لا يجوز السماح باستمرار سيطرة ثلة من الرهبان الأجانب على الكنائس المحلية يعيثون فيها فسادا وإفسادا دون رقيب او حسيب من الكنيسة نفسها او من الهيئات الوطنية الفلسطينية

حذار من النشوة وترويج الانتصارات الوهميّة.. ! لا يجوز السماح باستمرار سيطرة ثلة من الرهبان الأجانب على الكنائس المحلية يعيثون فيها فسادا وإفسادا دون رقيب او حسيب من الكنيسة نفسها او من الهيئات الوطنية الفلسطينية
بقلم: اليف صباغ 27-02-2018
احتفل الموالون للبطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث، ومعهم جمهور مقدسي كبير، من طوائف مختلفة، ب”انتصار” رؤساء الكنائس على حكومة الاحتلال وبلديتها، بعد ان اعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو عن تشكيل لجنة مهنية

برئاسة الوزير تساحي هنغبي لتسوية قضة ضريبة الارنونا التي تطالبُ بها بلديةُ الاحتلال رؤساءِ الكنائس في القدس، وقد تبلغ وفق تصريحات البلدية اكثر من 600 مليون شاقل. على ان يتم، وفق بيان الحكومة، تجميد جباية الديون حتى انتهاء مفاوضات التسوية، وبناء على طلب رؤساء الكنائس” كما يقول البيان، ستبحث اللجنة التي عينها رئيس الحكومة في موضوع الأراضي التي تبيعها الكنائس في القدس لجهات إسرائيلية.
قام الطاقم الإعلامي المحترف، المستأجَر من قبل البطريركية اليونانية، بترويج الخبر على انه انتصار لرؤساء الكنائس على حكومة الاحتلال وبلدية القدس، وعليه فقد قرروا إعادة فتح كنيسة القيامة في وجه الحجاج الأجانب. هل حقا هو انتصار للكنائس؟ ولماذا قامت وسائل الاعلام الفلسطينية بالذات، والعربية عامة، بالترويج لهذا “الانتصار” او نقله كما وصلها من المكتب الإعلامي المذكور دون التحقق من ماهية القرار الإسرائيلي؟ ولماذا يصف البيان تدخل بنيامين نتانياهو ب” التدخل البنّاء لرئيس الحكومة….”؟

يبدو ان العرب عامة والفلسطينيين خاصة بحاجة لأي انتصار على حكومة الاحتلال حتى لو كان وهميًّا، ويخشى الاعلاميون منهم من توجه محبِطٍ حتى لو كان كاشفا للحقيقة، او ان كثافة العمل الإعلامي الذي يقوم به طاقم البطريركية اليونانية وجد صداه في وسائل الاعلام سريعا دون تحقق، في حين ان الطرف المناهض للبطريركية تأخر او تكاسل في فضح المسرحية خشية من اتهامه بالدفاع عن الاحتلال أو تبني نظرية المؤامرة.

لقد اعتدنا، نحن الفلسطينيون، وأبناء الكنيسة الارثوذكسية بالذات، على مثل هذه “الانتصارات” التي سرعان ما تتكشف حقيقتها المأساوية فتنعكس احباطا واستسلاما، وهذا بالضبط ما يريده رؤساء الكنائس على اختلافهم. يريدون “رعية” عربية لا تخالف ما يقوله الراعي، قطيعا مطيعا، يستهلك ما يقدم له شاكرا دون اعتراض ميصفقا مبتهجا حين يشار اليه، او منافقين ومتسولين على أبواب الرهبان الأجانب.
ليس صدفة ان رؤساء الكنائس يرفضون أي تدخل لأبناء الكنائس العرب في أي مفاوضات بينهم وبين حكومة الاحتلال او بلديتها. وليس صدفة ان رؤساء الكنائس يرفضون توكيل محامين او محاسبين من أبناء الكنيسة العرب للدفاع عن اوقاف الكنائس في وجه المحتل. وليس صدفة انهم يرفضون فتح أي ملفات مالية او عقارية امام مختصين عرب، وبالذات من أبناء الكنيسة نفسها، ويرفضون دعما شعبيا مطلعاً على الحقائق، انما يريدون دعما غوغائيا يقوده منتفعون من فتات الموائد، لا يطلب فتح ملفات او معرفة حقيقة لأن “التطاول على شجرة المعرفة” يشكل خرقا “للستاتيكو”، وسببا “للطرد من الجنة” وفق روايتهم لقصة آدم وحواء.
مثل هذه المسرحيات و”الانتصارات” الوهمية شهدنا مثلها الكثير في الماضي، وسرعان ما تبين ان النتائج الحقيقية مساوية. مثل هذه المسرحية حصلت عام 1990 عندما “احتل” المستوطنون دير مار يوحنا بجانب القيامة، فهب الرهبان اليونان دفاعا عن الدير وعلى رأسهم تيموثاوس، سكرتير البطريركية آنذاك، واكثرهم تورطا بالصفقات، فتوافد أبناء الطائفة الى القدس تضامنا، وارفعت أصوات الخطباء، وأُغلقت كنيسة القيامة لمدة 48 ساعة، وحين هدأت العاصفة تبين ان البطريرك اليوناني آنذاك، ثيودوروس، كان قد وقع على صفقة سرية لتأجير الدير بالحكر، أي لفترة طويلة، لصالح شركة استيطانية مسجلة في بنما، وهي شركة بنت لجمعية عطيرت كوهانيم. أما المسرحية فكانت إجراءً ضروريا حتى يبدو البطريرك اليوناني للرأي العام الوطني، في ظل انتفاضة شعبية عارمة، وحراك ارثوذكسي متفاعل ضد الطغمة اليونانية، انه لا يبيع للمستوطنين بل يقاومهم، وما اشبه اليوم بالأمس؟ مثل هذه المسرحية عِشنا وشاهدنا مسرحيات كثيرة جدًّا، وهي لا تخفي على من لم يفقد بصره وبصيرته.
علينا ان نلاحظ أيضا، أن اغلاق كنيسة القيامة لم يأت بسبب اعلان ترامب ان القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل، ضاربا بعرض الحائط كل الحقوق السيادية الفلسطينية، والقانون الدولي، وما يسمى ب” الستاتيكو” الذي يتمسك به رؤساء الكنائس وخاصة البطريركية اليونانية، ولم يأت بسبب حرق كنائس في طبريا وأماكن أخرى، او بسبب ممارسات الاحتلال القمعية تجاه أبناء الشعب الفلسطيني عامة، ومنع أبناء الكنائس من الفلسطينيين والاردنيين خاصة، من الوصول الى القدس لأداء الصلاة حتى في الاعياد، ومنع، حتى أبناء القدس، من المشاركة في طقوس ظهور النور ليلة الفصح في كنيسة القيامة، بل جاء القرار ، عندما وصلت اليد الإسرائيلية الى جيوبهم وصناديقهم المنتفخة وهي، للحق، صناديق الكنيسة، والكنيسة هي مجموع المؤمنين.
الاعلام والحقيقة المغيبة
لقد نجحت الطواقم الإعلامية، وخاصة تلك التي تعمل لدى البطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث، منذ بداية الحملة، في خداع الراي العام العربي، مدعية ان سلطات الاحتلال تريد فرض الضرائب “على الكنائس” بمعنى “الأماكن المقدسة” في المدينة، وهذا يعني انتهاكا للستاتيكو المتفق عليه منذ الحكم العثماني، وقد ساهم تواطؤ سلطات الاحتلال في ترويج هذا الادعاء بالسكوت وعدم اصدار بيانات تكذيب او توضيح بغير اللغة العبرية، إضافة لذلك دأبت وسائل الاعلام العربية على عدم التواصل مع بلدية الاحتلال لأخذ موقفهم، فساهمت في الحملة بقصد دون قصد، واي جملة إعلامية ضد المحتل الإسرائيلي لا بد ان تلقى تأييدا وترويجا، وهذا هو الطبيعي طالما ان المحتل لم يعترض على ذلك ايضا. والحقيقة التي حاول عدد من النشطاء الوطنيين الأرثوذكس توضيحها منذ اليوم الأول ان بلدية الاحتلال لم تطلب فرض ضريبة الأرنونا على الكنائس بمفهوم أماكن العبادة، بل على الكنائس بمفهوم المؤسسات الدينية، وعلى العقارات التي تعتبرها البلدية عقارات مستخدمة بهدف الربح، وفق تعريفات قانون الارنونا وليس بهدف خدمة الحجاج وسائر المؤمنين. ان موقف النشطاء الأرثوذكس، كما صدر في بيان “حراك الحقيقة”، لم يكن دفاعا عن المحتل الإسرائيلي، بل رافضا له من البداية، ورافضا لكل صفقات تسريب العقارات الكنسية الى جهات صهيونية مسجلة في جزر الكاريبي او أماكن أخرى. وكان التوضيح يهدف الى التحذير من كون اغلاق أبواب الكنيسة جزء من مسرحية يقوم بها رؤساء الكنائس بالتوافق مع المحتل الإسرائيلي، حتى يبدو هؤلاء الرؤساء في أعين القوى الوطنية مدافعين عن الوطن والأرض لا مفرطين وتجارا للأوقاف، ويبدو المناهضين للبطريرك اليوناني متعاونين مع المحتل ومدافعين عنه.
هنا لا بد التوضيح أيضا، ان الرأي القانوني الذي تعتمده البلدية لفرض وجباية الضريبة المذكورة، قد كُتِب في شهر آب من العام 2017 ويمتد على 21 صفحة، يشرح فيه الكاتب القانون الإسرائيلي المسمى “أمر ضريبة الارنونا” بكل بنوده، لكنه لا يشير، ولو بجملة واحدة، الى الاتفاقيات الدولية المعمول بها منذ الفترة العثمانية وحتى اليوم. هذه الاتفاقيات التي تعيد المصادقة على الستاتيكو الذي اقرته السلطات العثمانية آنذاك. ولم تنقضه السلطات السياسية اللاحقة، بما في ذلك السلطة الانتدابية التي اوجدت ضريبة الأرنونا عام 1934 ، مرورا بالسلطة الأردنية وسلطة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 او بعد العام 1967.

الادارة الفاسدة وتراكم الديون
في اعقاب القرار الإسرائيلي بتشكيل لجنة مهنية لتسوية قضية الضرائب المترتبة على الكنائس، باعتبارها مؤسسات معترف بها “شخصيات قانونية”، وليس باعتبارها أماكن عبادة، كما يوضح بيان البلدية اللاحق، وبالذات على عقارات تابعة للكنائس بهدف الربح وليس بهدف إيواء الحجاج او تقديم الخدمات لهم، كما تدعي البلدية، دخلت القضية مرحلة حساسة وخطيرة تستوجب المتابعة والمرافقة، وعدم ترك رؤساء الكنائس يفاوضون المحتل دون رقيب او حسيب، لان قضية الأوقاف المقدسية والضرائب المطلوبة من الكنائس ليست قضية تخص طائفة او رئيس طائفة، بل هي قضية وطنية ولها تداعيات كبيرة على الوجود المسيحي في الأرض المقدسة بشكل عام. ولأن الاجراء الذي يفترض ان تقوم به الكنائس هو التوجه الى القضاء الإسرائيلي او الدولي اعتمادا على الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية وعدم القبول بلجنة حكومية يقيمها المحتل نفسها.
إن تراكم الديون الحاصل على مدى سنوات، بسبب طمع المحتلين من ناحية، واهمال محامي الكنائس الذي عملوا واكتفوا ب”تجميد إجراءات الجباية”، بدلاً من التوجه الى المحاكم لإلغاء المطلب من أساسه، مما أدى الى تراكم الديون والغرامات، يؤكد ان الإدارة الحالية للكنائس هي إدارة فاشلة، ان لم نقل فاسدة، لا يمكنها ان تستمر في إدارة شؤون الكنائس. وهذا ما حذرنا منه منذ سنوات دون ان يصغي الينا أحد. وهل يمكن للفاسد ان يصغي لمن يشير الى فساده؟

لماذا نقول انه انتصار وهمي ونحذر من مخاطره؟
ان مجرد قبول رؤساء الكنائس بقرار رئيس حكومة الاحتلال ورئيس بلدية القدس بإقامة “لجنة مهنية يشارك بها ممثلون من وزارات المالية والداخلية والخارجية والبلدية لوضع خارطة طريق لتسوية قضية الأرنونا على الأملاك الكنسية من غير دور العبادة، والتفاوض مع رؤساء الكنائس على أساس ذلك”، هو بحد ذاته انتصار للحكومة والبلدية وليس لرؤساء الكنائس لانه إجراء حكومي داخلي لكيفية مواجهة الكنائس من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن ما اعتبرته الكنائس طابو وحقا محميا بالاتفاقيات الدولية ، ومشمولا في “الستاتيكو” اصبح موضوعا قابلا للتفاوض بين رؤساء الكنائس وحكومة الاحتلال. إضافة الى ذلك لا بد من التذكير ان رئيس اللجنة “المهنية” هو الوزير تساحي هنغبي، وهو نفسه الوزير الذي ترأس اللجنة الوزارية التي فاوضت ثيوفيلوس وفرضت عليه شروطها مقابل الاعتراف به نهاية العام 2007.
فوق هذا وذاك، ان طلب رؤساء الكنائس، وموافقة رئيس الحكومة، ان تبحث هذه اللجنة مع رؤساء الكنائس قضية العقارات التابعة للكنائس، التي بيعت لجهات إسرائيلية او ستباع في المستقبل، هو امر يثير القلق الى حد كبير، وعليه وجب التحذير من احتمال بيع عقارات جديدة مقابل سداد ديون سيتم الاتفاق على دفعها، عندها سيخرج رؤساء الكنائس “منتصرين”، أيضا، ومدعين بانهم دفعوا اقل بكثير مما طالبت به البلدية ولكنهم كانوا “مضطرين” الى بيع عقارات تابعة للكنيسة لسد الديون. ولو توجه رؤساء الكنائس الى المحكمة بمرافقة محامين ومحاسبين مخلصين، ربما لن يدفعوا شيئا او أقل بكثير مما تأتي به المفاوضات.
اما النتيجة الأخطر لهذه المفاوضات، فتتمثل في خلق اتفاقيات جديدة، بديلة للاتفاقيات الدولية، بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبين رؤساء الكنائس، ويكون بذلك قد انتهى مفعول الستاتيكو المعروف تاريخيا فيما يخص العلاقة بين الكنائس والسلطة السياسية الحاكمة، وهذه الاتفاقيات الجديدة لا بد ان تشمل او تعني اعترافا رسميا من قبل رؤساء الكنائس بالسيادة الإسرائيلية على القدس المحتلة، بما في ذلك الكنائس. وعليه اعتقد ان هذا الهدف كان قد وُضِع على جدول اعمال الحكومة الإسرائيلية بعد إعلان ترامب وهو احد الإجراءات المترتبة على اعلان ترامب لتجسيد السيادة الإسرائيلية على القدس المحتلة، وقد جاءت الفرصة لتحقيقه، وقد يلحق ذلك إجراءات مشابهة فيما يخص مؤسسات الأمم المتحدة.
لا شك أيضا، ان أي اتفاقية جديدة سيكون لها تداعياتها على الأوقاف الإسلامية في القدس، وعلى مجمل العلاقة بين البلديات والمجالس المحلية داخل مناطق ال 48 فيما، يخص أملاك الطوائف التي تعود ببعض المال على الكنائس او الجوامع المحلية لسد تكاليف المحافظة على الأماكن المقدسة، او تقديم بعض الخدمات للطوائف المحلية.
من الخطأ ترك رؤساء الطوائف يفاوضون المحتل دون تدخل أبناء الكنائس ودون رقابة وطنية مهنية مرافقة، لما قد يكون لهذه المفاوضات من تداعيات على الوجود المسيحي عامة، وعلى المستوى المحلي في كل مدينة وقرية. من الخطأ ان تُترك الإدارة المادية في ايدي رجال الدين الفاسدين والفاشلين، او ان تُترك في أيدي محاسبين ومحامين أثبتت التجربة فشلهم وإهمالهم في الدفاع عن مقدرات وحقوق الكنائس. ان الإبقاء على الإدارات الحالية هو تأكيد لاستمرار الفساد ونذير بعودة الازمات الى ما هي عليه الآن في المستقبل. لا يجوز لأبناء الكنيسة المخلصين ان يديروا ظهورهم لما يحدث، ولا يجوز لهم أن يقبلوا بدور القطيع المطيع لمن لا يستحق الثقة والحفاظ على الأمانة المقدسة. لا يجوز السماح باستمرار سيطرة ثلة من الرهبان الأجانب على الكنائس المحلية يعيثون فيها فسادا وإفسادا دون رقيب او حسيب من الكنيسة نفسها او من الهيئات الوطنية الفلسطينية والاردنية. أعيدوا الأمانة الى أصحابها فهم أولى وأقدر على ادارتها.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار