سيرة مغايرة لحركة «فتح»: مسار قتل الثورة الفلسطينيّة

رأي أسعد أبو خليل السبت 31 آب 2019
الأخبار اللبنانية-بيروت: يُكابر من ينفي حجم الكارثة الفلسطينيّة في القرن الواحد والعشرين. ليس هناك مِن مسار تصاعدي في حياة الثورة الفلسطينيّة. على العكس، فقد نجح فريق أوسلو المتنفّذ في تدجين وإلهاء وقمع وتكبيل الشعب الفلسطيني لمنعه من الثورة ضد الاحتلال، وضد الأنظمة التي تقمع الشعب الفلسطيني (كما يجري في لبنان حاليّاً). لم يمرّ في تاريخ القضيّة الفلسطينيّة منذ الثلاثينيّات حقبة انعدم فيه عمل — جدّي أو طفولي — لتحرير فلسطين ومجابهة الصهيونيّة كما الحال اليوم. ليس هناك اليوم من منظمّة تسعى، كما سعت منظّمات في الماضي، لتحرير فلسطين، أو حتى بالحدّ الأدنى لإقلاق راحة إسرائيل. حركة «فتح» حوّلتها أوسلو، أو هي حوّلت نفسها من خلال أوسلو، إلى أداة طيّعة بيد الاحتلال، وهي قبلت تسلّم السلطة من إسرائيل بعد اغتيال قائدها، الذي لم تسعَ إلى التحقيق في قتله، لأن البعض في سلطة أوسلو متورّطٌ حتماً في الاغتيال وفي لفلفة القضيّة. ومأساة الشهيد باسل الأعرج وحديثه عن «المثقّف المُشتبك» هو نتيجة يأسه من إمكانيّة قيام عمل تنظيمي جماعي ضد الاحتلال (وكان ذلك واضحاً لكلّ من تواصلَ معه).

المعضلة الرئيسة في الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة أن هناك حاجةً لردم مرحلة ماضية من العمل السياسي الفلسطيني والقطع معها بالكامل، وإنشاء عمل تنظيمي سياسي – عسكري جديد ضد الاحتلال الإسرائيلي. المعضلة تكمن في أنه لا يمكن التقدّم نحو الثانية من دون المرور بالأولى، لكن عمليّة ردم المرحلة الماضية تتطلّب مواجهة جريئة مع الماضي ومكاشفة صريحة عن الدور التدميري الذي لعبه ياسر عرفات في القضاء على الثورة الفلسطينيّة، وفي توليد مرحلة محمود عبّاس. هذه المكاشفة غائبة وهناك حالة عبادة لشخصيّة ياسر عرفات وتعظيم لها. كيف يمكن تصوير ياسر عرفات على أنه شبيه بقيادات حركات التحرّر الوطني وهو قاد شعبه من رهانات سياسيّة خاسرة إلى رهانات سياسيّة خاسرة، ومن عمل عسكري فاشل إلى آخر؟ كيف يمكن تعظيم من سلّمَ مفاتيح منظمّة التحرير وسمح لإدارة بيل كلينتون بتعديل مواد ميثاق منظمّة التحرير الفلسطيني؟ هنا تصل المناقشات إلى طريق مسدود لأن هناك من يعارض عبّاس لكن لا يعارض المرحلة التي أتت به. الكتاب الجديد (صدر للتوّ عن دار الفارابي تحت عنوان: «ستون عاماً من الخداع: حركة «فتح» من مشروع الزعيم إلى مشروع التصفية») للصحافي الفلسطيني، محمد دلبح، يقوم بهذا الدور المهم.
دلبح، صحافي فلسطيني عمل في الصحافة العربيّة ويعرف السياسة في العاصمة الأميركيّة (حيث يقيم) خير معرفة. وفي هذا الكتاب، يسدي دلبح خدمة وطنيّة لشعبه، وللعرب جميعاً، في دراسة التاريخ الطويل لصعود وسقوط تجربة حركة «فتح»، وشخصيّة عرفات بكل ملابساتها. وشخصيّة عرفات، الذي فشل في تحقيق كل الشعارات التي انطلق في العمل الوطني على أساسها، باتت أسطورة من المحرّمات المساس بها. لكن دلبح، أهمل كل المحاظير السياسيّة الفلسطينيّة في تناول شخصيّة ودور عرفات من دون تزييف أو خداع. ولم تخضع الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، في مرحلتها العرفاتيّة، إلى مسائلة أو دراسة مستفيضة عميقة وشاملة من قبل. كتبَ يزيد صايغ دراسة قيّمة لتجربة الكفاح الفلسطيني المسلّح (في كتاب «الكفاح المسلّح والبحث عن الدولة»)، لكن دراسته انطلقت من تأييد المشروع السياسي لحركة «فتح»، ومن دون الربط بين فشل تجربة «فتح» في الكفاح المسلّح وبين الأفق السياسي الذي طغى على مسار منظمّة التحرير.
دلبح لا يساوم أو يهادن في منطلقاته: هو يعرّي تجربة السعي وراء سراب السلام على مدى عقود طويلة، ويفضح نمط الخداع الذي وسم تجربة حركة «فتح»، وقيادة عرفات تحديداً. ليس هناك ما يُبهر دلبح في تجربة، «فتح»، وهو مُحقّ في ذلك. لكنه منصف في سرديّته إذ أنه لا يبرّئ المنظمّات الفلسطينيّة الأخرى من الغرق في وحل أوهام حلّ الدولتيْن ومن الاستفادة من مال عرفات مقابل الصمت عن تجاوزاته وفساد قيادته ومساوماته الكثيرة. ويعود دلبح إلى البدايات ليكتشف أن حركة «فتح» بادرت إلى الكذب والتضليل منذ نشوئها. ويقارن دلبح بين مختلف السير لقادة «فتح» ليجد أنه ليس هناك من اتفاق بين قادة «فتح» ومؤسّسيها على موعد تاريخ إنشاء الحركة. عرفات يريد الإنشاء مبكرّاً للتدليل على دوره، فيما يريد أبو أياد أن يؤخّر ولادة الحركة بضع سنوات كي يضع نفسه بين المؤسّسين، وعرفات يغيّر في رواية التأسيس لـ«أبو جهاد»، كي يعود عرفات إلى موقع الصدارة (لم تذكر وثيقة «البدايات» الأصليّة لـ«أبو جهاد» اسم ياسر عرفات، فقام الأخير بمنعها، ص. ٦٨).

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار