«القوانين العثمانيّة» تخنق الفلسطينيّين والانقسام يُعزّزها:عز الدين أبو عيشة
تخيّل أنّك تعيش في العام 2016 وتحكُمُك قوانين تعود إلى الحقبة العثمانية. ليس الحال غريباً عن فلسطين الّتي تنظّم عمليّات البيع والشّراء فيها وكذلك الزواج والطّلاق والميراث مجلّة ترجع جذورها إلى فترة الحكم العثماني للأراضي المحتلّة.
ألفٌ و200 بندٍ عثماني داخل مجلّة الأحكام العدلية (القانون المدني) تدير حياة الفلسطينيين. من علاقات النّاس إلى البيع والشّراء وقانون الأحوال الشخصية الذي يختصّ بعلاقة الزواج والطلاق والميراث، والذي يُطبّق فقط في قطاع غزة، وقوانين أخرى تتعلق بتنظيم الأراضي.
يوضح المحامي أحمد بدير أنّ «الأحكام العدلية كانت تنظّم المعاملات قبل 150 عامًا، لكن اليوم يختلف النّظام كليًا، فهناك التجارة الإلكترونية والبيع السريع، وهذا ما لا تشمله هذه المجلة»، مؤكّداً ضرورة «أن تتطوّر بما يناسب المجتمع».
يستغرب بدير «عدم التطوير التّشريعي لهذه المجلة أو سنّ قوانين فلسطينية جديدة تتناسب مع المجتمع»، مؤكّداً أنّ «قانون العمل والعقود، والعلاقة بين المواطنين مع بعضهم، والإيجار ملفات تحتاج لمسوّغات جديدة».
يتحدّث بدير عن القوانين «الّتي عفا عليها الزّمن»، مشيراً إلى «أسباب التّفريق بين الزوجين الّتي تختلف بحسب مجريات العصر، وكذلك قيمة المهر الّتي حدّدها العثمانيون بالدّراهم من الفضة».
الجذور «العثّمانيّة» لأحكام المجلّة ترجع إلى فترة خضوع فلسطين إلى الحكم العثماني لمدّة خمسة قرونٍ انتهت بالانتداب البريطاني للأراضي الفلسطينيّة عام 1917، لتنتقل بعدها فلسطين إلى فترة الاحتلال الإسرائيلي، ثمّ الإدارة المصرية لقطاع غزة وضمّ الضفة الغربية للأردن، وأخيرًا السّلطة الوطنية الفلسطينية التي منحها «اتّفاق أوسلو» في العام 1993 حقّ تشكيل «المجلس التشريعي الفلسطيني».
ظنّ الفلسطينيّون أنّه مع تشكيل المجلس التّشريعي الذي يقوم بمهام البرلمان من سنّ للقوانين والرّقابة على السّلطة التّنفيذية، ستصبح القوانين العثمانيّة من الماضي. إلا أنّ الحال بقي على ما هو عليه.
في شهر آب من العام 2008، أصدر المجلس التّشريعي في غزّة القانون المدني الفلسطيني، الذي احتفظ بهذه المجلة القانونية العثمانيّة من دون تطوير أو تعديل.
في الضفة، الأمور مختلفة بعض الشّيء. فهي لم تعمل بقانون الأحوال الشّخصيّة، نتيجةً للانقسام الّذي أدى إلى توقيف المجلس التّشريعي، واقتصار إصدار القوانين على الرّئيس الفلسطيني محمود عبّاس بمرسومٍ رئاسي.
يشرح بدير أنّ «قانون الأحوال الشّخصيّة (ضمن القانون المدني) يُطبّق فقط في غزة»، لافتاً إلى أنّ «الضفة الغربية تُطبّق قانون الأحوال الأردني»، وموضحاً أنّ «من الفروقات بينهما طرق الادّعاء وأنواع القضايا، الأمر الّذي يستدعي إيجاد قانون فلسطيني موحّد».
يتابع عميد كلية الحقوق في «جامعة غزة» أحمد حسنية ما بدأه بدير عن رجعيّة القوانين العثمانيّة، إذ يؤكّد أنّ «معظم القوانين تحتاج إلى تغييرٍ، منها قانون جريمة السّرقة»، موضحاً أنّ هذا القانون «خلال العهد العثماني كان يقتصر على مفهوم ضيّق، خلافاً لليوم، حيث اتّسع هذا المفهوم ليشمل السّرقة الالكترونية والمواد غير الملموسة أو الخدمات».
ومن القوانين القديمة غير النّافعة كذلك ما يتعلّق بالإيجار وبنوده الّتي لا تراعي تغيير الظروف وطبيعة المكان والزمان، ومسوّغات حقوق المستأجِر والمؤجِّر، إذ كانت الحقوق خلال العهد العثماني تراعي فقط المستأجر.
إضافةً إلى «المسؤوليّة الجنائيّة للأطبّاء في قانون العقوبات»، والّذي لا يتماشى إطلاقاً مع التّطوّر الهائل الّذي شهده ويشهده الحقل يوماً بعد يوم، إلى جانب القوانين الّتي تتعلّق بجمع الأموال وغيرها.
يطالب حسنيّة بتعديل القانون «بما يُناسب المجتمع الفلسطيني وإعادة صياغته بشكلٍ يتناسب مع الزمن الذي نعيش فيه»، داعياً إلى «تجاوز الخلافات الموجودة منذ الانقسام، وتوحيد المنظومة القانونية بين شقّي الوطن».
يؤكّد عميد الكّليّة أنّ «الأخطاء الكبيرة الموجودة تقع على عاتق المنظومة القانونيّة، خصوصاً في حال استمرار الوضع على ما هو عليه»، موضحاً أنّ «وجود قانونين أدّى إلى ازدواجيّة في الأحكام».
ويُثني حسنية على الكادر القانوني الفلسطيني، معتبراً أنّه «قادرٌ على صناعة قانونٍ خاصّ ومستقلّ»، وداعياً إلى «توفير الإمكانيّات للقانونيين وإتاحة الظروف المناسبة للعمل، عن طريق تفعيل المجلس التشريعي».
ويعتبر نائب مدير «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان» حمدي شكورة، بدوره، أنّه «كان يجب على المجلس التشريعي منذ تأسيسه أن يقوم بإعادة النّظر بالموروث القانوني»، مضيفاً: «ننظر باهتمام إلى تغيير القوانين العثمانية».
كما يستنكر «تشرذم الجهد القانوني، وإصدار قوانين في الضفة الغربية وأخرى في غزة»، مبيّنًا أنّ ذلك غير دستوري، وهو ما يعرقل السّلطة التّشريعية عن ممارسة عملها بحرّية وإنهاء الانقسام القانوني».
أمّا السّبب وراء استمرار العمل بالقوانين العثمانيّة وعدم تعديلها وتطويرها، فيُجمع كلٌّ من حسنية وبدير وشكورة على أنّ السبب هو في المجلس التّشريعي المعطّل، والّذي لم ينعقد منذ الانقسام بين حركتي «فتح» و«حماس».