وقف التنسيق الأمني.. الحقيقة والوهم

وقف التنسيق الأمني.. الحقيقة والوهم
بقلم: أحمد أبو زهري
أثار قرار الرئيس محمود عباس وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي موجة من الجدل حول واقعية القرار ومدى جدية السلطة للذهاب نحو هذا المنحى والأغراض التي ينوي سيادته تحقيقها هل هي وطنية هادفة للخلاص من الاحتلال عبر تسخين الأراضي الفلسطينية وصولًا لمواجهة شاملة تنذر باشتعال انتفاضة ثالثة.

أم أنها مجرد دعابة جديدة يمارسها لامتصاص حالة الغضب الشعبي ويروجها أمام العالم كورقة للمساومة يمكن أن تأتي بصيد ثمين يدفع الأطراف الدولية لتمهيد الطريق نحو جولة جديدة من التفاوض تحت صيغة مختلفة تعيد الأمل لمشروع التسوية بعد انهيار أركانه واصطدامه بجدران الاستيطان والتهويد وفرض السيادة اليهودية.

وهذا ما يجعلنا نضع خطوة الرئاسة على طاولة البحث للوقوف على حقيقة الإجراء وفحص إمكانية تحققها على الأرض، فمع تكرار تلويح السلطة بوقف التنسيق الأمني واتخاذها قرارات بهذا الخصوص يرى مراقبون أن المشهد لم يتغير، فقد استمرت اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية، ولم تتوقف مشاهد الملاحقة للمناضلين والنشطاء، كما أن الأجهزة الأمنية في الضفة لم تضطلع بمسؤولياتها في حماية المواطنين في الضفة الغربية في مواجهة الإعدامات والاعتقالات والاقتحامات المتكررة.

ففي الوقت الذي كانت تعلن فيه السلطة وقف التنسيق الأمني كان يحدث عكس ذلك تمامًا، في مفارقة عجيبة بين الموقف السياسي وترجمته في الواقع الميداني، الأمر الذي أفقد السلطة مصداقيتها أمام شعبنا الفلسطيني من جانب، والفصائل الفلسطينية من جانب آخر، وجعلها محط سخرية لبعض الإعلاميين والنشطاء، وأعطى صورة نهائية لما يمكن أن تفعله في ذروة غضبها السياسي من ممارسات العدو الإسرائيلي.

الأمر الذي جعل المواقف العربية أكثر ضعفا لتراجع الموقف الفلسطيني وعدم تحمله المسؤوليات الوطنية تجاه خطر جارف للحقوق، بل زلزال يفتت الوجود الفلسطيني، ويجعل المواقف الغربية أكثر رمادية في تفهم أغراض إسرائيل مع الأمل في إمكانية تحسين ظروف الفلسطينيين، أما الموقف الأمريكي فلن ينكمش أمام سلطة بلا مخالب تحترف الخطابات بالقطيعة في العلن بينما تتودد خلف الكواليس.

لكن ومن يدري فربما لن تكون الفرص دومًا متاحة لاتخاذ كل الخيارات وخصوصًا في ظروف مثل التي تعيشها السلطة، فهي تعتاش على المنح والمساعدات ولديها التزامات تلتف حول العنق، ما يجعلها غير قادرة على مخالفة التقديرات المعهودة، فهي سلطة تحت الاحتلال وليس لديها عصا سحرية لكل الأزمات والمخاطر المحدقة وهذا ما يقوله البعض.

وباعتقادي فإن الاستسلام للظروف الراهنة والتصرف بواقعية تريدها إسرائيل، وعدم الخروج عن المألوف يشكل انتحارًا سياسيًّا خطيرًا قد تتورط فيه السلطة، وتنعدم فيها خياراتها الوطنية أمام العدوان الكبير لالتهام باقي أراضي الضفة وفرض السيادة اليهودية تحت مرأى ومسمع سلطة ما زالت ترسل رسائل التطمين لإسرائيل بأنها غير معنية باندلاع انتفاضة ثالثة ولن تسمح بانتقال الفوضى للضفة الفلسطينية.

الأمر الذي يشير إلى أن السلطة تحاول إخماد النيران في الضفة عبر خفض حرارة المواجهة، ومنع الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، لضمان عدم بروز حالة جديدة مناهضة لإسرائيل قد تتشكل في لحظة ما، وتؤثر سلبًا في الأمن الإسرائيلي، وتفرض واقعًا جديدًا تكون فيه السلطة خارج اللعبة وقد فقدت كل شيء رسميا وشعبيا، وهذا ما يدلل بأن خطوة الرئاسة ليست إلا مناورة سياسية لاستعطاف الأطراف الدولية وتحريك مياه المفاوضات المتجمدة وإبقاء الرأس فوق الماء حتى الرمق الأخير.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار