هل تصح مقارنة قضية فلسطين بجنوب إفريقيا ونيلسون مانديلا…؟

هل تصح مقارنة قضية فلسطين بجنوب إفريقيا ونيلسون مانديلا…؟
إبراهيم علوش
منذ البداية، كان عنوان الصراع على فلسطين هو هوية الأرض، وهل هي عربية أم يهودية، كما كان يقول الراحل بهجت أبو غربية سنديانة فلسطين، وطروحات “الدولة الواحدة” لا تكتفي بتعويم هوية الأرض وتاريخها “إنسانياً”، بل تجعل من ذلك مقدمةً لطرح “حل سياسي للصراع” على نمط نموذج جنوب إفريقيا!

منبع التهافت هنا أننا كشعب تعرض للاحتلال الإحلالي والتهجير القسري والسعي لمحو الهوية ومصادرة ذاكرة المكان غير معنيين بطرح أي “حل سياسي” من أي نوع، لا من نوع “الدولة الواحدة” ولا من نوع “الدولتين لشعبين”، ولا من نوع “الكونفدرالية الثلاثية الفلسطينية-الأردنية-الإسرائيلية”، ولا من أي نوع آخر، ففي ذلك تصاغرٌ وذِلةٌ ومهانةٌ ووضاعةٌ وامتهان ما بعده امتهان، لأن طرح الحلول السياسية أو اقتراحها على المحتل الغاصب المتغطرس المتعالي المدعوم من الإمبريالية العالمية ليس مهمتنا، بل مهمتنا البحث عن كل وسيلة ممكنة لتكبيد المحتل أعظم الخسائر لرفع كلفة الاحتلال إلى حدٍ لا يطاق، تماماً كما يفعل اليوم شباب السكين والحجر والعمليات الاستشهادية وصواريخ المقاومة، وصولاً إلى اللحظة التي تبلور فيها الأمة مشروع التحرير الكامل الذي سيأتي لا محالة كما أتى مراراً من قبلُ على يد نبوخذنصر وخالد بن الوليد وغيرهم، وبالحد الأدنى، إن لم يأتِ التحرير فستكن مقاومة.

فليذهب مثال جنوب أفريقيا إلى الجحيم! لأن جنوب أفريقيا تساقطت أهميتها الجغرافية-السياسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، وتخلى الغرب عن نظامها، وقَبِل فيها نلسون ماندلا والمؤتمر الوطني الإفريقي صفقةً تاريخيةً تحافظ على بنية النظام، من دون تغييره حقاً، مع إدماج نخبة إفريقية فيه، ضمن سياق معولم في لحظة صعود القطب الواحد. فهل تزول العنصرية في الولايات المتحدة مثلاً لمجرد إدماج رئيس وبضع مسؤولين سمر البشرة في بعض المناصب العليا؟!

وبغض النظر عن كل هذا، فإن جنوب إفريقيا ليست مثالاً يحتذى، لأن شعب تلك البلاد تحت الاحتلال الهولندي والبريطاني لم يكن أكثر من نصفه من اللاجئين المهجرين قسراً خارج جنوب إفريقيا، كما هي الحال في فلسطين، ولأن مسألة هوية الأرض في نقطة طرفية من العالم مثل جنوب إفريقيا لا تحمل الثقل الجغرافي-السياسي نفسه الذي تحمله بالنسبة للأمة العربية عندما فكر بالمرستون، وزير خارجية بريطانيا إبان صعود محمد علي باشا في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ثم رئيس وزرائها، بأن تأسيس دولة يه.و دية في فلسطين يشكل حاجزاً جغرافياً-سياسياً منيعاً في وجه مشروع الوحدة العربية بين الجناح الآسيوي والإفريقي للأمة العربية. ولذلك كان عنوان الصراع في جنوب إفريقيا إزالة “العنصرية”، ويظل في فلسطين هوية الأرض.

بجميع الأحوال، دخل نلسون مانديلا والمؤتمر الوطني الإفريقي صفقةً غيرَ مبدئية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية مع الاحتلال الاستيطاني غير الإحلالي في جنوب إفريقيا، خصوصاً أن أهمية الموقع الجغرافي-السياسي لجنوب إفريقيا بدأت بالتراجع بعد فتح قناة السويس كطريق للتجارة الدولية ولمستعمرات بريطانيا العظمى في الشرق، وليس هذا نموذجاً يحتذى لحركات التحرر في العالم، بل هو نموذجٌ رث لصفقات التفاهم مع المحتل من موقعِ ضعفٍ وتخلٍ عن المبدأ.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار