ذكرى رحيل المفتى الحاج محمد أمين طاهر مصطفى الحسيني(1895م – 1974م)

0

ذكرى رحيل المفتى الحاج محمد أمين طاهر مصطفى الحسيني(1895م – 1974م)

يعتبر الحاج/ محمد أمين طاهر بن مصطفى الحسيني أشهر من تولي منصب الافتاء في فلسطين، وكان رئيساً للمجلس الأعلى الاسلامي ورئيساً للعلماء، ورئيس اللجنة العربية العليا، وأحد أبرز الشخصيات الفلسطينية في القرن العشرين، وقد لعب دوراً هاماً في الصراع العربي – الإسرائيلي ومن رواد الحركة الوطنية الفلسطينية
ولد محمد أمين الحسيني في مدينة القدس عام 1895م، ونشأ في عائلة الحسيني العريقة، في أسرة كريمة من أعرق البيوت في القدس، تربي في بيت والده الشيخ/ طاهر بن مصطفى الحسيني مفتى القدس الذي عرف بالعلم الواسع والتقوى والصلاح، مهتماً بتعليم أبنائه حيث عين لهم مدرساً خاصاً ليعلمهم العلوم الدينية في المنزل، وكان يحرص على أن يلتحق أولاده بأشهر المدارس والمعاهد العلمية في عهده.

كانت عائلته ميسورة، وكان عدد أفرادها ثلاثة عشر شخصاً، تولوا مناصب إدارية وسياسية في القدس.

تلقي تعليمه الأولى في (الكتاب) ثم في إحدى مدارس القدس، كما التحق بكلية (الفرير) بالقدس لتعلم اللغة الفرنسية، وكان قد أستطاع حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره.

لم يقتصر على التعليم النظري للطفل/ محمد أمين الحسيني، بل تعلم إلى جانب ذلك الفروسية، حيث أصبح فارساً وهو في الثانية عشر من عمره.

أدى/ محمد أمين الحسيني فريضة الحج مرافقاً لوالدته عام 1913م، وهو في سن الثامنة عشر من عمره فاطلق عليه لقب (الحاج) الذي لازمه طوال حياته.

بعد انتهاء دراسته في كلية (الفرير) سافر إلى مصر ليكمل تعليمه في الأزهر الشريف، وتلقى المزيد من العلوم الدينية حيث كانت العائلة الحسينية تعده ليكون مفتياً بعد أخيه الشيخ/ كامل.

خلال دراسته الأزهرية كان الحاج/ محمد أمين الحسيني يتردد على (دار الدعوة والإرشاد) للمرحوم العلامة (محمد رشيد رضا) حيث نهل من علمه، وسار في تياره الفكري الذي يمارس تأثيراً كبيراً على الجماهير، ومن خلال ذلك عرف الحاج/ محمد أمين الحسيني الثكير عن الصهيونية وأطماعها في فلسطين، إلاَّ أن دراسته في الأزهر الشريف لم تطل أكثر من عامين بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى.

لقد تعرف خلال دراسته في مصر على قادة الحركة الوطنية المصرية آنذاك والتي أثرت في اهتماماته السياسية المبكرة.

أرسله والده عام 1915م إلى الأستانة (استانبول) للدراسة في معاهدها العليا، لكنه أختار الجندية فأنتسب إلى الكلية العسكرية عام 1916م، وتخرج منها برتبة ضابط صف والتحق بالجيش العثماني ضمن الفرقة (46) في ولاية أزمير التركية، وقد عمل في مراكز عسكرية آخري على البحر الأسود حتى نهاية الحرب مما أكسبه خبرة جيدة كان لها الأثر الأكبر في شخصيته وحياته.

نادي الحاج/ محمد أمين الحسيني علناً بوجوب محاربة الحكم البريطاني والغزوة الصهيونية وحذر الفلسطينيين والعرب من أخطار الخطة الاستعمارية الصهيونية ودعاهم إلى مقاومتها وإحباطها.

خلال انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول عام 1919م، اعتقل الانجليز الحاج/ محمد أمين الحسيني في مدينة الخليل لتزعمه يوم وصوله لجنة الاستفتاء.

قبض عليه مرة ثانية بعد ثورة القدس في مطلع شهر نيسان عام 1920م، ولكن نفراً من الشباب العربي هاجموا الجنود البريطانيين الذين كانوا يقتادونه إلى سجن المسكوبية وأنقذوه من الاعتقال فهرب عبر البحر الميت إلى مدينة الكرك وتوجه بعدها إلى دمشق.

في عام 1921م وبعد شغور مركز الافتاء بالقدس بوفاة المفتي/ كامل الحسيني شقيقه ثم ترشيحه الحاج/ محمد أمين الحسيني لمنصب الافتاء حسب النظام حيث رشح من قبل الوطنيين الفلسطينيين وفاز في المعركة الانتخابية رغم التدخل البريطاني لعرقلة فوزه.

أعاد المفتي تنظيم المحاكم الشرعية وأختار لها قضاه ونظم دائرة الأوقاف وعين فيها عدد من الشبان المثقفين الموثوقين، وأخذ يعمل على تقوية المدارس الاسلامية الموجودة في ذلك الوقت.

كان المفتي الحاج/ محمد أمين الحسيني ينادي دائماً بوجوب اعتبار قضية فلسطين، قضية العرب كلهم وقضية العالم الاسلامي ويطالب بحشد القوى العربية والاسلامية لتأييد قضية فلسطين والوقوف في وجه الصهيونية العالمية وأنصارها.

عام 1931م دعا المفتي زعماء العرب والمسلمين إلى عقد مؤتمر عام في القدس للدفاع عن قضية فلسطين، فلبى العرب والمسلمون دعوته، وعقد في المسجد الأقصى أول مؤتمر إسلامي عالمي حضره كبار القادة والزعماء ورجال الدين من الأقطار العربية، وأفغانستان والهند وإيران، واندونيسيا والملايو ونيجيريا وغيرهما، وأنتخب الحاج/ محمد أمين الحسيني رئيساً لذلك المؤتمر، وعقدت كذلك بعده عدة مؤتمرات دولية مماثلة في مكة المكرمة وكراتشي وبغداد وعمان والصومال وغيرها.

بتاريخ 19/07/1937م داهمت قوة من الجيش البريطاني ورجال الشرطة مقر اللجنة العربية العليا لفلسطين في حي الشيخ جراح للقبض على المفتي ونفيه للخارج، إلاَّ أنه تمكن من اللجؤ إلى المسجد الأقصى وظل يدير الحركة الوطنية من داخله.

بعد اغتيال حاكم اللواء الشمالي البريطاني على يد فلسطيني بتاريخ 29/09/1937م، أصدر المندوب السامي البريطاني أمراً بحل اللجنة العربية العليا لفلسطين وأقاله المفتي من رئاسة المجلس الاسلامي الأعلى.

استطاع المفتي الهرب إلى لبنان بمركب شراعي وظل في لبنان مدة عامين.

عند نشوب الحرب العالمية الثانية في أيلول 1939م، أخذت فرنسا تعتقل كلاً من المجاهدين والزعماء الفلسطينيين، لكن المفتي أنتقل سراً إلى العراق بتاريخ 13/10/1939م، وشارك في تأييد ثورة رشيد عالي الكيلاني، وعندما فشلت الثورة غادر المفتي بغداد إلى طهران بتاريخ 20/05/1941م ومنها إلى تركيا فبلغاريا وإيطاليا وألمانيا.

أمضى المفتي الحاج/ محمد أمين الحسيني أربعة أعوام في أوروبا وأنشأ مكتباً في برلين وفي روما وبعد احتلال ألمانيا من قبل الحلفاء، غادر المفتي إلى سويسرا وطلب اللجوء السياسي، لكن سويسرا رفضت ذلك بضغط من الحلفاء، فعاد مرة ثانية إلى ألمانيا التي بلغها الفرنسيون واحتلوا المنطقة التي كان يتواجد بها المفتي، وقبضوا عليه، ونقلوه إلى باريس والقوا به في سجن (مارى ميدى) ثم نقلوه إلى دار في ضواحي باريس.

بقى المفتي معتقلاً في فرنسا أكثر من سنة، بعدها غادر إلى القاهرة، ترأس المفتي الهيئة العربية العليا لفلسطين التي تألفت بقرار من جامعة الدول العربية بتاريخ 11/06/1946م، وأفتتح لها مكتباً في القدس، وكذلك قام بتأسيس مكاتب فرعية في دمشق وبيروت وبغداد.

بعد وقوع كارثة عام 1948م، عقد في غزة مؤتمر فلسطيني كبير سمي المجلس الوطني الفلسطيني، بتاريخ 01/12/1948م، وأنتخب الحاج/ محمد أمين الحسيني رئيساً له، وأعلن المؤتمر استقلال فلسطين والعمل على تحرير ما احتله اليهود وأعلن عن تشكيل حكومة عموم فلسطين، فغضبت عليه السطات المصرية آنذاك ووضعته تحت رقابة مشددة في القاهرة، حتى قامت ثورة يوليو 1952م فتعاونت معه وشارك بوفد لاحقاً مراقب في مؤتمر باندرونج عام 1955م.

انتقل الحاج/ محمد أمين الحسيني إلى سوريا عام 1959م أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، ثم إلى لبنان ليواصل نشاطه السياسي حتى وفاته بتاريخ 04/07/1974م.

المناصب والوظائف:

– أسس ورأس النادي العربي عام 1910م وهو أول منظمة سياسية عرفتها فلسطين، وانطلقت منها الحركة الوطنية الفلسطينية، ثم عمل معلماً بمدرسة روضة المعارف الوطنية.

– أنتخب مفتياً للقدس خلفاً لشقيقه كامل الحسيني.

– رأس أول مجلس للشؤون الإسلامية والأوقاف والمحاكم الشرعية، وهو المجلس الإسلامي الأعلى لفلسطين عام 1922م.

– أشرف على إعادة تنظيم المحاكم الشرعية في سائر قطاعات فلسطين (18 محكمة شرعية).

– استعاد الأشراف على الأوقاف الاسلامية بعد أن كانت في يد النائب العام وهو (يهودي بريطاني).

– تأسيس وتقوية المدارس الاسلامية في كل انحاء فلسطين.

– تأسيس الكتلة الإسلامية (1924 – 1937).

– تأسيس والأشراف على دار الأيتام الاسلامية الصناعية في القدس.

– رئاسة لجنة إعادة إعمار وترميم المسجد الأقصى وقبة الصخرة وهو المشروع الذي تم عام 1929م.

– رئاسة مؤتمر العالم الاسلامي وهو الذي بدأ منذ عام 1931م في القدس من أجل القضية الفلسطينية.

– تكوين جمعيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للإصلاح بين المتخاصمين ومقاومة الدعوة الصهيونية للعرب ببيع أراضيهم وتنسيق الجهود والاشراف على إعداد التنظيمات المسلحة في أرض فلسطين والتي أثمرت عن (جيش الجهاد المقدس) في أطواره المختلفة.

– تأسيس ورئاسة اللجنة العربية العليا لفلسطين.

– المشاركة في ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الانجليز عام 1941م.

– انشاء مكاتب للحركة العربية والقضية الفلسطينية في برلين وروما ثم في أماكن مختلفة من أوروبا بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية.

– رئاسة الهيئة العربية العليا لفلسطين والتي تشكلت بموجب قرار من جامعة الدول العربية عام 1946م.

– تنسيق جهود الأعمال الفدائية بعد حرب 1948م.

– رئاسة المؤتمر الوطني الفلسطيني عام 1948م في غزة والذي أعلن فيه حكومة عموم فلسطين ووضع دستورها وبرنامج الحكومة.

– رئاسة وفد فلسطين إلى مؤتمر بانرونج عام 1955م بصفة مراقب.

كتب الحاج/ محمد أمين الحسيني بعض الكتب منها:-

– حقائق عن قضية فلسطين – القاهرة – 1954م.

– كيف سقطت حيفا.

توفي المفتي الحاج/ محمد أمين الحسيني بتاريخ 04/07/1974م في بيروت وشيع جثمانه بجنازة رسمية حضرها الأخ/ ياسر عرفات والقيادات الفلسطينية ودفن في مقبرة الشهداء في بيروت.

لقد كان المفتي الحاج/ محمد أمين الحسيني على علمه وفضله رأس سياسة فلسطين، ومن السياسيين الكبار المعدودين في عهده.

عاش الحاج/ أمين محد الحسيني بهموم قضية فلسطين حتى آخر نفس في حياته.

لقد كان المفتي دبلوماسياً رفيعاً، وزعيماً سياسياً كبيراً، وكأنه ملك فلسطين الغير متوج وكان يتصرف ويتعامل مع العالم سواء في فلسطين، أو في خارجها على هذا المستوى.

تميز الحاج/ محمد أمين الحسيني بوجه وديع، وبشرة فاتحة اللون وعينين زرقاوين تميل إلى الاخضرار، وكان يربي لحية صغيرة مشذبه تعكس لون شعره المائل إلى الاحمرار.

رحمه الله المفتي الحاج/ محمد أمين الحسيني وأسكنه فسيح جناته.

هذا وبتاريخ 09/01/2011م هدمت الجرافات الاسرائيلية بيت ومقر المفتي/ محمد أمين الحسيني المسمى (فندق شبرد) بحي الشيخ جراح في وسط مدينة القدس، وكان البيت قد تحول إلى فندق بداية السبعينات من القرن الماضي، وقد أثارت عملية الهدم إدانات دولية وعربية وفلسطينية.
بقلم لواء ركن/ عرابي كلوب

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار