الحرب على غزة..السيناريوهات والتداعيات والإحتمالات..إسرائيل هُزِمت، وتسعى لتحويل الهزيمة إلى نصر

الحرب على غزة..السيناريوهات والتداعيات والإحتمالات..إسرائيل هُزِمت، وتسعى لتحويل الهزيمة إلى نصر
المركز الفلسطيني للدراسات
رام الله: هاني المصري
مضت نتائج وتداعيات عملية طوفان الأقصى، وأصبح واضحًا أن ما بعدها مختلفٌ عما قبلها، أن قواعد اللعبة قد تغيرت، إسرائيل ستتغير، والقيادة الفلسطينية وسلطتها ستتغير، وكذلك حركة حماس لن تبقى على ما هي عليه، وإذا تحوّلت الحرب إلى حرب إقليمية سيتغير الشرق الأوسط برمته. ويتوقف مدى التغير على المدى الذي ستصل إليه الحرب، هل سنشهد حربًا برية، وإذا بدأت إلى متى، وكيف ستنتهي؟

هل تجرؤ قوات الاحتلال الصهيوني على الحرب البرية؟

كانت عملية طوفان الأقصى بمنزلة زلزال أصاب إسرائيل، وستكون له تداعيات وارتدادات كبيرة لسنوات، بل لأجيال قادمة، ولذلك لن ترضى حكومة الطوارئ أو أي حكومة أن توقف حربها وانتقامها قبل أن تحرز نصرًا واضحًا، أو قبل أن يلوح أمامها خطر وهزيمة أكبر، والنصر الواضح لا يقل عن توجيه ضربة قاصمة لحركة حماس وبنيتها العسكرية والتنظيمية والقيادية، وستعمل لسحق الحركة وتصفيتها، وبناء شرق أوسط جديد، كما جاء على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تصريحاته، خصوصًا خطابه بعد إقرار الكنيست قانون الحرب، وإلى أكثر من القضاء على “حماس” وفق تصريح تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي.

قد يقول قائل إن الخسائر الفادحة التي يمكن أن تقدمها “إسرائيل” إذا توغلت بريًا في قطاع غزة، والخشية على حياة الأسرى الذين عددهم أكثر من 200 أسيرًا، ستحول دون إقدامها على الحرب البرية، والرد على ذلك بأن وقف الحرب من دون نصر واضح ومن دون بروز تطورات تحمل مخاطر أكبر سيؤدي إلى خسائر أكبر لإسرائيل؛ لأن الإهانة والهزيمة المخزية وسقوط الردع الإسرائيلي سقوطًا مدويًا من دون جباية ثمن متناسب مع المسبب؛ سيشجع “حماس” وغيرها من الفصائل الفلسطينية، كما سيشجع حزب الله وإيران وسوريا وغيرهم، على توجيه ضربات مماثلة؛ ما يضع مليون علامة سؤال على مستقبل وجود “إسرائيل”. لذا، لن تضع “إسرائيل” الأسرى قيدًا للعملية البرية، فالعدوان يتصاعد يومًا بعد يوم، وهناك أكثر من 25 قتيلًا من الأسرى الإسرائيليين، ولم تكترث إسرائيل لذلك.

إن حجم الخسائر المتوقعة في الحرب البرية يمكن أن يؤجلها بعض الوقت ولكن لا يلغيها، وسيدفع القوات الإسرائيلية إلى المضي في مواصلة سياسة الأرض المحروقة، وتحويل القطاع أو أجزاء منه إلى منطقة غير قابلة للاستخدام البشري، وذلك مع استمرار القصف الوحشي التدميري، والإبادة، والعقوبات الجماعية، والتهجير والتطهير العنصري، والحصار الخانق المحكم لأطول فترة ممكنة؛ للاستفراد بالمقاومة وعزلها عن حاضنتها الشعبية، وكي وعيها، ودفعها إلى التحول ضد المقاومة، ودفع أهل غزة إلى الانتقال من شمال القطاع إلى جنوبه، ومنه إلى سيناء للنجاة بحياتهم، ومن أجل تأمين سبل الحياة من طعام وماء ودواء.

إن الحكومة الإسرائيلية أمام خيارين أحلاهما مر، فهي بحاجة إلى حسم الحرب بسرعة، وهذا غير ممكن. أما الحرب الطويلة تعرضها ليس فقط لخسائر بشرية كبيرة، وإنما لانتهاء الضوء الأخضر الذي منح لها ولا يمكن أن يستمر لفترة طويلة؛ نظرًا إلى الأضرار والتداعيات الاقتصادية والإستراتيجية على الاقتصاد الإسرائيلي المعطل بشكل كبير أثناء الحرب، أو على الاقتصاد العالمي المتضرر كثيرًا، والذي سيتضرر بصورة أكبر في حال تدحرجت الأمور نحو حرب إقليمية.

لن تحدث الحرب البرية في هذه الحالات

الحالة الأولى: إذا استسلمت المقاومة، واستجابت لشروط العدو، وأوقفت المقاومة عبر إيقاف إطلاق الصواريخ، ووقف قيام المجموعات الفدائية بالهجوم على القوات المحتلة على غلاف غزة، وأطلقت سراح الأسرى بلا شروط، كما تطالب بذلك إسرائيل ومعها الغرب الاستعماري وأصوات فلسطينية وعربية ودولية، وهذا مستحيل؛ لأن المقاومة التي سببت الصدمة والترويع للكيان المحتل والذهول والإعجاب بها على امتداد العالم كله بمبادرة طوفان الأقصى، على الرغم من بعض الأخطاء التي وقعت فيها المقاومة بقصد أو من دون قصد فيما يتعلق بالمدنيين والفئوية وغياب الغرفة المشتركة والبرنامج الوطني، لا يمكن أن تلقي السلاح وتستسلم، بل المتوقع أنها تخفي مفاجآت أخرى لقوات الاحتلال إذا أقدمت على الحرب البرية.

الحالة الثانية: إذا استطاعت الضربات الجوية الإسرائيلية أن توقع خسائر كبيرة في قيادات المقاومة السياسية والعسكرية وبنيتها ونظام السيطرة والقيادة، وهنا يمكن أن تؤدي الاغتيالات، سواء داخل غزة أو خارجها، دورًا كبيرًا إذا نجحت في اصطياد رؤوس فلسطينية كبيرة وكثيرة، ومست بقدرة المقاومة على مواصلة العمليات؛ أي إذا هُزمت عسكريًا ولم تستسلم سياسيًا، وهذا مستبعد جدًا.

إن هزيمة المقاومة عسكريًا يمكن أن يدفع القوات المعادية إما إلى وقف الحرب، أو مواصلة حرب الإبادة والعقوبات الجماعية لأطول فترة ممكنة قبل ومع التقدم بريًا.

الحالة الثالثة: إذا فُتحت الجبهة الشمالية مع حزب الله، وهذا سيضع المنطقة والعالم مباشرة أمام اندلاع حرب إقليمية يمكن أن يبدأها حزب الله، وتشارك فيها لاحقًا سوريا والحوثيون وإيران، وهي حرب لا أحد يريدها، فالولايات المتحدة تريد مواصلة التركيز على أولوياتها في المحيطين الهندي والهادئ وعلى الحرب الأوكرانية، أما إيران فلا تريد حربًا ستكلفها غاليًا في ظل الاختلال الفادح في ميزان القوى وآثار الحصار المستمر منذ الثورة الإيرانية. كما أن الأطراف الأخرى مثل الصين والسعودية وغيرهما فلا تريد الحرب، حفاظًا على مصالحها، وحتى لا تؤثر الحرب على مشاريعها المستقبلية، مع ملاحظة أن التنافس الشديد على قيادة العالم، خاصة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الصين والغربي بقيادة الولايات المتحدة، يجعل احتمال الحرب الإقليمية وغير الإقليمية واردًا، وإن ليس مرجحًا.

ولكن يمكن أن تنزلق الحرب الدائرة حاليًا إليها نتيجة تدافع الأحداث وعدم وقف الحرب على الفلسطينيين، ووصولها إلى حد الكارثة الإنسانية الشاملة، أو لحظة انكسار المقاومة الفلسطينية. وهي إذا اندلعت لن تبقي ولا تذر، ونتيجتها غير مضمونة، وكما قال حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، بأن أميركا حينها ستُلحق بها خسائر فادحة كذلك.

وإذا أضفنا إلى فتح الجبهة الشمالية فتح جبهة الضفة والداخل الفلسطيني التي يمكن أن تُفتح إذا تواصلت الحرب وفتحت الجبهة الشمالية، على الرغم من العوائق الكبرى التي حالت حتى الآن دون الدخول الواسع للضفة وأراضي 48، وقد تحول دون فتحها مستقبلًا.

ومثلما أدى أو يمكن أن يؤدي حشد الأساطيل الأميركية والتهديد بالمشاركة الأميركية والبريطانية في الحرب إلى منع فتح جبهات جديدة، فإن فتح الجبهة الشمالية بشكل متدحرج ومدروس قد يوقف الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة.

جبهة الشمال … تسخين، وكرة متدحرجة قد تصل إلى حرب

إنّ فتح الجبهة الشمالية وارد، بدليل أنها تسخن أكثر وأكثر، وسط استعدادات أكثر وأكثر لفتحها، وأكبر دليل أن قادة حزب الله وإيران والحوثيين أطلقوا تصريحات واضحة الدلالة بأنهم سيدخلون الحرب إذا تجاوزت إسرائيل وحماتها خطوطًا معينة، وإذا تواصلت حرب الإبادة والتهجير، وإذا وصلت المقاومة نقطة حرجة، خصوصًا إذا طلبت منهم المقاومة الفلسطينية التدخل.

ويمكن أن يأخذ فتح الجبهة الشمالية شكل الكرة المتدحرجة كما يحصل فعلًا؛ لأن الهدف منها منع استمرار الحرب على غزة وليس توسيعها وفتح جبهات جديدة، ولا شك في أن حزب الله وحلفاءه يدرسون عواقب دخول أميركا الحرب إذا فُتِحت الجبهة الشمالية، وهم أمام اختبار تاريخي حاسم، فإما تنفيذ وحدة الساحات والجبهات، وإما الامتناع عن الحرب خشية من عواقبها على لبنان وإيران وسوريا والمنطقة، وما يعنيه ذلك من هزيمة معنوية وسياسية كبرى لحزب الله وإيران ولخيار المقاومة.

وما يعزز من فتح الجبهة الشمالية أن إقدام إسرائيل على هزيمة المقاومة سيجعل حزب الله الهدف الثاني لشن الحرب عليه؛ لأن استمراره قويًا في ظل امتلاكه ترسانة كبيرة من الأسلحة ونفوذًا كبيرًا في لبنان يهدد بتكرار ما فعلته المقاومة الفلسطينية في غزة، وسيشجع إسرائيل على مواصلة تطبيق مخططاتها لتصفية القضية الفلسطينية، ويسرع من إقامة “إسرائيل الكبرى”، وما يعنيه ذلك من ضم الضفة الغربية المحتلة، وتهويدها، وطرد أكبر عدد ممكن من أهلها وسكانها الأصليين.

وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد كلي لسيناريو إقدام إسرائيل على ضرب إيران، مع أنه ضعيف وغير مرجح، وذلك بالتركيز على ضرب المنشآت النووية، مستغلة الاستنفار الإسرائيلي، والمشاركة الأميركية.

حرب لتصفية القضية، والقضاء على حلم الحرية والعودة والاستقلال

على جميع الفلسطينيين أن يروا أن ما يجري ليس حربًا حمساوية إسرائيلية ولا فلسطينية إسرائيلية، وإنما حرب فلسطينية عربية إسلامية مسيحية إنسانية عالمية لتصفية القضية الفلسطينية، واستكمال القضاء على حلم الحرية والعودة والاستقلال الوطني، أو تكون بداية للشروع في تحقيقه، وكذلك فهي حرب لرسم خريطة المنطقة الجديدة في سياق رسم خريطة العالم الجديد، فمن دون شك النظام العالمي القديم ينهار، ونمر بمرحلة انتقالية، يدور فيها صراع وتنافس شديد على شكل ومضمون العالم الجديد الذي لم يولد بعد.

إسرائيل هُزِمت، وتسعى لتحويل الهزيمة إلى نصر

لا بد من القول إن حكومة (نتنياهو سموتريتش بن غفير) هُزمت هزيمة ساحقة في عملية طوفان الأقصى، لذا تحاول بشراكة أميركية بريطانية كاملة، وبدعم أوروبي وغربي شامل، وعبر تشكيل حكومة الطوارئ، أن تحوّل الهزيمة إلى نصر. فهزيمة إسرائيل من فصيل صغير أظهرها بوصفها طرفًا ضعيفًا، ووضعها خطر، ومستقبلها غير مضمون، وتلجأ من أجل ذلك إلى الغير لمساعدتها، وإلى شن حرب إبادة جماعية، وتدمير شامل، وإحكام الحصار الكامل، وإلى التعامل مع الفلسطينيين كما قال يوآف غالانت، وزير الحرب الإسرائيلي، بوصفهم “حيوانات بشرية”، فضلًا عن شيطنة الفلسطينيين كونهم يحتضون المقاومة، كما برر الرئيس الإسرائيلي استهداف المدنيين؛ ذلك للتغطية على المجازر الواسعة ومسح أحياء سكنية ومقومات الحياة من على الأرض في القطاع أو أجزاء واسعة منه، وتهجير واسع في إطار تطهير عرقي للتخلص من الكتلة البشرية الكبيرة في قطاع غزة، وإسكان أكبر عدد ممكن تهجيره في سيناء تطبيقًا للمشروع القديم المتجدد بحل القضية الفلسطينية على حساب الأرض الفلسطينية والبلدان العربية المحيطة.

السيناريوهات المحتملة

تتراوح السيناريوهات الممكنة والمحتملة ما بين حدوث هزيمة فلسطينية، من أبرز معالمها ضرب المقاومة ضربة قاصمة وحدوث نكبة فلسطينية جديدة من خلال التهجير، أو نصر فلسطيني يتجلى في نهوض فلسطيني شامل، أو تنتهي الحرب من دون نصر أو هزيمة؛ حيث يدعي كل طرف أنه انتصر، وأن الطرف الآخر لم يحقق أهدافه.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار