ذكرى استشهاد المجاهد الكبيرعبد الرحيم الحاج محمد آل سيف أحد قادة ثورة 1936

0

المجاهد/ عبد الرحيم الحاج محمد آل سيف قائداً فلسطينياً ثورياً، أستطاع أن يقود الثورة الفلسطينية بنجاح في فترة عصيبة من الزمن، وأن ينظم أوضاعها الداخلية وشؤونها الإدارية بحزم وحكمة، وهو واحد من قادة ثورة (1936-1939)، وقائدها العام لمدة تزيد عن السنة، ويعد أحد أبرز وجوه الثورة الفلسطينية في ذلك الوقت.
عبد الرحيم الحاج محمد آل سيف من مواليد قرية ذنابه، قضاء طولكرم عام 1892م، تلقى تعليمه الأولى في أحد كتاتيب القرية، وأنهى دراسته في المدرسة الحكومية بطولكرم، وحين أصبح شاباً طلبته السلطات العثمانية للجيش، حيث تم فرزه إلى الوحدات العثمانية المرابطة في مدينة طرابلس لبنان، نقل بعدها إلى بيروت حيث التحق بالمدرسة العسكرية في بيروت والتي تخرج منها وفي جعبته الكثير من العلوم العسكرية التي وظفها في المعارك لاحقاً التي خاضها العثمانيون مع القوات البريطانية.

عندما أنتهت الحرب العالمية الثانية عام 1918م سرح عبد الرحيم الحاج محمد من الجيش وعاد إلى مسقط رأسه، ليجد أن كل فلسطين باتت خاضعة تحت الاحتلال البريطاني.

عمل في الزراعة والتجارة في مدينة طولكرم، وقد عرف عنه بالنزاهة و الاستقامة والخلق الرفيع والتهذيب والأمانة، لذا أحبه الناس ولجأوا إليه في حل مشكلاتهم.

في تلك الفترة كانت البلاد تمر بمرحلة قاسية بسبب الاستعمار البريطاني والخطر الصهيوني، فأخذ عبد الرحيم الحاج محمد يدعو إلى الجهاد ضد أعداء الأمة، موضحاً خططهم ومشروعاتهم وأهدافهم متتبعاً في ذلك خطى الشهيد المجاهد/ عز الدين القسام، وقام سراً بجمع التبرعات وتنظيم المجاهدين وتدريبهم في سرية تامة، موظفاً خبرته السابقة التي اكتسبها في المدرسة العسكرية ببيروت والمعارك التي خاضها في الجيش العثماني سابقاً.

خلال اضراب عام 1936م، قاد عبد الرحيم الحاج محمد مجموعة من الثوار قامت بعدة عمليات وهجمات على البريطانيين والمستوطنين الصهاينة، فلاحقته سلطات الانتداب البريطاني، فأضطر إلى ترك بيته وأهله والانتقال إلى العمل الثوري السري، وأخذ يصعد عمليات الثورة، ثم ظهر علناً في معركة نور شمس وهي أول معركة منظمة وأكبرها خاضها الثوار الفلسطينيون مع قوات الاحتلال البريطاني والمستوطنين الصهاينة بتاريخ 22/06/1936م.

وقد توالت الهجمات وأعمال المقاومة التي قادها/ عبد الرحيم الحاج محمد وحقق فيها نجاحاً كبيراً على قوات الاحتلال وتخريب طرق مواصلاته وتدمير منشآت عسكرية، وبذلك أزدادت شهرته واتسعت دائرة نشاطه، وبتاريخ 25/08/1936م وصل فوزي القاوفجي إلى فلسطين لقيادة الثورة، وتمركز في المنطقة الوسطي، وقد أتصل منذ وصوله بقادة الثورة، وعلى رأسهم عبد الرحيم الحاج محمد، وبحث معهم أوضاع الثورة وكيفية تنظيم شؤونها، وأسندت إلى عبد الرحيم قيادة المنطقة الثانية، أهم مناطق الثورة، وتقع في المثلث وسط فلسطين.

تابع عبد الرحيم الحاج محمد جهادة في ظل القيادة العامة الجديدة التي ترأسها فوزي القاوفجي، وأنتصر في هذه الفترة أيضاً في جميع المعارك التي خاضها ومن أهمها: معركة نابلس بتاريخ 24/09/1936، ومعركة بلعا بتاريخ 25/09/1936م، ومعارك جبع ودير شرف.

وعلى أثر ذلك شددت سلطات الانتداب على ملاحقته، ورصدت جائزة مالية كبرى لمن يأتي به، وقامت بنسف بيته، ولما غادر فوزي القاوفجي فلسطين أواخر تشرين الأول 1936م، بعد نداء الملوك والرؤساء العرب، أوكلت إلى عبد الرحيم الحاج محمد القيادة العامة للثورة خلفاً له، ثم توقفت أعمال الثورة، فلجأ عبد الرحيم إلى دمشق، وعندما اندلعت الثورة من جديد في تشرين الأول 1937م، عاد عبد الرحيم الحاج محمد من دمشق إلى فلسطين على رأس عدد من المجاهدين وأتخذ قرية النزلة الشرقية، قضاء طولكرم مقراً مؤقتاً لقيادة الثورة، وفي أوائل عام 1938م، اكتملت تنظيمات الثورة من جديد ونظمت الفصائل وقيادات المناطق والقيادة العامة.

تميز عبد الرحيم الحاج محمد عن الآخرين بتنظيم قواته في فصائل يمثل كل فيصل إحدى القرى، وكان تعداد الفصيل ما بين (40-50) فرداً، على رأس كل فصيل قائد يأتمر أفراد الفصيل بأمرته، بينما أختار القادة الآخرين المعيار الجهوى أي العمل في محيط أماكن سكنهم أو اماكن قريبة منه، يضاف إلى أنه اهتم بالشؤون الادارية والاستخبارات للحصول على المعلومات السرية عن تحركات البريطانيين وخططهم في عموم فلسطين.

لقد تبوأ عبد الرحيم الحاج محمد عن جداره بدءاً من أواخر عام 1938م منصب القائد العام الميداني للثورة في فلسطين، مع أنه كان فعلياً القائد العام للثورة منذ أواسط عام 1936م، أي أن تعيينه في المنصب من قبل اللجنة المركزية للجهاد برئاسة الحاج/ محمد أمين الحسيني والآخرين كان تحصيل حاصل.

ساعد عبد الرحيم الحاج أحمد عدد من القادة الثوار منهم (أبو دره، ومحمد صالح، وعارف عبد الرازق) كما أتخذ له عدداً من المستشارين المثقفين الشبان/ منهم الشاعر الشهيد/ عبد الرحيم محمود، وممدوح السخن سكرتيرة الخاص، وأحمد جميل.

خلال هذه الفترة خاض الثوار بقيادة عبد الرحيم الحاج محمد معارك ضارية، والحقوا بالقوات البريطانية خسائر كبيرة، ومنها معركة بيت أمرين التي جرح فيها القائد/ عبد الرحيم ومعركة دير غسانه 20/09/1938م التي وقعت عندما كان قادة الثورة يعقدون مؤتمراً لتدارس أوضاع الثورة وقد أستشهد فيها القائد/ محمد الصالح (أبو خالد).

في مطلع عام 1939م، سافر عبد الرحيم الحاج محمد إلى دمشق والتقي بالمفتي/ محمد أمين الحسيني وبحث معه أوضاع الثورة وما تحتاج إليه من سلاح ومساعدات، وبتاريخ 26/03/1939م عاد إلى فلسطين مع نفر من أصحابه وتوقفوا في قرية صانور، قضاء جنين ليمضوا ليلتهم، وقد علمت السلطات البريطانية بوجودهم هناك فتوجهت قوة عسكرية كبيرة هاجمتهم صباح يوم 27/03/1939م، وخاض القائد/ عبد الرحيم الحاج محمد مع هذه القوة معركة غير متكافئة أستشهد فيها، كما أستشهد بعض مرافقيه، وقامت سلطات الانتداب البريطاني بدفن جثمانه سراً في صانور ولكن الثوار استرجعوا الجثمان ونقلوه إلى ذنابه مسقط رأسه ودفنوه فيها.

كان لنبأ استشهاده علامة حزن كبرى في فلسطين حيث أضربت البلاد وأغلقت الحوانيت، وتوقفت حركة السير، وصدرت الصحف مجللة بالسواد، مما دفع السلطات البريطانية لإعلان تحذيري يوم 29/03/1939م، وتحدي الناس وأعلنت حالة الطوارئ في يافا.

باستشهاد القائد الميداني للثورة في فلسطين، وتفاقم عجز القادة الآخرين، وقلة السلاح والذخيرة في أيدي المجاهدين، وظهور سحب الحرب العالمية الثانية، انطوت اعلام وبنود الثورة الكبرى في فلسطين بهدوء مفجع لكن أسم الشهيد المجاهد/ عبد الرحيم الحاج محمد آل سيف (أبو كمال) بقي في الذاكرة الفلسطينية على الدوام.

كان الشهيد يوقع بياناته ورسائله بصفة المجاهد الصغير خادم دينه ووطنه، ويصدرها عن (ديوان الثورة العربية الكبرى في فلسطين) وهذا يدل على مدى تواضعه وإيمانه وتفانيه من أجل وطنه.

آمن عبد الرحيم الحاج محمد بالكفاح المسلح لتحرير الوطن ونيل الاستقلال، لذلك وقف ضد الذين أنصلوا بالحكومة البريطانية، وضد هجرة القادة الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، كما أمن أن العمل الثوري الحقيقي يكمن في مقاتلة العدو على أرض الوطن وعدم تمكينه من غرس نفسه في هذه الأرض العربية الطاهرة، لذلك اصدر الانذارات واتخذ الاجراءات الرادعة ضد سماسرة العقارات، وضد الذين يبيعون أراضيهم للمستوطنين الصهاينة، وألف محكمة الثورة العربية الفلسطينية، برئاسة المجاهد/ عبد القادر اليوسف عبد الهادي، وأوقف دفع ديون الفلاحين إلى دائنيهم بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية آنذاك، وأتخذ موقفاً حازماً ضد أولئك الذين تعاملوا مع العدو، ومنع قتل الأسرى من الأعداء.

لقد فقدت الثورة الفلسطينية باستشهاده إحدى دعاماتها الأساسية.

رحم الله الشهيد المجاهد/ عبد الرحيم الحاج محمد آل سيف (أبو كمال) وأسكنه فسيح جناته

قد يعجبك ايضا
اترك رد
آخر الأخبار