دور قطاع غزة في مسيرة النضال الفلسطيني ومآلاته

دور قطاع غزة في مسيرة النضال الفلسطيني ومآلاته

غزة في نهجها النضالي الحالي تلعب دورًا رئيسًا ومهمًّا في عموم النضال الفلسطيني؛ وأن قدراتها العسكرية تمثل تحديًا كبيرًا للاحتلال الصهيوني.

“سيف القدس” بدلالاتها تربط نضال غزة بالساحات الفلسطينية الأخرى ردًّا على إجراءات إسرائيلية نوعية (رويترز).
مثَّلت هبَّة القدس التي تفجرت في مايو/أيار 2021 ردًّا على قرارات إسرائيل بطرد عوائل فلسطينية من بعض أحياء القدس الشرقية واحتجاجًا على سياساتها تجاه المسجد الأقصى، حدثًا نادرًا واستثنائيًّا في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني. فمنذ العام 1967 لم يحدث أن توحد الفلسطينيون في القدس، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وفلسطين الداخل، وبعض مناطق الشتات في ممارسة هذه الحالة النضالية انتصارًا لقضية بعينها. بادرت حركة حماس خلال هذه الهبَّة بإطلاق الصواريخ على القدس ومدن إسرائيلية، في إطار ما أسمته “معركة سيف القدس”؛ معلنة عزمها فرض معادلة جديدة تربط غزة بالقدس وتشرّعِ استخدام كل أدوات النضال المتاحة لديها ضد ممارسات الاحتلال في المدينة المقدسة. وقد أسفرت العمليات الهجومية لجيش الاحتلال في أعقاب ذلك عن مقتل وجرح المئات من الفلسطينيين وتدمير عشرات المنازل والأبراج والمرافق العامة.

وبعد حوالي تسعة أشهر على “هبَّة القدس”، عادت إسرائيل إلى نفس الممارسات التي رأت حماس أنها تستوجب ردودًا أثناء الهبَّة؛ حيث تواصل تطبيق سياستها التهويدية في المدينة التي تشمل طرد المقدسيين من بيوتهم؛ وتغيير الواقع الديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين اليهود، ومحاولة تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى؛ فضلًا عن مواصلة حسم مصير الضفة الغربية عبر تطوير المشروع الاستيطاني وتوسيع دائرة القمع ضد الفلسطينيين هناك، التي تمثلت مؤخرًا في العودة إلى استئناف عمليات الاغتيال في قلب المدن الفلسطينية(1)؛ إلى جانب مواصلة تشديد الحصار على غزة ووضع شروط “تعجيزية” لإعادة إعمارها.

يفرض هذا الواقع طرح سؤالين رئيسيين: هل يمكن لغزة أن تربط مجددًا بين اتجاهات فعلها النضالي وممارسات سلطات الاحتلال في ساحات فلسطينية أخرى كما فعلت حماس في “هَبَّة القدس”؟ وكيف تؤثر بيئة الفعل النضالي في غزة واتجاهاته على فاعليته ومكانته ضمن النضال الفلسطيني؟

من أجل الإجابة على هذين السؤالين، فإن هذه الورقة ستحلِّل خمسة مستويات متداخلة من المحددات التي توجه الفاعلين المؤثرين في النضال الفلسطيني في غزة وتختبر انعكاسات سلوكهم على جدوى وعوائد هذا النضال:

أولًا: الرؤى والاعتبارات المختلفة التي توجه أداء الفعل النضالي لحركة حماس، بوصفها الفاعل الرئيس في قطاع غزة، المسؤول عن أداء معظم مناشط النضال وتتحمل جُلَّ تبعاته.

ثانيًا: سلوك القوى التي تشارك حماس الفعل النضالي في القطاع، ومواقف السلطة الفلسطينية تجاهه واتجاهات الرأي العام الفلسطيني إزاءه.

ثالثًا: سياسات ومواقف إسرائيل التي تؤثر على فعل غزة النضالي.

رابعًا: اتجاهات تدخل القوى الإقليمية والدولية وتداعياتها المختلفة.

خامسًا: جدوى ومستقبل النضال الفلسطيني في غزة وانعكاساته على القضية الفلسطينية.

نضال غزة والفاعلين المحليين

إن تسليط الأضواء مجددًا على ممارسات الاحتلال في القدس، وتحديدًا طرد المقدسيين من منازلهم، يضع حركة حماس، كفاعل نضال رئيس في قطاع غزة أمام أزمة خيارات حقيقية؛ ويجعلها بين مطرقة التزاماتها الأيديولوجية والوطنية وسندان اعتباراتها الجغرافية كجهة حكم؛ رغم أن قيادتها السياسية جدَّدت التزامها بـ”معادلة غزة/القدس”(5). فردُّ حماس على ممارسات الاحتلال في القدس سيُقابل بردود عسكرية إسرائيلية تفاقم الأوضاع الاقتصادية سوءًا في القطاع وهو ما سيترتب عليه مزيد من التدهور على واقع أهالي غزة الإنساني. وفي المقابل، فإن حماس من خلال ردِّها على ممارسات الاحتلال في القدس، في مايو/أيار الماضي (2021) -وهي جزء من التزاماتها الأيديولوجية- رفعت سقف توقعات الفلسطينيين في كل مناطق وجودهم؛ وبالتالي سيكون من الصعب عليها تجاهل هذه الممارسات مجددًا وعدم الرد عليها؛ سيما في حال نفذت إسرائيل كل قرارات محاكم الاحتلال المتعلقة بطرد العوائل المقدسية من منازلها أو دمرت قرية “الخان الأحمر” في محيط المدينة، وغيرها من ممارسات.

ومن أجل بناء توقعات مستقبلية بشأن ترجيح حماس الالتزامات الأيديولوجية على الاعتبارات الوطنية الجغرافية أو العكس؛ فإن تقديم مقاربة موضوعية إزاء مواقف وواقع سلوك وتوجهات الفاعلين المحليين الآخرين كجهات مؤثرة على خيارات حماس يمكن أن يساعد على استجلاء الصورة؛ سيما الرأي العام المحلي، وسياسات السلطة الفلسطينية، واتجاهات سلوك شركاء حماس في الفعل النضالي داخل غزة.

الرأي العام المحلي: يمكن الافتراض أن الرأي العام الداخلي يعد أحد الفاعلين المحليين الذين تأخذهم حركة حماس بالحسبان عندما تحدد اتجاهات فعلها النضالي؛ على اعتبار أن الحركة معنية بتحسين مكانتها على الصعيد الوطني على حساب السلطة الفلسطينية وحركة “فتح”؛ مع العلم بأن الجمهور الفلسطيني أبدى دعمًا كبيرًا لتطبيق “معادلة غزة/القدس”. فقد أيَّد 68% من الفلسطينيين استئناف الحركة إطلاق الصواريخ على إسرائيل ردًّا على أي قرار إسرائيلي بطرد المقدسيين من بيوتهم؛ مع العلم بأن 77% رأوا أن حماس قد انتصرت في حرب مايو/أيار 2021 و65% يعتقدون أن الحركة حققت أهدافها من الحرب في حين أن 72% منهم يرون أن دافع الحركة لإطلاق الصواريخ كان الدفاع عن القدس والأقصى(6). في الوقت ذاته، رفع أداء حماس في الحرب من سقف توقعات الجماهير؛ لدرجة أن “الاستغاثة” بقائد جناحها العسكري، محمد الضيف، باتت أحد الشعارات الرائجة في المظاهرات التي تنظم ضد سلوك الاحتلال في القدس والضفة الغربية(7). ومن الواضح أن موقف الجمهور الفلسطيني سيكون ضمن العوامل التي قد تحفز حماس على تكريس الربط بين فعلها النضالي وسياسات الاحتلال في الساحات الفلسطينية الأخرى؛ من منطلق أن ذلك يحسِّن من مكانة الحركة على الصعيد الوطني في ظل تراجع مكانة السلطة وحركة “فتح”.

سياسات السلطة الفلسطينية: هناك تأثيرات متضاربة لسياسات السلطة الفلسطينية على اتجاهات وفاعلية الفعل النضالي انطلاقًا من قطاع غزة. فتدهور مكانة السلطة الفلسطينية الجماهيرية في ظل مواصلة إسرائيل التهويد والاستيطان وفشل اتفاقية أوسلو في تحقيق أية اختراقات على صعيد استعادة الفلسطينيين حقوقهم الوطنية؛ يمكن أن يعزز من فرص توجه حماس للتشبث بربط عملها النضالي المسلح بسلوك الاحتلال في الساحات الأخرى؛ سيما في القدس؛ في إطار سعيها لتحسين مكانتها السياسية(8). وفي المقابل، فإن إسهام السلطة الفلسطينية في تهدئة ساحة الضفة الغربية وتجفيف بيئة النضال الوطني -النضال المسلح وبعض أشكال “المقاومة الشعبية”- عبر التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال يقلِّص من حجم التحديات الأمنية على إسرائيل ويحسِّن من قدرتها للتفرغ لمواجهة الفعل النضالي في قطاع غزة في ظروف أفضل. في الوقت ذاته، فإن اعتراف الإقليم والمجتمع الدولي بالسلطة الفلسطينية كصاحبة الولاية القانونية في غزة وأنها الطرف الوحيد المسؤول عن إعادة الإعمار في القطاع، قلَّص من فرص ترميم آثار الحروب، على اعتبار أن السلطة التي ترى في حماس خصمًا لها، غير معنية بتحسين الأوضاع الاقتصادية هناك تحت حكم الحركة؛ وهذا ما يفاقم كلفة الفعل النضالي في غزة.
مقتطفات من دراسة : صالح النعامي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار