بروفيسورٌ إسرائيليٌّ يُطلِق الصرخة الأخيرة قبل الهزيمة الكبرى..قيادة الكيان الحكيمة والقويّة اختفت وصُنّاع القرار الحاليين مثل نيرون يعزِفون على الكمان وإسرائيل تحترِق.

الناصرة-رأي اليوم
من زهير أندراوس
تشهد إسرائيل، في الفترة الأخيرة، جدلاً واسعًا حول غياب القيادة الحكيمة والقوية التي تقود الدولة، من غير أنْ تنحرف عن يهوديتها وصهيونيتها، حيث دقّ العديد من كتاب الأعمدة والمُحلّلين والخبراء ومراكز الأبحاث في الكيان ناقوس الخطر، إزّاء هذه الظاهرة التي تشهدها الدولة العبريّة في العقدين الأخيرين، في مقابل ضعف الجيش وتراجع هيبته، وهزائمه وإخفاقاته المتكررة، في لبنان وغزة، إضافة إلى تغلغل أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة في تفاصيل المجتمع الإسرائيليّ، واتسّاع تأثيرها في صنع القرار بشكلٍ سلبيٍّ، بسبب ضعف القيادات السياسيّة.
وقد أدّت هذه الظاهرة، بحسب مُحلِّلين سياسيين وأمنيين في تل أبيب، إلى إيجاد العديد من الثغرات والخلل في عملية اتخاذ القرارات الإستراتيجيّة والمصيريّة، التي تتعلّق بالحروب والعمليات العسكريّة، ما أدّى إلى هزائم وإخفاقاتٍ عسكريّةٍ وسياسيّةٍ وأمنيّةٍ، كان يُمكِن لإسرائيل تجنبها، وقد انعكست هذه الهزائم والإخفاقات على المجالات الاجتماعيّة والدينيّة والسياسيّة والثقافيّة، وأثرت كثيرًا في واقع المجتمع اليهوديّ بالكيان.
وفي هذا السياق، صدر في إسرائيل كتاب بعنوان “رسالة إلى القائد”، للكاتب الإسرائيليّ المُتطرِّف البروفيسور يحزقئيل درور، أستاذ العلوم السياسيّة بالجامعة العبريّة بالقدس، الذي أرجع هذه الظاهرة إلى التحلّل الدينيّ والتراثيّ والأخلاقيّ لدى القيادات اليهوديّة في إسرائيل، وتفرغها لتحقيق المكاسب السياسيّة والحزبيّة من مُنطلقٍ شخصيٍّ، على حساب الأجيال والأيديولوجيّة اليهوديّة الصهيونيّة.
ومن أبرز الإخفاقات، التي تسببت فيها القيادة السياسية لإسرائيل خلال العقدين الماضيين، بحسب البروفيسور درور، قرار الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان في صيف 2000، وخطة فكّ الارتباط والانفصال الأحاديّ الجانب عن الفلسطينيين في قطاع غزة عام 2005، وقرار الذهاب إلى الحرب ضدّ لبنان عام 2006، حيث أكّد أنّ اتخاذ هذه القرارات تمّ من دون بحثٍ مُعمّقٍ متعدد الجوانب.
وأشار إلى تقرير “تقرير مراقب الدولة” الإسرائيليّ عن الحرب على غزّة، التي شنّها الجيش في 2014، ليجدد الجدل حول تراجع هيبة الجيش، والتأثير السلبيّ لأجهزة الاستخبارات في صناعة القرار، حيث أظهر التقرير تقصيرًا في أداء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية خلال الحرب، وعدم اطلاعه على ما وصفه بحقيقة خطر الأنفاق، التي شكلّت مفاجأة للجيش عجزت أجهزة الاستخبارات الخمسة عن الكشف عنها، أوْ حتى معرفة وجودها من الأساس، فيما يتصارع جهازا (الشباك) و(الموساد) على الصلاحيات، للسيطرة على القطاع.
كما يلفِت الكتاب وبكلّ وضوحٍ إلى أنّ إسرائيل دولةّ نوويّةً حققت الحماية والأمن للشعب اليهوديّ، وهي تتحمّل المسؤولية عن مستقبله وتعزيز مكانة اليهود في الشتات، ويرى الكاتب أنّ هذه القوة تُلزِم إسرائيل بالعمل على بناء سلامٍ شاملٍ في المنطقة، لأنّ الذي يبني السلام، بحسب الكتاب، هو القويّ وليس الضعيف.
بناءً على ما تقدَّم، يؤكِّد المؤلف أنّ ولوج عملية السلام هو معركة بلْ هو جزءٌ من التحدّي في ظلّ تنامي العنف والإرهاب والعمليات التفجيريّة، لذلك ينبغي على إسرائيل أنْ تُحافِظ على تفوقها الأمنيّ والعسكريّ، لأنّ ذلك سيُحافِظ على عملية السلام ويدعمها، لا بلْ سيضع حدًا للإرهاب في المنطقة.
ويرى الكاتب أنّه لا بُدَّ من التركيز على بناء علاقات حسن جوارٍ مع الدول العربيّة والإسلاميّة في إطار اتفاقيات سلامٍ ناجحةٍ لخدمة الأجيال، وإلّا فإنّ عكس ذلك سيكون تنامي العنف والإرهاب والتطرف، ويُوجِّه الكاتب رسالةً إلى قادة الكيان القدامى والمحدثين تؤكِّد على ضرورة الاهتمام بالأجيال.
وطبقًا له، فإنّ الخيار النوويّ وخيار القوّة والتسلّح ضرورة لكنّه لا يكفي في نشر الاجتماع السياسيّ والعلاقات مع العرب والفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة، فكما الخبرة والتطوّر والتكنولوجيا واستجلاب الخيار النوويّ يخدِم الشعب فإنّ العزيمة والقوّة في البحث عن العيش الكريم للأمّة والشعب اليهوديّ هو مطلبٌ هامٌ ومركز بما يخدم الأجيال، لأنّه لا يعقل بتاتًا أنْ تعيش إسرائيل، ورغم ما تملك من قوّةٍ في بيئةٍ عدائيّةٍ تكون فيها منعزلة عن الواقع الذي يحيطها.
إلّا أنّ الكتاب، ورغم ما يطرح من أفكارٍ حول التعايش مع الآخرين من أجل الحفاظ على القوة، يُركِّز على ضرورة قيام حكومة إسرائيل ومسؤولي المعارضة وأعضاء الكنيست والشعب كلّه في تعميق فكرة أنْ تكون إسرائيل دولة اليهود والصهاينة فقط، أيْ خاصّةً فيه خشية من تنامي الصراح الديمغرافيّ، إضافةً إلى ضرورة الاهتمام بالشعب اليهوديّ في الشتات ومحاولة إغرائه للحضور والعيش في إسرائيل، مع التأكيد على الحفاظ على الديمقراطيّة والاهتمام بالأقليات، كما جاء في الكتاب.
البروفيسور درور نشر أخيرًا مقالاً بصحيفة (هآرتس) العبريّة أكّد فيه أنّه في الوقت الذي تُواصِل إيران سباقها نحو القنبلة النوويّة، التي تُشكّل خطرًا وجوديًا على إسرائيل، يستمِّر أقطاب الكيان بالعزف على الكمان، ما يُذكِّر بما فعله نيرون عندما أحرق روما، لافِتًا إلى أنّه فقط دولةً مع مزايا الانتحار، تتصرّف كما تتصرّف إسرائيل، ففي الوقت الذي تزداد حدّة التهديد الإيرانيّ الوجوديّ، أضاف درور، يغرَق قادة تل أبيب في كيفية تشكيل حكومةٍ، عوضًا عن تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيّةٍ لدرء الخطر الإيرانيّ-النوويّ الداهِم، مُشدّدًا على أنّ إسرائيل، التي أقنعت واشنطن، بالانسحاب من الاتفاق النوويّ، لم تطرح بديلاً مُقنِعًا لوقف البرنامج النوويّ الإيرانيّ، وبالتالي سمحت واشنطن وتل أبيب، من حيث تعلمان لطهران بمُواصلة السباق نحو القنبلة النوويّة، كما قال.
قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار