حديث الخبز .. وخلافة الشيخ الأخضر

كتب نارام سرجون :
في حضرة الفقراء تنحني قامتي وهامتي .. لأن الفقراء هم أبطال الروايات والحكايات والأساطير والاشعار .. وهم من بنى الحضارات .. وفي حضرة الفقر ليس من العيب ان يمتطي أحد صهوة اللغة والشعر والكتب التي اخترعوها من آلامهم .. لأن الشعر كتب بهم ولهم .. ولذلك فانني لن أتردد في أن اسمع الفقراء اشعاري وخواطري ولغتي سواء في الحرب أم في السلم .. فاذا كان الفقر جسدا لا يقهر الا بالمال .. ولا يقتل الا بحد السيف .. فان الكلمة هي المال وهي السيف .. وهي الروح ..

انا بالفعل لاأكتب عن الأوضاع المعيشية ليس لأنني مختلف مع الناس فيما يرون .. ولكنني أعرف ان غاية العدو اليوم هي ان نتحدث عن خبزنا اليوم بدلا عنه .. لأن مابعد حديث الخبز هو تراجع المعركة لصالح الخبز .. وكل ماحدث لنا حتى اليوم كان من اجل غاية واحدة هي ان ننسى عدونا ونلتفت الى جراحنا .. أي انها لعبة تبديل التناقضات .. فبدل ان تنشغل بالتناقض الرئيسي الخارجي تنشغل بالتناقضات الداخلية التي صنعها لك العدو ومنها الفقر والأزمات المعيشية ..

وكما تعلم هناك أعداء كثيرون يرصدون الآه والوجع والأنين في بيوتنا .. واجهزة الرصد اليوم لدى الخصم لاتتعقب هدير الدبابات واقلاع الطائرات .. بل ترصد ماوصلنا اليه من احباط وعدد البوستات التي تردد الشكوى .. لأنه قد يدل على ان تحقيق الهدف الامريكي يقترب .. وهو نشر اليأس والقنوط الذي عمل عليه الخصوم خلال السنوات الماضية عبر العنف الاعمى الذي لاحدود له حتى ولا في الخيال … فطوال فترة الحرب كانت الغاية من كل هذا التوحش والاذى والتدمير والتهجير هو ادخال اليأس في الناس وادخال الناس في اليأس .. ولكن ماحدث كان مفاجأة لم تخطر على بال بشر .. فالتوحش لم يتسبب الا بأنين التنظيمات المتوحشة التي تحطمت في سورية تحت ضربات الشعب السوري وجيشه ..

اليوم يتسلل اليأس من خلال رغيف الخبز .. وضوء الشمعة .. ومن خلال الدولار هذا الكائن الاسطوري الاخضر الذي لايقهر.. ولكن مع اليأس يدخل الامريكي الى دمنا والى استقلالنا والى كبريائنا ويدخل بيننا .. ويتسلل ويسرق منا البنادق والعناد عشر سنوات مقابل لقمة خبز ..

انت تشير الى ان الجميع منخرط في حديث الأزمات .. وان عليّ ان أفتح هذا النقاش كما غيري .. ولاأظنه يخفى عليك أن كل واحد منا يستطيع ياصديقي ان يعدد أنواع المعاناة وألوان الفقر ونماذج الأزمات التي تخنقه ..
ويستطيع كل واحد منا ان يذكر الارقام التصاعدية لأسعار المشتريات وان يصفر امام كل رقم مذهولا غير مصدق صفرة طويلة .. ويشهق امام كل صعود فلكي للاسعار .. ويرفع حاجبيه تعجبا .. ويضرب كفا بكف .. وهذا سيكون أفضل لو أنه تلا تلك الدهشة بقول: ماذا تريد اميريكا الآن؟؟
وأتفق مع الجميع بأنه لايجوز حقن المورفين والمهدئات كي ينام المريض ويستفحل فيه المرض وهو لايدري ولايقدر بفعل التخدير من ان يؤشر باصبعه الى بؤرة الالم ..

ولكن كما تعلم .. يستطيع كل واحد منا ان يعدد مظاهر الفساد واسماء الفاسدين واحدا واحدا .. والأثرياء والذين يستفيدون من مناصبهم فردا فردا .. ويستطيع كل واحد ان يملأ صفحته بالعويل والغضب والنقد والتقريع والشكوى واللوم وكيل الاتهامات والاستنكار .. وهذا ليس عيبا .. ولكنه ليس نوعا من الاختراع او التجديد ..

وستقول لي اننا بهذا الخطاب نستعيد خطاب الستينات الذي يقول لاصوت يعلو فوق صوت المعركة واننا تعبنا وهرمنا ومللنا من هذا الخطاب الذي لايلتفت الى مشاكلنا .. رغم ان الحقيقة هي ان لاشيء سيعيد الخبز الا صوت المعركة .. لاتفاوض ولا سلام ولا تنازلات .. نحن الامة الوحيدة التي قدمت تنازلات ولم تكافأ على تنازلاتها .. من كامب ديفيد الى اوسلو الى الربيع العربي .. ذبحنا أنفسنا من اجل ان لايعلو صوت المعركة ولكن هل انتهت المعركة؟؟ اسأل نفسك
ولكن وبفرض اننا قررنا ان صوت المعركة خفت .. ولكن ماذا بعد ذلك؟؟ هل سنصل الى نقطة تلاق للجميع ونحدد الحلول ونحدد المسؤول عما يجري لنا؟ ونهدئ بال الجميع ام نشجع الناس على ان تنجرف في هذا الاتجاه ويصبح المريض الذي يشكو من الورم لايهتم باستئصال الورم بل باسكات الالم .. فيما نحن نوشوش له ان وضعه خطير وأنه قد يموت او انه يموت .. ولاأمل له ..
انا وأنتم على يقين ان هذه المرحلة هي استكمال لمرحلة داعش وجبهة النصرة .. واذا كانت داعش القديمة ذات راية سوداء فان داعش هذه المرحلة ذات راية خضراء .. انه الشيخ الاخضر ذو اللحية الخضراء .. الذي اسمه الدولار ولقبه أبو خضر الامريكي .. الذي سبى الليرات وقطع رؤوس المئة والخمسئة والالف .. واجتاح الاقتصاد .. واعلن انه باق ويتمدد ..
الدولار الذي اختفى من البنوك اللبنانية وذهب في مهمة سرية غامضة وخرج ولم يعد .. تصادف وجوده ياسبحان الله وبكل براءة مع غزوة ميناء بيروت التي دمرت نافذة اقتصادية لسورية ولبنان .. والتقى مع مشروع قسد .. وفي عهده الميمون خرجت فتوى تحريم القمح السوري والنفط السوري على السوريين .. وليس صدفة ان معبر نصيب مصاب بجلطة ومسدود بأمر ملكي أردني .. وهذا يعني ان عجلة الاقتصاد لدينا توقفت .. فلا وقود ولا كهرباء ولاطاقة ولا نقل ولا زراعة ولا تجارة ولا صناعة ولاخبز .. لاعلان نهاية زمن المجاهدين والارهابيين واعلان زمن خلافة جديد هي خلافة الدولار الذي ملأ الدنيا وشغل الناس .. ويخضع له كل الناس والا قطع أرزاقهم وترك اعناقهم ذليلة ..
أنا يشغلني السؤال عن تقلب سعر الدولار بقدر مايشغلني السؤال عن غاية سادة الدولار من هذا الانسداد .. أهو للتفاوض ام انه نقلة جديدة ستتلوها نقلة اخرى في لعبة الشطرنج .. ؟؟
فلا شك ان لهذه اللعبة غاية ونهاية .. واذا كنا ندرك الغاية فان علينا ان نحدد نحن النهاية لا ان ننتظر ان يحدد الخصم موعد اعلان النهاية ..
نعم انه يغضبني ما يفعله التجار من احتكار معيب ومشين وخسيس .. لكن الاحتكار الاكبر يقوم به الامريكي وعملاؤه في الداخل وفي الجوار العربي وفي الغرب .. انه احتكار كل شيء .. ليحدث نوعا من الانسداد في حيوية المجتمع .. فهذا الانسداد في الافق مرحلة تسمى بتجميع المياه خلف السد أي تجميع الغضب والاحتقان عبر السوشيال ميديا والشائعات وتشجيع العدوى بالشكوى .. فيكفي ان تنتشر الشكوى من الوضع المعيشي بين البعض حتى تصبح ثقافة .. ويصبح من يقول بغير الشكاوى المعيشية شاذا وطوباويا ومنفصلا عن الواقع .. وعندما يصل منسوب المياه المحتقنة الى مستوى محدد يتم توجيهها في الاتجاه الذي يريده من بنى السد .. الفقر وسوء الاحوال والقلق وبث اليأس يفكك المجتمع ويسبب تنافرات وتناقضات جديدة تطغى على القديمة او قد تنضم لها .. ولذلك صرنا نرى جرائم جنائية لم تكن مألوفة .. ونوعا من العنف الموجه نحو السلب والنهب..

قد تختلف معي .. ولكنني أنظر الى هذه المرحلة كما نظرت الى ماقبلها .. فيوما ما كان اليأس سيدا لاينازع .. وكان كل من يحدثني يقول لي بيأس وقنوط: اين نهاية هذا الكابوس الدموي المرعب؟؟ ولكن الكابوس الدموي المرعب انتهى .. وهذا الكابوس المعيشي مؤقت وسينتهي .. فنحن لم نقاتل بدمنا كي نموت جوعا وعطشا وبردا .. وكما ان الخصم رسم هجومه فان هجومنا ايضا له أضلاعه وعناصره وله توقيته الدقيق جدا .. والقريب جدا .. فلسنا نحن من ينتصر في الحرب لنخسر من دون حرب ..

ولن أستأذنك بأن أكون متفائلا .. ليس لأنني لاأقدر الا ان أتفاءل او احب ان اتفاءل .. بل لأننا سنتجاوز هذه الأزمة بكل يقين .. لأن الرئيس الأسد هو الضمين أن لاينكسر هذا الشعب .. وألا تطول معاناته .. ولاشك عندي ان على طاولته مجموعة من القرارات الهامة والخيارات التي انتظرت نضج الظروف الاقليمية التي تبلورت الان .. وماعليه الا ان يمسك قلمه ويضع اشارة على الخيار الذي سننفذه جميعا .. ولن نتردد .. نحن بانتظار اشارة قلمه على الهدف .

نارام سرجون

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار