ثلاثون عاماً على اتفاق أوسلو المشؤوم..أين وصلنا فلسطينياً وعربياً

ثلاثون عاماً على اتفاق أوسلو المشؤوم..أين وصلنا فلسطينياً وعربياً

أبو علي حسن

ثلاثون عاماً هي عمر اتفاق أوسلو المشؤوم, ثلاثون عاماً اختطفت من عمر الشعب الفلسطيني, وثورته المعاصرة, وتم إضافتها إلى عمر الكيان الصهيوني ليثبت دعائمه الاستيطانية في جغرافيا الوطن, ثلاثون عاماً ولا زال صناع أوسلو يعيشون الأوهام والمراهنة على دولة الضفة والقطاع التي دفع مقابلها مسبقاً التخلي عن (87%) من الجغرافيا الفلسطينية التاريخية…

ولا نحتاج إلى كبير عناء للإجابة على سؤال عامة الناس, ماذا حقق أوسلو للشعب الفلسطيني؟ وهل حقق أوسلو بنوده التي صاغها بذكاء ودهاء ساسة الكيان الصهيوني؟ وبجهل كبير من القيادة الفلسطينية الرسمية…

هذا السؤال لا يعكس طبيعة الكارثة, ولا تعكس الإجابة السهلة طبيعة الواقع… إن معطيات الواقع على الأرض توصلنا إلى الإجابة السهلة والعفوية, بإن أوسلو لم يحقق شيئاً للشعب الفلسطيني, بيد أن هذه الإجابة وقبلها السؤال تنتمي إلى الأسئلة السهلة الدارجة, كما لو أنها اسئلة ورقة امتحانات للصفوف الابتدائية…

إن الأسئلة الصعبة هي التي تفتح مجالاً للتفكير بعمق في كشف كنه اتفاق أوسلو استراتيجياً وتاريخياً, أي أن السؤال وتالياً الإجابة ليس (ماذا حقق أوسلو…أو لم يحقق) إنما السؤال الأكثر معنى ودلالة هو ( ما هو اتفاق أوسلو ما بعد النص؟…) والإجابة الأكثر عمقاً ليس أن أوسلو لم يحقق شيء, إنما الإجابة (ماذا أضاف أوسلو من تعقيدات وأعباء على الشعب الفلسطيني؟)…

إن اتفاق أوسلو أعمق وأكبر من كونه اتفاقاً سياسياً, أو حدثاً سياسياً في لحظة سياسية عابرة انتهى مفعولها, فالاتفاق صيغ في ليلٍ بعيداً عن أعين الشعب الفلسطيني, وحين تصاغ الاتفاقات في ظلمات الليالي فإن رائحة المؤامرة تزكم الأنوف, وإذا ما تم التدقيق في النصوص في الاتفاق, فالاتفاق لم يكن مقدراً له أن ينفذ, لا من حيث التفسيرات المتفق عليها, ولا من حيث آليات التنفيذ, لأنه يحمل قدراً هائلاً من التفسيرات والمعاني الملتبسة والموارية, وغياب الوضوح في أكثر بنوده…

من غير الممكن قراءة اتفاق أوسلو أو فهمه دون ربطه بالتفكير الاستراتيجي الصهيوني (تصريح شامير بأنه سيفاوضهم عشرة سنين دون أن يعطيهم شيئاً..) وارتباطاً بالعملية الصراعية التاريخية مع الغزوة الصهيونية ومساراتها المتعددة, وكذلك الحال من السذاجة السياسية أن يُقرأ اتفاق أوسلو بمعزل عن التفكير القيادي الفلسطيني الذي لم يتجاوز دائرة البحث عن سلطة سياسية…

 

سيسيولوجيا الهزيمة…واتفاق أوسلو

إن قراءة اتفاق أوسلو كانعطافة سياسية تاريخية في عملية الصراع الموضوعية مع الغزوة الصهيونية, ارتباطاً بعلم الاجتماع, بالضرورة أن تقودنا إلى أن الاتفاق ما هو إلا الإبن الشرعي لهزيمة القيادة الرسمية سياسياً وفكرياً, تلك القيادة التي استظلت بالثورة الفلسطينية سنوات عنفوانها, لكنها انكسرت لعدم وعيها لتعقيدات مسار الثورات وتعرجاتها, واتفاق أوسلو لم يكن تعبيراً عن إرادة جماعية, إنما هو انحراف وسقوط فردي / نخبوي, ولم يكن هذا الاتفاق ينتمي للتكتيك في علم السياسية, بقدر ما ينتمي إلى المقامرة أو الخبطات السياسية الغير محسوبة استراتيجياً, ولو تم استيعاب الفكرة الصهيونية ومجالها الجيوسياسي والديني, كهدف استراتيجي في المنطقة العربية من قبل النخبة الرسمية التي فاوضت بدون أي غطاء شعبي أو سياسي مسبق من المؤسسة الرسمية, لما آلت الأمور إلى هذا السقوط في هذا النفق الأوسلوي العميق…

وعليه فإن سيسيولوجيا الهزيمة, وبنية القيادة الضعيفة ثورياً كانت مساراً مقرراً في الذهاب إلى أوسلو حيث الإحساس بالهزيمة بدأ مبكراً يغزو العقل السياسي لهذه النخبة القيادية, قبل وبعد النقاط العشر وبرنامج الحل المرحلي, وتالياً الإخفاقات والانكسارات في مسار الثورة و (م.ت.ف)…

تشوهات وتحولات طبقية في بنية الثورة

لقد سبق هذا التحول الدراماتيكي من رفض مطلق للكيان, وانطلاق الثورة المعاصرة في مواجهته, إلى قبول للكيان والاعتراف به بلا مقابل, سبق ذلك تحولات اجتماعية واقتصادية وطبقية على بنية الثورة قيادة وكوادر, الأمر الذي أوجد بيئة مشوهة تفكر في مصالحها وامتيازاتها التي أخذت تنخر جسد الثورة وروحها المقاومة, ومن نافل القول أن الثورة بفصائلها وعلى رأسها حركة فتح, الفصيل المقرِر, قد تلقت من الأموال ما لم تتلقاه ثورة بالعالم في غضون سنوات قليلة من عمرها, وتوازي أكثر من موازنات بعض دول العالم الثالث, وبدل تثميرها في بنية الصمود المادية والمؤسسات مدنياً وعسكرياً, راحت هذه الأموال تعطي مردوداً عكسياً في بنية الفصائل والمنظمة, وعامل فساد وإفساد نخرت الجانب المعنوي والوعي الوطني التحرري لدى الآلاف والأعضاء في صفوف الفصائل, ولم يزل هذا الفساد هو المظهر الأهم في بنية السلطة الفلسطينية كاستمرار للفساد المبكر في جسد الثورة, وهنا يقتضي الأمر ملامسة معنى وخطورة إغداق الأموال على الثورة من قبل دول بعينها, وفي ذات الوقت طرح مبادرات سياسية, مثال (مبادرة فهد المبكرة) لتسوية سياسية مع الاحتلال, مما يؤكد تلك العلاقة والنية بين كرم الأموال وتخريب الوعي الوطني والكفاحي من داخل المنظمة, وتلك هي المقدمات الاقتصادية للانتقال من سيسيولوجيا الثورة إلى سيسيولوجيا الهزيمة, التي وصلت بمساراتها إلى أوسلو وتغييب الرؤية وغياب الإرادة الجماعية…

 

نكوص عربي وتحولات سياسية

من غير المنطقي أن يغيب الجانب الموضوعي في التحضير السياسي والنفسي للوصول إلى اتفاق أوسلو, وقبول ثقافة أوسلو, فاتفاق كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني, قد شكّل بركان سياسي ثقافي أطاح بكل اللاءات والمصدات السياسية التي تحرّم العلاقة مع الاحتلال, كما ضربت المسلمات التاريخية والثقافية في النظرة إلى الكيان ومخاطره على الأمة العربية…

هذا الانقلاب ترك أثره الكبير على طبيعة التفكير السياسي لدى النخبة الرسمية الفلسطينية, التي لم تصمد على مواقفها الأولى الرافضة لكامب ديفيد, وتلك المحطة السياسية التي حركت العقل السياسي الرسمي الفلسطيني, نحو تجريب واختبار التفاوض, وإطلاق بالونات الاختبار من تصريحات كرسائل للكيان وأصدقاءه, كإطلاق كلمة كادوك على الميثاق الوطني, وإدانة (العنف / الإرهاب) وقبول (242) …إلخ…والتواصل السري مع الكيان عبر الوسطاء من دول عديدة, ولعل حرب (1982) التي أخرجت (م.ت.ف) من لبنان قد أضافت عاملاً آخر في تأكيد فرضية التفاوض والتسوية, وأسهمت في جنوح العقل السياسي الفلسطيني نحو منطقية التسوية والتفاوض في مرحلة التراجع للثورة, مما أدى إلى الاستثمار القاتل للانتفاضة الأولى عام (1987) ويلقي ثمارها في مؤتمر مدريد, ومفاوضات القنوات السرية التي تديرها النخبة المستعجلة والمتخوفة من تمثيل جديد من الأرض المحتلة…

وفي هذا السياق أيضاً كانت المنطقة العربية, تشهد تحولات سياسية وأمنية وغيرها أخرجت النظام العربي من المواجهة مع الكيان, ونتج عن ذلك تصدعات في بنية النظام العربي, لا سيما بعد اجتياح الكويت والحرب على العراق عام (1991) تلك كانت بيئة عربية مواتية استظلت بها النخبة الرسمية لزرع فكر التسوية والتخلص من عبء الثورة المغدورة وتهديم بناء الفكر المقاوم…

إرث ومخرجات أوسلو فلسطينياً

• إن قراءة إرث ومخاطر أوسلو ليست في نصوصه فحسب, وإنما في تداعياته الموضوعية والذاتيه فلسطينياً وعربياً, وفي كونه نهجاً سياسياً كان من الأساس يستهدف اختراق الوعي الفلسطيني والعربي, تحضيراً للبيئة التي سوف تحتضن التحولات في السياسة والتطبيع مع الكيان, وبمعنى آخر فإن أوسلو هو مسار ممنهج واستراتيجي في مراحله وليس حدثاً مقطوع عن أهدافه المضمرة أصلاً والمعلنة اليوم, فقد استدار العقل الاسرائيلي لجهة هزيمة الثورة الفلسطينية من استخدام الآلة العسكرية, إلى استخدام فايروس تكسير الوعي الفلسطيني, عبر خلق بيئة مجتمعية فلسطينية يلعب فيها الاقتصاد والتنمية والعلاقات الاقتصادية دوراً محورياً في “تخريب الوعي الوطني” دون أن تستغني عن عنف الآلة الأمنية والعسكرية…ونتاج هذه الاستدارة كان العبث في بنية المجتمع الفلسطيني, وإحداث تحولات طبقية في بيئته, وبلورة طبقة برجوازية أكثر حضوراً أو نفوذاً, قادرة على الدفاع عن نفسها ومصالحها الطبقية أمام فكر المقاومة, حيث تربعت شركات تجارية واحتكارية على الاقتصاد الفلسطيني, وبالتعاون مع الكمبرادور الفاعل في السوق الفلسطيني التجاري, مما خلق علاقات اجتماعية اقتصادية وطبقية جديدة, تحميها السلطة الفلسطينية وتعبر عن تمثيلها طبقياً وسياسياً, تلك كانت تحولات بنيوية رأسمالية طبقية “جيش رأسمالي” في مواجهة فكر المقاومة…

• إن المظهر الأكثر سطوعاً لمخرجات أوسلو بعد ثلاثون عاماً, تمثل في قيام / إنشاء سلطة فلسطينية, لم ترقى إلى مرحلة “حكم ذاتي” على مدى جيل كامل من الشعب الفلسطيني…! ولم تملك من صلاحيات مفهوم السلطة أي شيء, فلا هي سلطة بالمفهوم المتعارف عليه, ولا هي حكم ذاتي يدير شؤون الشعب الفلسطيني بمعزل عن الاحتلال, هذا الواقع يجعلها سلطة مرتهنة وخاضعة لمشيئة الاحتلال, ووكيل له في تنفيذ سياساته الأمنية والاقتصادية والسياسية, لا سيما منع المقاومة وملاحقة المقاومين, حيث عملت وتعمل وفق رؤية ممنهجة بالاتفاق مع الأمريكي والاحتلال على صناعة “الإنسان الفلسطيني الجديد” وفق نظرية وسياسة “دايتون” في حرف الوعي الوطني….

• أما المظهر الآخر من مخرجات أوسلو, تآكل وافتقاد (م.ت.ف) لمكانتها السياسية والوطنية كحركة تحرر, وتحولها إلى إطار شكلي مجاور للسلطة, ويمنحها الشرعية في لحظات الضعف الأكثر استثنائية للسلطة في مجرى الحراك الشعبي الفلسطيني, فلا لجنة تنفيذية حاضرة أو فاعلة, ولا مجلس وطني قائم استلبت صلاحياته من مجلس مركزي غائب, وباتت (م.ت.ف) فارغة من محتواها ووظيفتها الاستراتيجية, واسقطتها السلطة من حساباتها, ولم تعد في الوجدان الشعبي إلا تراث تاريخي في سفر النضال الوطني…

• لقد تحولت السلطة الفلسطينية إلى “عبء استراتيجي” على الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية, فلا هي حرة في خياراتها, ولا هي قادرة على التحرر من أوسلو, أو الانعتاق من قبضة الاحتلال, ووقف التنسيق الأمني, ولا هي في وارد سحب الاعتراف بالكيان, لأن ذلك يعرضها لانتقام الاحتلال من جهة, ومن جهة هي غير قادرة على تحمل زوال الهيمنة والتفرد والاستئثار, وزوال المال والمساعدات الدولية, وزوال العلاقات الدولية, الأمر الذي يجعلها متمسكة بالسلطة, وبدورها لتبقى تهيمن على المسرح الفلسطيني, وهذا ما يشكّل “العبء الاستراتيجي” الذي يعقّد عملية الصراع مع الكيان…

• ولعل تحول حركة فتح التي قادت النضال الوطني الفلسطيني على مدار عقود إلى رديف للسلطة الفلسطينية, مستأنسة بأموالها وامتيازاتها في الأجهزة الأمنية والمؤسسات المدنية, وما سمي برؤساء المحافظات…إلخ…قد أخرجتها من تراثها الكفاحي ومنطلقاتها الوطنية الأولى وهذا يمثل أحد أهداف أوسلو, بضرب بنية فتح الكفاحية, حيث عملت السلطة على تحويلها إلى ميليشيا لحماية السلطة في لحظات تآكل السلطة, هذا الواقع لحركة فتح أدى إلى اشتداد التناقضات والصراعات الداخلية في الجسم الفتحاوي, مما أضعف الحركة من جهة, وأضعف من حضورها الشعبي أمام الرأي العالم الفلسطيني, بيد أن هذا الواقع لا ينفي أن الجسم الفتحاوي يعيش مخاضاً تنظيمياً وسياسياً وكفاحياُ في محاولة للرجوع إلى مكانتها الكفاحية, مما يجعلها تلقى صدوداً من السلطة ورأسها…

• في ظل السلطة الفلسطينية, وتحت بصرها, ومستظلاً باتفاق أوسلو الداعي إلى وقف المقاومة, عمل الكيان الصهيوني على مضاعفة بناء وتوسيع المستوطنات في قلب الضفة الغربية وعلى تهويد القدس وبناء المستوطنات حولها, واستطاع أن يبني أكثر من (515) مستعمرة وبؤرة استيطانية, في حين أن المستوطنات لم تكن قد بلغت ما قبل أوسلو (140) مستوطنة وبؤرة, وذات الشيء زاد عدد المستوطنين عن (250 الف) مستوطن ما قبل أوسلو, إلى ما يعادل (800 ألف) مستوطن , وجاري العمل على توطين مليون مستوطن, فضلاً عن مصادرة آلاف الدونمات في أنحاء الضفة بحجج مختلفة, واليوم تتعزز سياسة الاستيطان لدى الكيان عبر رؤية الصهيونية الدينية والقيادة الأكثر تطرفاً وعنصرية, باعتبار أن الضفة هي يهودا والسامرة, وهذا يستوجب ضم الضفة شيئاً فشيئاً, وابتداء بـ (منطقة ج) التي لا تخضع للسلطة الفلسطينية, بما في ذلك غور أريحا…

العرب يقتدون بأوسلو

حين عجزت الأنظمة العربية عن الدفاع وحماية فلسطين عام (1948) وهزمت ما سمي بالجيوش السبعة, أمام العصابات الصهيونية, وبعد أن عقدت “اتفاقات رودس) بالاعتراف بخط الهدنة الدائمة, ومن ثم إلحاق ما تبقى من فلسطين بهذه الأنظمة, حيث ألحقت الضفة الغربية بالأردن وغزة بمصر, ولم يرقى وعي هذه الأنظمة إلى إنشاء دولة فلسطينية على ما تبقى من فلسطين, لجأت هذه الأنظمة العربية والطابور الخامس المهزوم لتبرير هزيمتها وعجزها في إطلاق الضلالة الكبرى بأن ” الشعب الفلسطيني باع أرضه…!” وتلقفها أيضاً الإعلام الصهيوني لتبرير استيلاءه على الأرض, وظلت هذه الضلالة تلاحق الفلسطيني, إلى أن جاءت ثورتهم المعاصرة التي حطمت هذه الأضاليل, وبينت أكثر عجز هذه الأنظمة التي اعترفت بهزيمتها وأضاعت الضفة والقطاع والجولان وسيناء…

ومع عقد ا تفاق أوسلو, جاء الصوت الرجعي والمهزوم مجدداً يبرر عجزه وفشله بالقول بأن “الفلسطينيون تخلوا طوعاً عن حقهم, ونحن لسنا ملكيين أكثر من الملك” هذه الاستدارة في الموقف الفلسطيني قد حرر هذه الأنظمة من عبء القضية الفلسطينية, وأوجد لها مبرراً في الاعتراف بالكيان والتطبيع معه على حساب الحق الفلسطيني, فكانت وادي عربة التجلي الأسرع والأوضح في الاستجابة لخيار أوسلو الفلسطيني, لكنه خيار عربي أيضاً, الأمر الذي يعني أن أوسلو لم تكن ارتدادية فلسطينياً, إنما ارتدادية عربياً وإقليمياً ودولياً لغير صالح الحق الفلسطيني الكامل…

 

 

 

مسؤولية الفصائل والتشكيلات الوطنية, والشعب الفلسطيني عن هذا الانهيار

ما الذي يجعل تلك النخبة القيادية المهزومة أن تنفرد في الإقدام على الاعتراف بالكيان, وتعقد اتفاقاً تاريخياً معه, ويسقط فيه حق الشعب الفلسطيني في أرضه التاريخية, دون أن تجد المصدّات الفصائلية أو الشعبية…

واستنساباً هل كانت الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت عباءة (م.ت.ف) جزءاً من القرار الوطني, وتالياً هذه الفصائل هل كانت قادرة على وقف الانحدار التاريخي, وهل كانت لديها القدرة على تشكيل البديل الثوري الجذري في مواجهة التفرد الفتحاوي…؟؟

لعله من الصواب والشجاعة الحزبية والأدبية التي يجب أن يتحلى بها أي مناضل عاصر تلك العقود من عمر الثورة الفلسطينية, الاعتراف بأن الوحدة الوطنية داخل (م.ت.ف) وخارجها لم تكن موجودة يوماً إلا شكلاً, أو إلحاقاً في إطار (م.ت.ف) فالنفوذ الفتحاوي بدعائمه المالية والإقليمية والإعلامية, كان طاغياً ومسيطراً بالمطلق داخل (م.ت.ف) وداخل اللجنة التنفيذية التي بأغلبيتها فتحاوية ومناصرين لها من فصائل مستأنسة ومصنوعة على مقاسات فتح السياسية والتنظيمية, وبالتالي فإن كل مؤسسات منظمة التحرير خاضعة ومسيطر عليها من قبل قيادة فتح, أما الفصائل فقد كانت تخوض معاركها مع القيادة الرسمية عبر البيانات والتصريحات دون أن تقتحم ميدان العراك داخل المؤسسة, وعليه فإن (ل.ت) لم تكن إلا صدى لموقف أبو عمار وفتح المرعية إقليمياً ودولياً…

يمكن القول أن الوحدة الوطنية لم تتجلى في أي مؤسسة من مؤسسات (م.ت.ف) ولم تكن حاضرة في صنع القرار السياسي الوطني, فإعطاء الشرعية لقيادة فتح من قبل الفصائل, قد سمح لليمين الفلسطيني أن يقرر السياسة الفلسطينية منفرداً, دون منازع, متسلحاً بالتحالفات العربية والانحدار العربي…

وإذا كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تمثل الصوت الأكثر ارتفاعاً, والأكثر اشتباكاً داخل اللجنة التنفيذية, فإنها في الواقع كانت تلقى الصدود من القوى والأفراد المستأنسين بحركة فتح, وتشهد على ذلك العديد من جولات الخلافات الحادة والاشتباك السياسي إلى حد الخروج من اللجنة التنفيذية للمنظمة أكثر من مرة احتجاجاً على المواقف السياسية الهابطة والفردية التي تدار فيها السياسة الفلسطينية, ولطالما حاولت الجبهة الشعبية أن تشكل تحالفاً وليس بديلاَ للضغط على سياسة اليمين من نمط “جبهة الرفض” و “جبهة الصمود والتصدي” إلا أن الاستقطابات والخلافات ما تلبث أن تفشل التجربة, حيث كانت بعض الفصائل تركض وراء ترسيم حضورها في المشهد عبر عضويتها باللجنة التنفيذية بأي ثمن, وبعضها صناعة فتحاوية, وبعضها مشتراه ومستأنسة, ويسار فقد البوصلة مبكراً…

وقد أطلقت الشعبية كثير من المواقف والعبارات القاسية اتجاه القيادة الرسمية, تعبيراً عن موقفها الرافض بالمطلق لسياسات اليمين المتدرجة في الهبوط, وكانت تلقى استحساناً من الفصائل خارج المؤسسة, لكنها لا تقبلها من داخل المؤسسة…!

تلك بعض من كوارث أوسلو الراهنة على مدى ثلاثة عقود كان المستفيد الوحيد منها هو الكيان الاسرائيلي وعليه من غير الممكن حصر كوارث أوسلو الراهنة والاستراتيجية دون التصدي للتجربة وتبعاتها, الأمر الذي يستوجب مراجعة تاريخية لآثار وتبعات أوسلو التي يمكن أن تستمر مفاعيلها لعقود أخرى بدون التصدي لها.

 

18/9/2023

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار