في ذكرى استشهاده…هو زمن عماد مغنية ..الذي أتقن الحب والشهادة..*
في ذكرى استشهاده…هو زمن عماد مغنية ..الذي أتقن الحب والشهادة..*
*محمد علي جعفر*
هو عماد معنية الذي يمكن البحث عنه فقط، في شهادات من عرفوه. بتنا نفتش عنه، كمن يبحث بين الأسرار. وكلما وجدنا بعضاً منه، أدركنا أننا أمام حكاية لن تنتهي، ما دامت الأيام تعدنا بكشف المزيد، دون أن تعدنا بكشف كل شيء. مع عماد مغنية، سنبقى ننتظر الأيام، وننتظره. هي الحقائق التي ستبقى تنتظر الوقت لتخرج الى العلن. هي سطوة العشق ولغة القلب، تلك التي تحكيها عينيه. هو زمن عماد مغنية الذي سيبقى يُعيدنا اليه. يُذكِّرنا بأن من يملك عقل المستقبل لا يموت. هي الحقيقة التي ستبقى تلامس أيامنا وتنادينا. لعلنا نستلهم منها خفايا الماضي والحاضر والمستقبل.
في نظر الكثيرين يبقى عماد مغنية قائداً عسكرياً. صوره، أدواره ومسؤولياته، طغى عليها الطابع الجهادي. أغفل أرباب الإعلام والسياسة أن الرجل كان مُتعدد الأدوار والمواهب. وأخطأوا عندما أبهرتهم الصورة، وليس من بداخلها! كالعادة، غرق المراقبون في الأحداث الظرفية، وتعاطوا مع المناسبة كإغتيال وتصفية. ودخلت لعبة الحسابات والردود. حجمه وموقعه يحتاج للتفكير كثيراً في: كيف يرد حزب الله؟ ومن يستهدف؟
حينها، كانت المنطقة على بوابة التحولات. ولم يكن المراقبون يعلمون بالآتي. وحده عماد مغنية وخلفه حزب الله، كان يُدرك أن ما يجري هو جزءٌ من كل. وعندما جرت سُبحة الأحداث بعد أعوام من الإغتيال، وبدأت مسارات الصراع تتوضَّح، وبات المشهد أوضح، رآه الآخرون. ليجدوا أن الأمور أكبر من مجرد اغتيال! هي خطوةٌ ضرورية لإعادة خلط الأوراق. وحده عماد مغنية الذي رحل، كان يراها. هنا يأتي السؤال: من الذي رحل؟
رحل العقل الألمعي القادر على وصل مسارات الصراع. كان يُقدِّم صور الأحداث كجزءٍ من مشهد الصراع المُتكامل. التوازن بين القوة والعقل والتركيز على الأولويات دون اغفال الجزئيات وإبقاء العين على الهدف الإستراتيجي. الترجمة العملية لهذه القاعدة السهلة نظرياً، صعبة جداً في عالم التخطيط. ترتيب الأولويات يعني القراءة الدقيقة للواقع، وتحليله بعناية. هنا تأتي سمات القيادة. هكذا كان عماد مغنية، وكان يُدرك أن لكل مرحلةٍ أولوياتها.
بين الثورة الفلسطينية 1965 وانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، كانت الأولوية بالنسبة للحاج رضوان، تأسيس نواة جهادية. فكانت حركة الخمينيين ثم معركة خلدة عام 1982 وتأسيس حزب الله عام 1985. حتى العام 1992 كانت المرحلة تقتضي إثبات الوجود وتعزيز الحضور الجهادي. حتى العام 1999، هندس الحاج عماد البنية العسكرية والأمنية لحزب الله وصاغ معادلاتها الإستراتيجية والهدف هو القدرة على فرض المقاومة الإسلامية لقواعد اللعبة في الصراع. لم تخلو هذه السنوات من تضحيات كبيرة، ففي العام 1984 استشهد شقيقه جهاد، وفي العام 1994 استشهد شقيقه الثاني فؤاد. أبقى الحاج رضوان عينيه على الهدف الإستراتيجي، وهو رؤية الكيان الإسرائيلي للهزيمة. في العام 2000، خرج حزب الله ليقطف نتائج المعادلات ويصنع أول تحولٍ في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. كانت المرحلة تحتاج لمن يُحيي روح المقاومة في المنطقة والعالم فجاء انتصار 25 أيار 2000.
مضى الحاج عماد في تحقيق الإنجازات، وانتقل من أولوية رؤية الكيان الإسرائيلي للهزيمة الى أولوية تفعيل الإنتصارات وجعلها الواقع المفروض على الصعيد الإقليمي. عام 2006 رسَّخ الحزب بإنتصاره معادلات جديدة في الصراع وأثبت جدواها لتدخُل حيِّز الإستخدام من قِبل حركات المقاومة. صنع انتصار لبنان 2006، معادلاتٍ جديدة، ساهمت في خلق تحولٍ آخر في الصراع العربي الإسرائيلي.
في 12 شباط 2008 رحل الحاج عماد ورحلت معه أسراره. استطاع الحاج عماد ان ينقل حزب الله وقوته من تأثيراتها المحلية الى الإقليمية. وكذلك استطاع فرض معادلات المقاومة في المنطقة. بعد رحيله، كان اتحاد محور المقاومة أحد أسراره التي كشفتها لنا الأيام وأنجبته معادلات الصراع التي هندسها عماد مغنية. خلال مسيرته المليئة بالإنجازات، طبعت شخصية الحاج عماد، قيمٌ كثيرة لم تظهر الى العلن. لعبة الإعلام التي كان أول من ساهم في تأسيسها والإيمان بها، وعلى الرغم من امتلاكها المُبررات، لم تُنصفه. مِن الأخلاق العملية والتواضع والإيمان الفعلي واليقين بالله وتقوية الجانب الروحي والتخصص العلمي وتحصيل الوعي والثقة بالنجاح وترجمة الحب في العمل والتفكير الإيجابي وقيمٌ أخرى، طبعت شخصية عماد مغنية الإنسان.
*هو زمن عماد مغنية..الذي أتقن الحب والشهادة.*
اليوم، ينتقل الصراع نحو العالمية. لنقول أنه قد حان، لإظهار بعضٍ من تلك القيم. ولكي لا ننتظر الأيام، فلن يعترف حزب الله بالقوة الخفية التي ضرب بها عماد مغنية الأعداء في المنطقة والعالم. بل سيبقى يُقدم نتائج الإنتصارات كجزءٍ من استراتيجيات عماد مغنية العديدة. وبات مطلوباً منا أن نُقدم عماد مغنية مُتعدد الأدوار والمواهب بلغات عديدة. بات مطلوباً أن نُترجم عماد مغنية في أدوارنا. لنقارب المسائل بعقلٍ جامع وبلغة الإنسان وبتأثير الحاضر والمستقبل، دون الخروج عن منظومة القيم التاريخية.
ليس الحاضر من لا يرحم، فالتاريخ فقط من يكتب الدروس الحقيقية. والذين يغرقون في حسابات الحاضر، نقول أن قصتهم ستنتهي مع رحيلهم. أما أولئك الذي يعيشون مستقبل الأمة في حاضرهم، سيكون كل يومٍ بعد رحيلهم ماضياً بالنسبة للأمة التي تنتظر الأيام لكي تكتشف المزيد عنها وعنهم. هكذا كان عماد مغنية، لكن بلغاتٍ وشخصياتٍ عديدة. طبعت صوره البُعد العسكري والأمني لشخصيته، لكن هذه الأبعاد ليست إلا بعضاً من أدواره. هي رائحة فلسطين التي كان يعشقها، وابتسامته الساحرة، وعينيه الجميلتين، وكلماته التي تُشبه الإغواء، لم تكن تنبع إلا من قلب رجلٍ يمتلك الى جانب السطوة والقوة، مشاعر الحب والعشق لمعنى الإنسان. هو نفسه المعنى الذي يجهله الكثيرون في عالمٍ لا مكان فيه للضعفاء. هو عماد مغنية صانع الزمن الجديد للإنسان.
*هو زمن عماد مغنية..الذي أتقن الحب والشهادة.*
(مقال من الأرشيف)
التعليقات مغلقة.