الهجرة اليهودية المعاكسة.. ما لا تعرفه عن أسباب رحيل اليهود من فلسطين..موجات الهجرة العكسية للشباب الصهيوني إلى ألمانيا

الهجرة اليهودية المعاكسة.. ما لا تعرفه عن أسباب رحيل اليهود من فلسطين..موجات الهجرة العكسية للشباب الصهيوني إلى ألمانيا
تقرير خاص..
مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني: تراجع دافعية الشباب اليهودي للخدمة في إطار الوحدات القتالية وتحديدا في ألوية الصفوة في سلاح المشاة لهذا الجيش
كثير من الشباب الصهيوني بات معني بمسار ريادي شخصي
وهذا ما يفسر موجات الهجرة العكسية للشباب الصهيوني إلى ألمانيا تحديدا وخصوصا برلين…
رام الله – نادر الصفدي
رغم كل الإغراءات التي تُقدمها الحكومات الإسرائيلية، من مال وسكن وعمل وترفيه، لليهود مقابل البقاء واحتلال أرض “اللبن والعسل”، فإن الإحصائيات بدأت تُسجل أرقاماً مخيفة لهروب اليهود من أرض فلسطين، في تهديد مباشر لحلم “المشروع الصهيوني الكبير”.

“إسرائيل” تتعامل مع ملف “الهجرة المعاكسة” بحساسية وحذر كبيرَين، ودائماً ما تلجأ إلى إخفاء الأرقام الحقيقية لهجرة الإسرائيليين التي تضر بسمعتها ومشاريعها، لكن مراكز البحوث واستطلاعات الرأي ووسائل الإعلام غالباً ما تفضح تلك الأرقام، ضمن سياستها وصراعاتها الداخلية الدائمة مع الأحزاب الحاكمة.

محاولات دولة الاحتلال نزع الهوية الفلسطينية عن أبناء هذا البلد، وإعطاءها لليهود من خلال الجرائم والتهويد والنزعة الدينية المتطرفة، والاستيطان وسرقة الحقوق والأراضي الفلسطينية، لم تحقق النتائج المطلوبة لدعم المشروع “الصهيوني الكبير” بالأغلبية اليهودية، فالوجود الفلسطيني باقٍ يدافع عن هويته، في حين بدأ اليهود يسلكون طريق الهجرة، للبحث عن هوية وبلد آخر ينتمون إليه.

عوامل الطرد الديموغرافي من “إسرائيل” تعاظمت خلال السنوات الأخيرة، فأصبحت أعلى من عوامل الجذب إليها، بسبب دوافع وهواجس أمنية، وانعدام الشعور بأمنهم الشخصي في عمق جبهتهم الداخلية، لتشكل القوة الدافعة للهجرات اليهودية المعاكسة، أكثر من العوامل الاقتصادية المتمثلة في الضائقة المعيشية والوضع الاقتصادي.

آخر استطلاع للرأي أجراه معهد “ميدغام” للاستطلاعات لمصلحة مشروع “رحلة إسرائيلية” التابع لوزارة التربية والتعليم والجيش الإسرائيلي، في 2017، كشف أن 27% من السكان اليهود في “إسرائيل” يرغبون في الهجرة من البلاد لو تمكنوا من ذلك.

الهوية اليهودية الضائعة
التخبطات التي تعيشها “إسرائيل” ظهرت واضحة في هذا الاستطلاع، فبحسب ما ذكره فإن 36% من اليهود العلمانيين يرغبون في الهجرة منها، كما أن 7% من اليهود المتدينين يرغبون في الهجرة أيضاً. والأمر الأشد وقعاً على حكومة بنيامين نتنياهو، أن الراغبين في الهجرة هم من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 23 عاماً و29 عاماً، وهذا مؤشر واضح على أن اليهود لا يشعرون بالانتماء إلى الدولة والهوية.

تقرير خاص
يتسم الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بخصوصيته وتفرّده

ليس استطلاع “ميدغام” وحده ما أقلق “إسرائيل” وقضَّ مضاجع حكامها، بل إن “معهد القدس لأبحاث إسرائيل”، وفي تقرير نشره في مايو 2018، زاد من الأوضاع تأزماً حين كشف عن تنامي معدّلات “الهجرة السلبية المعاكسة” لليهود من مدينة القدس المحتلة، رغم الجهود الحكومية المتواصلة لتغيير الواقع الديموغرافي في المدينة بهدف الحفاظ على الأغلبية اليهودية فيها، مقابل تقليص الوجود العربي.

وأوضحت معطيات مركز الإحصاء الفلسطيني في مايو 2019، أن 47% من المستوطنين يسكنون في محافظة القدس، حيث بلغ عـددهم نحو 306.529 مستوطناً منهم 225.335 في القدس، وتشكل نسبة المستوطنين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 23 مستوطناً مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها بمحافظة القدس نحو 70 مستوطناً مقابل كل 100 فلسطيني.

وكشفت دراسات إسرائيلية حديثه أخرى صدرت قبل أشهر، عن تسجيل ما وُصف بأنه “ميزان هجرة سلبي” لأول مرة منذ عام 2009، داخل “إسرائيل”، إذ فاق عدد اليهود الذين تركوا فلسطين المحتلة أعداد من هاجروا إليها، وأنه في العام 2018 انتقل إلى خارج فلسطين المحتلة نحو 16.7 ألف إسرائيلي، غالبيتهم عائلات، في حين هاجر إلى “إسرائيل” 8500 إسرائيلي فقط بعد فترة تزيد على عام خارج فلسطين المحتلة.

وبينت الدراسة أن نسبة الذين يغادرون “إسرائيل” اليوم تصل إلى 2 من كل 1000، في حين أن نسبة الذين يهاجرون مرة أخرى إلى “إسرائيل” تصل إلى 1 من كل 1000، مشيرةً إلى أن أكثر من نصف اليهود الذين تركوا فلسطين المحتلة وُلدوا خارجها، وهاجروا إليها من أوروبا (64%)، ومن أمريكا الشمالية وأستراليا (25%)، ومن دول آسيا وأفريقيا (11%).

وبحسب معطيات الدائرة المركزية للإحصاء الإسرائيلي، فإنه منذ عام 1948 وحتى نهاية عام 2015، ترك فلسطين المحتلة 720 ألف يهودي، ولم يعودوا إليها، ويشمل هذا العدد الذين توفوا خارجها خلال تلك المدة.

وترجح التوقعات الإحصائية والبحثية الإسرائيلية أن يتزايد التعداد السكاني للعرب إلى درجة تجعل نسبة اليهود أقل من 50% بحلول عام 2020، وذلك إذا استمرت الهجرة المعاكسة، وتأزمت الأوضاع الأمنية والسياسية، وتعاظم دور المقاومة العربية في مواجهة الاحتلال.

وعن أسباب هذه الأرقام المخيفة، تحدثت وسائل إعلام عبرية بأن اليهود يعيشون حالة من النفور داخل “إسرائيل”، لعدد من الأسباب، منها أن حياتهم معرَّضة للخطر، خصوصاً أن هذه المستوطنات تقع خارج نطاق الجدار العازل الذي تبنيه دولة الاحتلال، وعدم شعورهم بالانتماء إلى الأرض والبلد، وشعورهم بسيطرة الهوية العربية على الأرض؛ وهو ما يدفعهم إلى النظر في مغادرة “تل أبيب” إلى أي جهة أخرى.

ولمواجهة هذه الهواجس، تسعى “الحركة الصهيونية” -التي تقدِّر أن 43% فقط من يهود العالم يقيمون في “إسرائيل”- إلى تكثيف حملات الهجرة، لجذب نحو 300 ألف يهودي من الأرجنتين وأمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا وإثيوبيا والهند، لتوطينهم في فلسطين التاريخية.

ويتسم الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بخصوصيته وتفرّده، فهو صراع على الوجود اتخذ أشكالاً وصوراً عدة؛ وقد اعتبرت “إسرائيل” منذ إعلان قيامها، أن الفلسطينيين “يشكلون خطراً ديموغرافياً عليها”، ولذلك استمرت محاولات الاحتلال الإسرائيلي الحفاظ على التفوق الديموغرافي على الجانب الفلسطيني من خلال تكثيف موجات الهجرة وجذب يهود العالم إلى “إسرائيل”، ومواجهة ارتفاع نسبة السكان الفلسطينيين، سواء في أرضهم أو العالم الخارجي.

تشجّع حكومة الاحتلال ومنظمات يهودية اليهود على الهجرة إلى “إسرائيل”
اقرأ أيضاً
الهجرة العكسية ترعب “إسرائيل”.. المغادرون لا يفضّلون العودة

لماذا يهاجر اليهود؟
هذا الملف وبأسئلته الشائكة والمتشعبة نقله مراسل “الخليج أونلاين”، إلى طاولة المختصين والباحثين الفلسطينيين، محاولاً إيجاد تفسيرات توضح الوضع القائم، وكذلك تقديم السيناريوهات المتوقعة القادمة على “إسرائيل” بقضية “الهجرة المعاكسة”، في ظل الظروف المحيطة محلياً ودولياً.

فيقول الباحث الفلسطيني، المقيم بالعاصمة اللبنانية بيروت، ثابت العمور: إن “موضوع الهجرة المعاكسة واحد من أهم التحديات التي تواجه إسرائيل وكل محاولاتها لحل هذه المعضلة، لكن الديموغرافية الفلسطينية نجحت وانتصرت عليها”.

وفي تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، يضيف العمور: إن “إسرائيل لجأت إلى استقدام اليهود الأفارقة، لمعالجة هذه الأزمة، إلا أنها وقعت في أزمة أكبر حين عجزت عن وضع مشاكل للفوضى الداخلية التي أحدثها الأفارقة الذين هاجروا إليها”.

وبحسب العمور، فإن اليهود هاجروا من “إسرائيل”، لأنهم لم يجدوا بلاد “العسل والسمن واللبن” كما وُعدوا، كما أن اليهود الذين هاجروا إلى دولة الاحتلال في السابق لم يستغنوا عن جنسياتهم الأصلية، وكان قدومهم إلى “إسرائيل” من أجل المصلحة فقط، ولتحسين ظروفهم المعيشية والاقتصادية، لكنهم صدموا بالعنصرية وارتفاع الأسعار وانعدام الأمن، والعسكرة، وعدم وجود لا عسل ولا سمن، لذلك قرروا الهجرة والهروب.

وعدَّ الباحث الفلسطيني من أسباب ارتفاع هجرة اليهود، دور المقاومة الفلسطينية والانتفاضات الشعبية، التي أدت دوراً مهماً في زعزعة الأمن داخل دولة الاحتلال، وأجبرتهم على الهجرة والبحث عن الأمن في دول أخرى.

ويلفت العمور إلى أن “إسرائيل” دولة بُنيت على استقدام اليهود وزيادة عددهم بالهجرة إليها، وهذه الخطة قد تنجح فترة معينة، وليست حلاً جذرياً لمواجهة الزيادة الطبيعية للفلسطينيين، مؤكداً أن دولة الاحتلال وصلت إلى مرحلة لم تجد فيها أي يهودي لتُحضِره، وهذا الأمر فعلياً يزعزع أسس “المشروع الصهيوني الكبير”.

ولنظرة أقرب إلى الواقع الداخلي الإسرائيلي، تحدث مراسل “الخليج أونلاين” مع الخبير في الشأن الإسرائيلي مؤمن مقداد، الذي اعتبر أن هذه المتغيرات قد حدثت بعد الانتفاضة الثانية (2000) وما تبعها من تطوُّر المقاومة الفلسطينية من الحجر إلى السلاح، وقد تضاعفت بعد فوز “حماس” في انتخابات 2006، وما واكب هذه الفترة من تطور الصواريخ والأنفاق، واختطاف الجنود في السنوات الأخيرة.

ويكمل حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “على مدار تلك السنوات، شكلت المقاومة هاجس خوف كبيراً بين سكان الكيان؛ دفع مئات منهم إلى الهرب إلى أوروبا، وقد كانت أعلى نسبة في الهجرة المعاكسة لمستوطني جنوبي فلسطين ومحيط قطاع غزة، لأنهم الفئة الأكثر تضرراً من المقاومة خلال الحروب الثلاث الأخيرة”.

ويضيف الخبير في الشأن الإسرائيلي: “البعض قد ينخدع بما ينشره إعلام الاحتلال عن استيعاب مئات من المهاجرين الجدد إلى فلسطين، لكن أعداد الهاربين تفوق بأضعاف ذلك، وإن الهجرة الحالية التي يسعى إليها الكيان هي استيعاب الأفارقة من اليهود، بهدف دمجهم في صفوف الجيش، وهذا ما ينذر بخطر تشعر به الحكومة الإسرائيلية”.

ويشير إلى أن تصعيد الاحتلال على الأرض خلق موجة من الانتفاضة الفلسطينية، دفعت مئات من اليهود إلى الهرب من فلسطين؛ خوفاً من انفجار وشيك بين سكان الضفة والقدس، موضحاً أن أعلى نسبة كانت عام 2017 بعد تصاعد وتيرة عمليات الدهس والطعن وثورة أهل القدس، كل ذلك جعل “إسرائيل” في حالة رهبة شديدة وبدأ يفقد قوامه.

وفي رده على سؤال متعلق بتأثير الهجرة على “إسرائيل”، أجاب مقداد: “عمليات الهروب المتتالية بأعداد كبيرة تمثل فقدان حلقة للمنظومة الصهيونية، واليهودي الذي يخرج من فلسطين ولا يقرر العودة لا يكتفي فقط بذلك، بل يُرهب عشرات من زملائه في أوروبا ويشرح لهم الواقع المرير الذي عاشه بفلسطين؛ وهو ما يسبب إحباطاً وتدميراً للمشروع الصهيوني، في جلب البدلاء من أوروبا لاستمرار كيانه”.

الجدير ذكره أن عدد سكان دولة الاحتلال يبلغ 8.680 ملايين نسمة، بينهم 6.484 ملايين يهودي، يشكلون 74.7% من السكان، في حين يبلغ عدد السكان العرب 1.808 مليون نسمة ويشكلون 20.8%.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار