخل ضابط إلى الزنزانة ويسأل وائل ، “هل أنت الشاب الذي هشم الجندي عظامه؟ العالم بأسره يظنك ميتاً”.

ما لم يكن يعرفه وائل وأسامة، أنه أثناء حادثة الاعتداء، كان هنالك رجل يختبئ في أحد الأبنية التي تبعد عنهما 200 متر، وكان يوثق بآلة التصوير خاصته كل لحظة من عذابهما.

فُوجئ وائل وأسامة بعد أن نُقلا إلى غرفة أخرى في المركز، بحشد من الصحفيين الذين انهالوا عليهم بالأسئلة بخصوص عما حدث. وهكذا أُطلِق سراحهما بعد فترة قصيرة بسبب الضغط الإعلامي.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يُحتجز فيها وائل خلال ست سنوات من عمر الانتفاضة الأولى. فقد اعتُقل خمس مرات خلال فترات متباعدة، أمضاها في السجون الإسرائيلية ومراكز الاحتجاز. كما أنه أصبح رمزاً بارزاً من رموز الانتفاضة. فقد ساهم في تنظيم مظاهرات حاشدة وانتفاضة شعبية، أجبرت الجامعة العربية آنذاك على عقد اجتماع طارئ فيما يتعلق بمصير الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.

يبلغ وائل الآن 48 عاماً، ويعمل موظفاً في وزارة المالية الفلسطينية. تزوج عام 1996، وأنجب أربعة أولاد، اثنان منهما يدرسان في الجامعة. يصر وائل على أن يحكي قصص الانتفاضة لأولاده وأصدقائهم. لكنه عاتب لأنه لم يحظ هو وأسامة بالاحترام الذي يستحقانه. “إن احترام الناس هو الأهم”، يقول وائل، “لكن للأسف لم تُظهر السلطة الفلسطينية أي تقدير حيال ما فعلناه”.

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار