بعد ربع قرن على أوسلو ..قف وفكّر!التلاعب بالوعي..السلام مقابل الطعام .. الحل الإقليمي..اتفاق أوسلو عربي! مروان عبد العال

«سأرقد هنا للأبد
أغني لك كل شيء امتنعت عن قوله
بينما كنا على قيد الحياة»
– نيل هيلبورن –
الأخبار اللبنانية: استند اتفاق أوسلو عام 1993 إلى عملية مركبة ومسبقة، سبقها توفير مستلزمات بناء الأفق النظري للتسوية، وفهم المنطق الداخلي للتجربة، عبر قوانين الاجتماع المتحكمة والمحددات الداخلية والمؤثرات الخارجية التي أسهمت في تمهيد الأرض أمامها، واعتمدت الوسائل والفرضيات الممكنة. بما يلزم من استخدام القوة الصلبة كأداة عنفية أطلق عليها «كي الوعي» التي لم تكن كافية لقتل روح التمرد على الاحتلال. «كي الوعي» هي الاسم الحركي للحروب والاجتياحات والاغتيالات التي شنها الاحتلال في زمن أوسلو وفي ذات المناطق المظللة بالاتفاقات وبرعاية وضمانة «دولية» كما هو الاعتقاد والاجتهاد. اجتياح الضفة وغزة وقصف مقرات واغتيالات واعتقالات والعدوان يستمر، والاحتلال يزداد فجاجةً وتغولاً، فمكوناته جاثمة تأكل الأخضر واليابس، والقوة دائماً على جدول الأعمال. لكن «كي الوعي» جعل من كل ممارسة عدوانية جديدة تستولد حالة من التحدي والمقاومة، فلكل فعل ردة فعل، فكانت تستولد حالة جديدة بأساليب وفئات جديدة في المقاومة.

التلاعب بالوعي… السلام مقابل الطعام

لم تكن استراتيجية «كي الوعي» المستندة إلى القوة الصلبة وحدها تمارس لتحقيق الترجمة الصهيونية لأوسلو. لم يفل فائض التطرف الصهيوني من عضد المقاومة، فارتفاع وتيرة العنف الهمجي يعني تأجيج شعلة الكفاح، كمثل من يداوي النار بالنار، قد أصاب جسدها ولكنه ظل عاجزاً عن قتل روحها وثقافتها. ولعل مسيرات العودة في غزة والهبّات الشعبية في الخليل والقدس وحيفا وتنامي حملات المقاطعة والمناداة بعزل الكيان في العالم بعد ربع قرن على أوسلو، هي خير نموذج على ذلك. إذاً إلى جانب استراتيجية «كي الوعي»، لا بد من تفعيل استراتيجية «التلاعب بالوعي» التي تُستخدم فيها وسائل القوة الناعمة لتحقيق الاختراق والسيطرة واحتلال العقل وصولاً إلى قتل ثقافة المقاومة. أين نجح وأين فشل؟ ومهما بلغت الخطب والمقالات والدراسات السياسية من محاولات تفسير سياقات أوسلو والمآلات التي وصلت إليها، ظلت تدور في فلك تبرئة الذات عند معارضيه أو الشعور بالندم عند أصحابه أو باستمرار الذهنية الانتصارية بطريقة وهمية أحياناً. رغم أن الترويج له بدأ من موقف عبثي سواءً باعتبار اتفاقات أوسلو الانتقالية تجسد المشروع الوطني الفلسطيني وخطوة على طريق الدولة الفلسطينية! لكن كل ذلك بعدما تبخرت الأوهام، لم يسبر غور ديناميات «الحرب الذكية» التي خيضت للوصول إلى النتائج الكارثية التي نحن بصددها والتي تشكل «صفقة القرن» خواتيمها غير السعيدة.

(1970 ـ نقلاً عن «أرشيف ملصق فلسطين»)

لا ينفع الندم واللطم والوهم ولا الشتائم يمكنها أن تحل «العُقَد السياسية»! إن وجد له في النفس هوى، ولكن لن يجد في الواقع صدى. ما يفيد هو إجراء كشف حساب، وعدم معاندة واجب التقويم النقدي كمهمة وطنية للمصالحة مع الذات، ومقاربة التحولات العميقة التي أحدثها هذا المجرى بعد عقدين ونصف من الزمن، خاصة أثره في الوعي الوطني، ليس لتسجيل سبق صحافي يعلن موته، أو هل نجح بمنطق العدو أو فشل بمنطقنا؟ أما وأنه قد نجح في الوصول إلى هذه النتيجة؟! وقد قونن الأرض والإنسان معاً في قيد الاحتلال! ثم هل انتهى الاحتلال؟ أم أن أوسلو قد انتصر في تحقيق الكوميديا السوداء حيث أعاد قلب المعادلة بعد ربع قرن من «الأرض مقابل السلام» زمن التيه في عبث المفاوضات، فترافقت مقولة «كي الوعي» مع معادلة «الأمن مقابل السلام» ومقولة «التلاعب بالوعي» محكومة بمعادلة «السلام مقابل الطعام»! تبدو اليوم بجلاء أكثر من أي وقت في عملية مقايضة بين دعم الأونروا والتخلي عن العودة! ومقايضة الإنساني بثمن سياسي، والمساعدات الأميركية مشروطة بالتنازل عن الاستقلال الوطني والاستجابة للقيود الأمنية والاقتصادية التي نصّت عليها اتفاقات أوسلو، ووصلت الوقاحة إلى حد رهن التاريخ ورمزية الأسرى والشهداء ومعنى «البطولة» إلى صناديق البنوك الدولية.
تحديات الفكر السياسي في القراءة المتأنية لوضعٍ مُركب دقيقٍ وصاخب. محاولة لاكتشاف كمية التشويه التي أحدثها هذا الانكسار التاريخي في البنية السياسية والمجتمعية والقيمية. وكيف استخدم أدوات القوة الناعمة لتحقيق السيطرة، بالمنهج الذي حلله الباحث الروسي سيرجي قره – مورزا في كتاب «التلاعب بالوعي». إذ استطاع المرء بما يملكه من قدرات فكرية ولغوية، أن يعرف الوعي وأساليب التلاعب به، ويبيّن ديناميات التدمير الذاتية كوسائل حديثة للهيمنة والتأثير الروحي للناس وبرمجة سلوكهم، بل تغيير دوافعهم وأهدافهم والتحكم بالميل التاريخي للأحداث، والسيطرة على الحافز الروحي بالاتجاه الذي تريده السلطات النافذة.

اتفاق أوسلو … فشل أم نجح؟
لا ينفع الجدل البيزنطي وروما تحترق، عن معايير الفشل والنجاح، وإن كان قد مات أو ما زال على قيد الحياة؟ وهل كان ممراً إجبارياً أم خياراً طوعياً؟ هل هو بداية الهزيمة أم نتاج لها؟ هل أنهى الصراع أم أعاده إلى بدايته؟ آلة القياس الحقيقية للنصر والهزيمة، تتعلق بهزيمة الوعي وليس بالهزيمة العسكرية، وحصيلتها يكون نصراً أو هزيمة السياسية، وثمة بلدان تتحرر من الاستعمار ولكنها ترزح تحت وطأة ثقافته إلى زمن وقرون. لذا نقد الذهنية التي تستمر حتى لو سقطت الوثائق، الفكرة كانت صائبة أو خاطئة ليس بالسهولة هزيمتها، وكذلك قد يتحول أوسلو كوثيقة ونصوص إلى خرقة بالية وباهتة بانتهاء مدته القانونية والانتقالية، ولكن ثقافة أوسلو لا تزال حية، وإن ماتت تفاهمات أوسلو المنتهية الصلاحية لكن مفاهيم أوسلو لا زالت حيّة ترزق وسارية المفعول. لطالما كان منطق الاحتلال هو تكريس نفسه بشتى الطرق، فكيف إن كان قائماً على نفي؟! مستقوياً بخيباتنا ونواقصنا ونقاط ضعفنا وميزان القوى هو نتاج لما فعلته أيدينا من أخطاء ومنها خرافة تعتبر أن أوسلو نهج وطني لتحرير الأرض من احتلال إحلالي!

الحل الإقليمي… اتفاق أوسلو عربي!
ندرك خطورة أهداف المشروع الصهيوني التوسعي للنيل من المنطقة بأسرها، حتى لو كان محتجزاً خلف السور الواقي وفي «دولة الغيتو»، عملاً بوصية شيمون بيريز (الحدود الآمنة ليست بديلاً من العمق الآمن) وذلك من خلال اختراق العقول وتعريب فكرة الكيان الصهيوني من واقع الحل الإقليمي، الذي هو الاسم الآخر لاتفاق أوسلو عربي، يدمج دولاً عربية تحالفات إقليمية تكون «اسرائيل» دولة مركزية في محيط إقليمي وتخلق لها أدوات محلية «للعمل الأسود» تمنحها حق الحكم داخل غيتوات منفصلة. وما «غيتو غزة» إلا تجديد لأوسلو المنتهية مدته بأسلوب أكثر ابتكاراً، حيث يعيد المشروع الإمبريالي تجديد ذاته أيضاً بمزيدٍ من الاحتلال مستنفراً احتياطه الرجعي وباندفاعاته التطبيعية السياسية والثقافية والاقتصادية والسياحية والفنية في سبيل تحسين صورة الجلاد، وأنسنة القاتل وممارسة القتل المتسلسل للإنسان والأرض والروح وتشويه صورة الضحية وشيطنتها وتمزيق وحدتها وتماسكها وغايتها الجامعة باعتبارها الخصم «العدو» الذي يستحق الإبادة السياسية.

لا يتوفر نص بديل تلقائي.
قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار