رحيل القيادي الوطني البارز الفلسطيني د. تيسير عاروري
رحيل القيادي الوطني البارز الفلسطيني د. تيسير عاروري
رام الله – خاص: رحل صباح اليوم الأربعاء، المناضل الوطني الكبير والشيوعي البارز د.تيسير عاروري في مصت دون ضجيج..
مصادر خاصة في عائلة الراحل الكبير، قالت أنه غادر الحياة بعد وعكة صحية..
وكان المناضل الكبيرد. تيسير العاروري تعرض للاعتقال لأول مرة عام 1973،وعندما اعتقل للمرة الثالثة عام 1988 تعرض للأبعاد خارج الوطن. اعتبرته منظمة العفو الدولية خلال فترة اعتقاله “سجين ضمير” . وكان الاستاذ تيسير كتب عن تجربة الاعتقال هذه في كتاب ” جامعة بيرزيت : قصة مؤسسة وطنية”، ونحن في دورنا في ملتقى خريجي جامعة بيرزيت، نعمل على تعميم التجارب القيمة والاستفادة منها وإفادة الأخرين، لذا أعدنا نشرها هنا.
الاعتقال الإداري والإبعاد: محنة أحد أعضاء الهيئة التدريسية
اعتقلت لأول مرة بتاريخ 22.4.1974 وذلك ضمن حملة اعتقالات واسعة قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية ضد ” الجبهة الوطنية الفلسطينية” التي كانت قد تشكلت في صيف 1973 من بعض القوى الوطنية الرئيسية وبعض الشخصيات المستقلة.
أبلغتني إدارة السجن (سجن رام الله) بأنني معتقل إدارياً لمدة 3 أشهر. تم في نهايتها تجديد الاعتقال لستة أشهر أخرى وتكرر هذا ست مرات. أي أن مدة الاعتقال بلغت 45 شهراً. أعلنت منظمة العفو الدولية (أمنستي) عني ” سجين ضمير”. كما اتسعت حملات التضامن والاستنكار لاعتقالي محلياً ودولياً. كما تدخل العديد من كبار علماء الفيزياء والرياضيات. أوروبيين وأمريكيين وبعض الإسرائيليين. لم توجه لي رسمياً أية تهمة طيلة فترة الاعتقال الذي استند إلى ما يسمى بقوانين الطوارئ والاعتقال الاحترازي.
ولعل أطرف ما في الأمر أنني، وبعد قرابة 3 سنوات من الاعتقال، استطعت أن أتلقى من خلال مدير السجن جواباً على سؤال كنت أوجهه لهم باستمرار وهو : ما سبب اعتقالي؟ من حقي أن أعرف. وقد جاء الجواب: إن ” رجال الأمن (المخابرات) بفكروا إنك بتفكر تعمل شيء ضد إسرائيل، عشان هيك حبسوك حتى ما تعمل إشي”.
إن من أسوأ ما رافق معظم فترة الاعتقال هذه هو الازدحام الشديد وبمقاييس يصعب تصورها لمن لم يعشها. فمثلاً، بلغ عدد السجناء في الغرفة حيث كنت ( الغرفة رقم 1 في سجن رام الله) 63 سجيناً في حين أن مساحة الغرفة هي 30 متراً مربعاً ( 6x 5) فقط. وقد استمر هذا عدة أسابيع.
خلال فترة الاعتقال هذه، قرأت أكثر قليلاً من 200 كتاب. واستفدت وتعلمت الكثير أيضا من خلال تجربة حياة السجن نفسها.
اعتقلت للمرة الثانية لفترة قصيرة (18 يوماً) في 14 آذار/ مارس 1982 ضمن حملة اعتقالات درجت قوات الاحتلال على القيام بها كل عام في مثل هذا التوقيت ( أواسط شهر آذار) كإجراء احترازي في ذكرى يوم الأرض ( 30 آذار) حيث دأبت القوى الوطنية على تنظيم فعاليات واسعة في هذه المناسبة.
وجاء الاعتقال الثالث إبان الانتفاضة الأولى، حيث اعتقلت بتاريخ 8/8/1988، وفي 17/8/ 1988. صدر قرار إبعادي عن الوطن، أنا وستة عشر مناضلاً فلسطينياً آخر. كانت تلك الوجبة الثالثة من الإبعادات خلال الانتفاضة. وكانت التهمة التي قرأها عليّ ضابط اسرائيلي هي: “لقد قرر قائد المنطقة الوسطى لجيش الدفاع الاسرائيلي، بحكم الصلاحيات المخولة له إبعادك عن البلاد، و ذلك بسبب دورك في التخطيط وقيادة اللجان الشعبية.” التوقيع: الجنرال عمرام متسناع.
من الجدير بالذكر، ومن سخرية القدر، أن الجنرال متسناع أصبح بعد عدّة سنوات رئيساً لبلدية حيفا ومن ثم من قادة معسكر السلام الاسرائيلي.
خضت بعد ذلك مع أربعة من الزملاء معركة ضد قرار الإبعاد لمدة أكثر من سنة، قررنا خلالها وبالتعاون مع لجنة المحامين التي تولت الدفاع عنا أن نستنفد كل الطرق والأساليب المتاحة، لفضح سياسة الإبعاد وتبيان مدى وحشيتها ولا قانونيتها. وقد نجحنا فعلاً في وقف سياسة الإبعاد لمدة سنتين على الأقل، وإن كنا قد أبعدنا في الأيام الأخيرة من شهر آب/ أغسطس 1989. وقد تمكنت من العودة إلى أرض الوطن في نيسان/ابريل 1994، بموجب قرار إلغاء قرارات الإبعاد بحق مبعدي الإنتفاضة، وعددنا 32 مبعداً.
و قد اعتبرتني منظمة العفو الدولية خلال فترة وجودي في السجن، وللمرة الثانية سجين ضمير، أي أنني الفلسطيني الوحيد الذي اعتبر سجين ضمير مرتين.
وفي هذه المرة أيضاً قامت حملات تضامن واستنكار لاعتقالي أوسع بكثير من المرة السابقة، حيث شارك بها مثقفون وعلماء ونقابيون وسياسيون ومنظمات حقوقية ومهنية من العديد من دول العالم، لعل أهمها الرسالة المفتوحة التي نشرت في النيويورك تايمز وفي الجيروساليم بوست على صفحة كاملة موجهة إلى وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك (إسحق رابين) تطالبه بإلغاء قرار إبعاد تيسير عاروري خارج وطنه. و قد وقّعها قرابة 1400 من علماء الفيزياء والرياضيات ومن بينهم 12 من الحاصلين على جائزة نوبل. قد تكون هذه الوثيقة الوحيدة في العالم التي تحمل هذا العدد من تواقيع فيزيائيين ورياضيين