العالم من غير “إسرائيل”

بقلم المستشرق د. كيفِن بارِت ملاحظة قبل المقال: عادل سماره:
بعد عدوان 2006 ضد لبنان ونتائج ذلك ، كتب زبجنيو بريجنسكي مقالاً اشار فيه إلى أن هذا مؤشر على نهاية “إسرائيل”.
ومن بين ما دار في ذهني مع هبة القدس وانتصار غزة لها، وإدراك العالم عموما، اصدقاء الكيان وأصدقائنا، بأن العدوان مثلث الأضلاع : “ضد الأقصى برمزيته الدينية والعربية، وباب العامود برمزيته التاريخية والشبابية والشيخ جراح برمزيته لمركزية الأرض/الوطن” هو عدوان بالمطلق ويقوم على غطرسة لا يمكن الصمت عنها. هذا إلى جانب اعتقاد الكيان أن القدس هي الحلقة الأضعف فإذا بها الحلقة الأقوى. نعم دار في ذهني الحديث التالي:
تقول اساطير الصهيونية بأن هناك عشرات الأنبياء لبني إسرائيل، بغض النظر عن الصحة التاريخية وحتى الدينية لهذا. ولكن، أرى أن التطورات الأخيرة تطرح السؤال التالي:
ألم يحن الوقت لظهور نبي أرضي في الكيان ليقول لهم: هذا المشروع ما رح يزبط!.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن الصهيونية حينما لاحظت باكرا أن الإمبريالية البريطانية في تراجع طوَّرت علاقتها بالمركز الإمبريالي الجديد اي الولايات المتحدة وبالطبع دون أن تغادر علاقتها الرضاعية من بريطانيا. وهذا يستدعي السؤال: هل تأخر الكيان في الانتقال إلى الصين؟ أم أن الصين ليست راغبة بهذه العلاقة وخاصة بالمستوى الذي يطمح إليه الكيان؟.

العالم من غير إسرائيل
بقلم المستشرق د. كيفِن بارِت

شيطنت وسائل الإعلام الغربية في مرحلة سابقة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لتجرُّؤه على تصور “العالم من غير وجود إسرائيل”. بيد أن هنري كيسنجر ومجتمعَ الاستخبارات الأمريكيَّ متفقون جميعا على أن إسرائيل لن تكون موجودة في المستقبل القريب. فقد أوردت نيويورك بوست كلمات كيسنجر حرفيا إذ قال: “في عشر سنين، لن يكون هناك إسرائيل.”
ومقولة كيسنجر هذه واضحة حاسمة. إنه لا يقول إن إسرائيل في خطر، ويمكن إنقاذها إن منحناها ترليوناتٍ إضافيةً من الدولارات وسحقنا أعداءها بجيشنا. ولا يقول إننا إذا انتخبنا صديق نتنياهو القديم مٍيت رُمْني، أمكن إنقاذ إسرائيل بطريقة ما. ولا يقول إننا إن قصفنا إيران فستتمكن إسرائيل من البقاء. كذلك فإنه لا يعرض وسيلة للخلاص. إنه ببساطة يقرر حقيقة: في العام 2022، لن تكون إسرائيل موجودة.
لعل المجتمع الاستخباري الأمريكي يوافق على ذلك، وإن لم يكن تحديدا في العام 2022. ذلك أن 16 وكالة استخبارية أمريكية تتمتع بميزانيات يفوق مجموعها 70 مليار دولار أصدرت تحليلا من 82 صفحة عنوانه، “الاستعداد لشرقٍ أوسطيٍّ بعد إسرائيل.”
يرى التقرير الاستخباري الأمريكي أن 700 ألف مستوطن إسرائيلي قد استولوا بشكل غير قانوني على أراض مغتصبة من أراضي عام 1967 يعُدُّها العالم كله جزءاً من فلسطين، لا من إسرائيل، ولن يرحلوا بطريقة سلمية. ولما كان العالم لن يقبل مطلقا وجودهم المستمر على أراض مغتصبة، فقد غدا حال إسرائيل كحال جنوب أفريقيا في أواخر ثمانينات القرن العشرين.
وحسب التقرير الاستخباري الأمريكي، فإن الائتلاف الليكودي الحاكم في إسرائيل ماض في دعمه وتجاهله لما يقوم به المستوطنون الخارجون على القانون من عنف جامح وأعمال منتهكة للقانون. ويذكر التقرير أن وحشية المستوطنين وإجرامهم، وتزايد البنية التحتية للفصل العنصري، ومنها جدار الفصل والحواجز التي تتزايد وحشية، لا يمكن الدفاع عنها أو دعمها وغير متوافقة مع القيم الأمريكية.
وتوافق الوكالات الاستخبارية الأمريكية الست عشرة على أن إسرائيل لا تستطيع تحمل العاصفة المؤيدة لفلسطين التي يتسم بها “الربيع العربي”، ولا “الصحوة الإسلامية”، ولا صعود نجم الجمهورية الإسلامية في إيران.
في الماضي، كانت النظم الاستبدادية تكتم التطلعات الداعمة للقضية الفلسطينية لدى شعوبها. بيد أن هذه الدكتاتوريات أخذت تنهار بانهيار شاه إيران المؤيد لإسرائيل عام 1979 وقيام جمهورية إسلامية ، لم يكن لحكومتها إلا أن تعكس معارضة شعبها لإسرائيل. وتتسارع اليوم في المنطقة كلها العملية عينها – أي الإطاحة بالمستبدين الذين تعاملوا مع إسرائيل، أو تحملوها على الأقل. أما النتيجة، فستكون بقيام حكومات أكثر ديمقراطية، وأكثر إسلامية، وأقل ودّاً لإسرائيل.
ويقول التقرير الاستخباري الأمريكي إن الحكومة الأمريكية، في ضوء هذه الحقائق، لم تعد، ببساطة، تملك الموارد العسكرية والمالية للاستمرار في دعم إسرائيل ضد رغبات أكثر من مليار إنسانٍ في جوارها. ولأجل تطبيع العلاقات مع 57 دولة إسلامية، يقترح التقرير أن على الولايات المتحدة أن تتبع مصالحها الوطنية وتسحب دعمها لإسرائيل.
والطريف أنه لا هنري كيسنجر ولا من حرر التقرير الاستخباري المذكور ألمح إلى أنهم سيندبون موت إسرائيل. وهذا جدير بالملاحظة حين نعلم أن كيسنجر يهودي وكان دائماً يُعَدُّ صديقا (ولو كان أحيانا صديقا قاسيا) لإسرائيل، وأن جميع الأمريكيين، بمن فيهم الذين يعملون في الوكالات الاستخبارية، قد تأثروا بوسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل.
فما الذي يفسر هذا الأمر؟
إن الأمريكيين المهتمين بالشؤون الدولية – والمؤكد أن منهم كيسنجر ومن كتبوا ذلك التقرير الاستخباري – قد ملوا من العناد والتعصب الإسرائيليين. إن أداء نتنياهو الشاذّ، والذي استثار سخرية واسعة في الأمم المتحدة حين لوّح بصورة كرتونية لقنبلة بطريقة جعلت منه كركاتيرا لـ”صهيوني مجنون”، كان الأخير في سلسلة الزلات التي وقع فيها القادة الإسرائيليون الذين بدوا ميالين للمبالغة.
هناك عامل ثانٍ يتمثل في الحقد الذي يحمله الأمريكيون على قوة الضغط الإسرائيلية التي تهيمن هيمنة متغطرسة على الخطاب العام. ففي كل مرة يُطرَد صحفي أمريكي مشهور لخروجه على النص تجاه إسرائيل، كما حدث لهلن طومس ورِك سانشيز، تتعاظم قوة ردة فعلٍ غير مرئية على الأغلب، تشبه موجةَ جزْرٍ تنساب تحت سطح البحر. وفي كل مرة تصفع قوةُ الضغط الإسرائيلية أحد الناس، مثل مورين داوْد، التي لاحظت مؤخراً أن المتعصبين الإسرائيليين أنفسهم الذين جروا الولايات المتحدة إلى حرب العراق يحاولون اليوم أن يفعلوا الشيء ذاته مع إيران، تزداد صحوة الناس ويشتدُّ يقينهم بأن أناساً مثل داوْد وطومس وسانشيز إنما يقولون الحق.
أما السبب الثالث من الرضا عن زوال إسرائيل، فيتمثل في أن المجتمع اليهودي الأمريكي لم يعد متوحداً في دعمه لإسرائيل، خاصة على مستوى قيادته الليكودية الهوى. فالصحفيون والمحللون اليهود المحنكون، من أمثال فيليب فايس، أصبحوا يدركون حمق القيادة الإسرائيلية الحالية وغياب الأمل في ورطتها. وحسب تقارير حديثة، لم يعد دارجاً بين الشباب اليهود الأمريكيين أن يعيروا إسرائيل اهتمامهم. وبالرغم من محاولات نتنياهو المسعورة في توجيه الناخبين صوب [المرشح الجمهوري للرئاسة] مِت رُمني، ذي الهوى الليكودي، فإن استبيانات الرأي العام تظهر أن أوباما، الذي يُسجَّل له أنه “يكره” نتنياهو “الكذاب”، سوف يفوز بأغلبية الأصوات اليهودية بسهولة.
أخيراً نأتي إلى الأقل وضوحا – لكنه الأقوى – من سبب رضا كيسنجر ووكالة الاستخبار المركزية عن تداعي إسرائيل: إنها المعلومة التي أخذت تتسلل بعناد أن إسرائيل وأنصارها، لا المسلمين الأصوليين، هم من نفذوا اعتداءات الحادي عشر من أيلول ذات العلَم الزائف.
ليست المجموعات المعادية للسامية، بل المراقبون من ذوي المسؤولية العليا، من يقول هذا بشكل متزايد. فقد ظهر في برنامجي الإذاعي ألن سَبْرُسْكي، وهو نصف يهودي ومدير سابق لمديرية الدراسات الإستراتيجية في كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، وقال إنه بحث مع زملائه “الحقيقة المؤكدة تماما” التي تفيد بأن إسرائيل وأنصارها من نفذ اعتداءات التاسع من أيلول. كذلك ظهر على برنامجي الإذاعي ألن هارت، المراسل السابق لهيئة الإذاعة البريطانية في الشرق الأوسط (وصديق غولدا مئير وياسر عرفات) وأعلن أنه أيضاً يعلم أن إسرائيل وشركاءها قد نسقوا أحداث التاسع من أيلول.
واليوم لدينا مرشحة للرئاسة، ميرلن ميلر، التي يقال إنها أكدت أن إسرائيل، لا القاعدة، قد قامت باعتداءات الحادي عشر من أيلول.
والغاية من اعتداءات الحادي عشر من أيلول “أن يُعمَّد بالدم” ميثاق عاطفي قوي، لا تُفصم عراه بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في محاولة يائسة لتوكيد بقاء إسرائيل على قيد الحياة بشن حرب أمريكية طويلة على أعداء إسرائيل. وحين اعتُقِل الإسرائيليون الذين كانوا يرقصون احتفالا بأحداث الحادي عشر من أيلول، حاولوا أن يقنعوا الشرطة بالقول: “أعداؤنا أعداؤكم. إن الفلسطينيين هم أعداؤكم.”
لكن أعداداً متزايدة من الأمريكيين، ومنهم مجتمع الاستخبار الأمريكي عموما، يدركون اليوم أن أعداء إسرائيل (العالم المسلم برمته الذي يعد أكثر من مليار ونصف مليار نسمة، ومعهم معظم العالم غير الأوربي) ليسوا بالضرورة أعداء الولايات المتحدة. والحقيقة، إن الولايات المتحدة تواجه الإفلاس وتضحي بآلاف الأرواح في حروب لصالح إسرائيل – حروب تضر المصالح الإستراتيجية الأمريكية، بدل أن تساعدها. (إحدى هذه المصالح، بطبيعة الحال، شراء النفط والغاز من حكومات مستقرة متعاونة.)
وإذ يتنامى الإدراك بأن أحداث الحادي عشر من أيلول لم تكن اعتداءً إسلامياً أصولياً، بل كان عملا خيانيا دمويا جبانا قام به أنصار إسرائيل، سيغدو أسهل من ذي قبل لصناع السياسة الأمريكيين، في حذوهم حذو كيسنجر ووكالات الاستخبار الست عشرة، أن يدركوا ما هو واضح: أن إسرائيل قد بلغت نهاية عمرها الافتراضي.
المصدر:
(نقلها إلى العربية: بسام أبوغزالة)
ملاحظه
المقال قديم لكنه مناسب للاحداث الآن

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار