جيل الشباب الفلسطيني الثائر ، هل من دورٍ للقوى السياسية..؟الحراك الشبابي يتخطى القيادات والسياسة التقليدية

جيل الشباب الفلسطيني الثائر ، هل من دورٍ للقوى السياسية..؟الحراك الشبابي يتخطى القيادات والسياسة التقليدية

متابعات-نضال الشعب
ثمة عملية تاريخية قيد التشكل خارج نطاق مقاربات الإصلاح والترميم لما يعرف بالنظام السياسي الفلسطيني، الذي أنتجه فكر سياسي يقترب من اختتام مسار انتحاره منذ كفّ عن أن يكون فكرًا لحركة تحرر وطني باعترافه بشرعية وجود النظام الاستعماري الاستيطاني العنصري في سياق مرحلة اتفاق أوسلو، والتي جعلت منظومات عمله أسيرة للعلاقة الاستعمارية. بينما تشكل الموجة الانتفاضية الحالية خروجا من، وعلى، هذه العلاقة الاستعمارية وتشكل امتدادا لأشكال من التعبير والعمل السياسي والكفاحي تتطور منذ فترة خارج منظومة العمل السياسي والتنظيمي التي كرسها الفكر السياسي التقليدي في مرحلة أفوله منذ سبعينيات القرن الماضي.

ومع ذلك، لا بد من الإقرار بثنائية “التعايش” القائم حاليا بين العمل السياسي التقليدي للمنظمة والسلطة والفصائل، وأشكال العمل السياسي الجديدة، التي يتصدرها الشباب. فهي نابعة من الطابع الانتقالي للمرحلة الراهنة، لاسيما من حيث استمرار الدور السياسي للحركة الوطنية التقليدية، رغم إنسداد الأفق أمام دورها التاريخي، أي قدرتها على تجسيد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. لكن هذا الإقرار ينبغي، في الوقت ذاته، أن يحفز التفكير الاستراتيجي الفلسطيني على الاشتباك مع تداعيات الانهيار في الفكر والممارسة من جهة، ومتطلبات إعادة البناء من جهة أخرى، بما هي عملية تهدف إلى إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني والحامل الوطني القادر على تحقيق أهدافه.

فقد شهدت السنوات الماضية تطور مسار جديد لا يؤمن بإعادة بناء الحركة الوطنية كمدخل لبناء وتطوير برامج العمل، بل يرى على عكس ذلك أن استقطاب أوسع الفئات من الفاعلين ضمن منظومات من برامج العمل التشاركية هو المدخل لإعادة بناء الحركة الوطنية، من خلال التركيز على شق مسار جديد يبني على ما يجمع الفلسطينيين في الوطن والشتات، أي الحقوق التاريخية والطبيعية للشعب الفلسطيني. وجاءت نماذج حركة المقاطعة العالمية وحركة حق العودة ولجان المقاومة الشعبية للجدار والاستيطان ومخططات التطهير العرقي في الداخل الفلسطيني المحتل والضفة الغربية والحراكات الشبابية وغيرها، تعبيرا عن أشكال العمل الجديدة خارج المنظومة التقليدية للعمل السياسي السلطوي والحزبي.

في سياق كهذا، تعد الموجة الانتفاضية وليدا جديدا لأشكال من العمل الشعبي والشبابي أخفقت المنظومة التقليدية للعمل السياسي الرسمي والحزبي في قراءة دلالاتها وصيرورتها وتأثيراتها، وبخاصة في لحظة تفاقم الانقسام والصراع الداخلي على مواقع القوة والنفوذ. وبعيدا عن بكائيات الخشية من عدم توفر مقومات تنظيمها وتصاعدها واستدامتها، يمكن القول إنها قد تتكسر أو تشتد، لكنها موجة أعلى ضمن سلسلة من الموجات سوف تتوالى في مسار تصاعدي حتى تتحول عند لحظة ما إلى ما يشبه “تسونامي”؛ أي إلى حدث مؤسس في الوعي الجمعي لمكانة القضية الفلسطينية بصفتها قضية تحرر وطني، وللحاجة إلى إعادة بناء الوعي بالشرط الاستعماري من جهة، وكذلك إعادة بناء الهياكل والأطر الوطنية والمؤسساتية القادرة على شق مسار كفاحي جديد من جهة أخرى.

إن الموجة الانتفاضية الحالية تعني أن هناك جيلًا يلتقط زمام المبادرة في إعادة صياغة علاقة الشعب مع الاحتلال، باعتبارها علاقة صراع وليس “تفاهم”. وهو يقوم بذلك عن طريق كسر احتكار السياسة، دون إذن من أحد، بل وبالتمرد على أشكال العمل الرسمي والفصائلي في نطاق المعازل التي تديرها سلطة بدأ الاحتلال منذ العام 2000 خصوصاً في إعادة تحديد العلاقة معها، لتحويلها إلى مجرد وكيل إداري واقتصادي وأمني تحت سقف منظومة السيطرة الاستعمارية.

غير أن كسر احتكار الحركة الوطنية التقليدية للسياسة، لا يعني انتهاء الدور السياسي للفصائل، رغم حالة الانقسام الداخلي وافتقارها للشرعية المستمدة من الإرادة الشعبية. فهي لا تزال الإطار المنظم لممارسة السياسة، رغم تراجعها، ولديها جمهورها وتتصدر أشكال المقاومة المسلحة، وبخاصة في قطاع غزة، ولها تأثيرها المهيمن على المنظمة والسلطة والاتحادات والنقابات، وبخاصة الحركة الطلابية.

وقد تكون الإرهاصات الحالية في نشوء أشكال وأطر وقيادة جديدة للعمل السياسي والكفاحي شبيهة بفترة نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات عندما شق جيل شاب، بالاستفادة من الظروف والعوامل العربية والدولية المواتية حينذاك، مسارًا جديدًا في الصراع، مكّنَه خلال فترة غير طويلة من إزاحة قيادة ما قبل وبعد النكبة عن مواقع القيادة، وطوَّرَ أشكالَ عمله، وصولًا إلى تنظيمها في كيانات سياسية وتشكيلات مسلحة استمدت شرعيتها من الشعب الذي دان لها بالولاء كقيادة جديدة دون انتخاب.

ومع ذلك، يتوجب الإقرار بأن ظروف ومقومات مثل هذه العملية غير متوفرة بعد، ولا يزال هناك متسع لدور تلعبه مكونات الحركة الوطنية التقليدية. إلا أنه لن يكون ممكنًا إعادة الاعتبار للسياسة عبر شكل ممارستها المنظم والجماهيري من خلال العمل التنظيمي، إلا بتغيير في الأهداف وأساليب العمل والقواعد التي تحكم السياسة ذاتها، للالتقاء عند نقطة ما مع أشكال العمل السياسي والكفاحي الآخذة في التبلور والاتساع خارج المنظومات التقليدية للعمل المؤسساتي والحزبي، باتجاه إعادة صياغة العلاقة مع النظام الاستعماري.

يتطلب ذلك العمل وفق مبدأ التشاركية مع جيل الشباب في قيادة وتنظيم وتحديد أهداف وشعارات الموجة الانتفاضية، بعيدا عن محاولات الاحتكار أو الاحتواء. وربما سوف يسهم ذلك في ارتقاء أشكال العمل المنظمة للفصائل إلى مستوى المبادرة الكفاحية التي يلتقط زمامها جيل الشباب، بما يخدم تطوير الهبة الشعبية الحالية إلى مستوى انتفاضة شاملة قادرة على شق مسار كفاحي جديد، قائم على تبني إطار الصراع التحرري.

خليل شاهين:

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار