المثقف هو من يؤمن بأن تشريع الإحتلال خيانة …!

أعتقد أن مصطلح المثقف ظهر في التاريخ الفكري والأدبي والفلسفي الأوروبي بشكل جليّ ومهيمن مع نهاية القرن التاسع عشر, وخصوصا بعد ان تزعم بعض المفكرين والكتاب والشعراء الفرنسيين (ومن ثم الاوروبيين) من أمثال الروائي الفرنسي (الكبير) إميل زولا, حملة إعلامية هدفت إلى تبرأة الخائن اليهودي في الجيش الفرنسي الفريد درايفوس, وإثبات ان القرار الذي أتخذ ضده يندرج تحت مقولة ما سميّ من حينها (معاداة للسامية) وكان ذلك بعد سنتين من إنعقاد المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897.. ومن ثم إستغلال هذه القضية التي جعلت من الخيانة تطرح لأول مرة كوجهة نظر للترويج لحالة الظلم (المصطنع) التي تلحق باليهود الفرنسيين بشكل خاص واليهود الاوروبيين بشكل عام… وكان كل ذلك لخلق بيئة ثقافية فرنسية ومن ثم أوروبية مهجنة وداعمة لإغتصاب فلسطين وإرتكاب المجازر ضد أهلها (نفس المنطق الذي عمل عليه رموز التفريط وتشريع الإحتلال الذين اوجدوا بيئة ثقافية فلسطينية منتفعة ومهجنة وداعمة لتشريع الإحتلال والتخابر والتنسيق الامني مع الصهاينة, وخصوصا منهم سماسرة الفكر الإنتهازي واصحاب الاقلام الرمادية وإعلاميي الحكام!)… وتعود جذور قضية الخائن اليهودي درايفوس إلى الحرب الفرنسية الألمانية, التي كانت فيها الإستخبارات الفرنسية تجند يهود الألزاس واللورين الذين يعرفون الألمانية للتجسس لحسابها. كما كانت الإستخبارات ألمانية تجند يهود فرنسا للتجسس لحسابها… بينما في الواقع كان اليهود وبتوجيه من حاخامتهم وبدعم كلي من المرابين يتآمرون على الفرنسيين والألمان معاً, بهدف تصعيد عمليات القتل والإرهاب بينهما, ولتبقى اسواق السلاح والإرهاب مزدهرة!… وهكذا جندت المخابرات الألمانية ضابط المدفعية اليهودي الفرنسي ألفريد درايفوس ليعمل جاسوسا لحسابها. وحين إنفضح أمره بعد قيامه بسرقة وثائق عسكرية سرية بمساعدة الماسونيين الفرنسيين, وتسليمه هذه الوثائق إلى الملحق العسكري الألماني في باريس. وجهت إليه المحكمة العسكرية الفرنسية تهمة الخيانة العظمى, وحكم عليه بالسجن والطرد من الجيش عام 1894, وأرسل إلى جزيرة الشيطان (ديفلز أيلاند) في غيانا التي كانت حينها مستعمرة فرنسية, ليقضي حكماً بالأشغال الشاقة فيها.. وفي الحقيقة رحبت الصحافة الفرنسية حينها بالحكم الصادر بحق الخائن درايفوس. لكن بعد فترة وبضغط من الصهيونية وخصوصا من زعيمها ثيودر هرتزل, والذي قيل حينها أن واقعة درايفوس تركت أثراً عميقاً في نفسه, لدرجة أنه أكتشف عبث محاولة إندماح اليهود مع المجتمعات الاوروبية!… وهذا ما شجعه للإتصال بالسلطان العثماني عبد الحميد وعرض عليه مجموعة من العروض المالية المغرية لإغتصاب فلسطين, وأصبح معلوماً لدينا كيف كان رد السلطان عبد الحميد على كل عروض هرتزل… لذلك عملت الصهيونية بعد عقد مؤتمرها الأول وبالتنسيق مع المحافل الماسونية الفرنسية للعمل على تجييش المثقفين الفرنسيين لمناصرة المشروع الإغتصابي في فلسطين… ولتتخذ من قضية الخائن درايفوس نقطة البداية لتحقيق هذا الهدف, من خلال إعادة طرح محاكمته على الإعلام الفرنسي بعد إظهاره على أنه ضحية لعنصرية المجتمعات الأوروبية ضد اليهود, وليس كما هو بالواقع على أن الشعوب الاوروبية كانت ضحية مؤامرات اليهود وفتنهم وإرهابهم وذبح أطفالهم للإستفادة من دمائهم في أعياد البوريم اليهودية!…
والملاحظ أن أميل زولا ومجموعة المثقفين من الذين حملوا لواء الدفاع عن الخائن درايفوس (وما اكثر السحيجة والإعلاميين وسماسرة الفكر الفلسطيني الذين يحملون لواء الدفاع عن الخونة), لم يكترثوا لهزيمة فرنسا النكراء أمام المانيا بفضل الوثائق العسكرية المسربة من درايفوس وامثاله اليهود. كما لم يكترثوا بأهل فلسطين وما سيواجهونه من مصير أسود جراء دعمهم لمخططات الصهيونية التي أستغلت قضية درايفوس في دعوة يهود اوروبا للهجرة وإغتصاب فلسطين… هذه الحملة التي انتهت بفرض معايير على حرية الثقافة الفرنسية, وخصوصا بعد أن تم إلزام المثقفين الفرنسيين بعدم التعرض لأهداف الصهيونية واطماع اليهود في فلسطين( واعتقد ان هذا الإلزام يشمل إعلاميي سلطة التنسيق الامني المقدس كما يشمل إعلاميي كيانات التطبيع وتشريع الإحتلال الصهيوني لفلسطين)!… وإلا تهمة معادات السامية (احد الأساطير التي وظفت لصرف النظر عن ممارسات اليهود وجرائمهم بحق البشرية) جاهزة لكل من يحاول تفنيد الاكاذيب الصهيونية التي وظفت في إغتصاب فلسطين!.. ولعل جميعنا يذكر تلك التهم المعلبة والجاهزة التي وجهت ضد المفكر الفرنسي روجيه جارودي بسبب كتابه (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية), والذي إنتقد فيه أكذوبة (الهولوكست), وطعن في صحة رقم الستة ملايين المعلن صهيونيا عن عدد الضحايا اليهود في محارق هتلر الإفتراضية!… حيث حوكم جارودي بمقتضى القانون (غايسو) الفرنسي الذي انجبته تلك المعايير الثقافية الفرنسية التي أنجبتها حملة زولا … لكن ما حدث في قضية درايفوس أن المحكمة العسكرية أعادت إدانة الخائن درايفوس بالتهم الموجهة إليه وبالقرائن الدامغة… وهذا ما دفع بالرئيس الفرنسي إميل لوبيه حينها إلى استصدار قرار بالعفو الخاص عن درايفوس بعد ستة أيام من قرار المحكمة!..
والحقيقة ان الروائي الفرنسي إميل زولا كان قاد حملة تجييش للمثقفين الفرنسيين دفاعا عن الخائن درايفوس وصفها جورج كليمنصو الذي كان في حينها زعيم اليسار الراديكالي (قبل أن يشغل منصب رئاسة الحكومة ويقود مؤتمر السلام المنعقد في فرساي الذي شرع عصبة الامم), بأنها: تعبئة عامة للمثقفين الفرنسيين… ففي عام 1898 اصدر زولا ومجموعه من المثقفين الفرنسيين بيان نشر في جريدة الفجر, بعنوان : إني أتهم (مرفق الصورة). يدافع به عن الخائن درايفوس ويطالب فيه بمراجعة الحكم ضده. ووقع البيان بإسم جماعة المثقفين (les intellectuels).

وأعتبرت هذه اللحظة هيّ بداية ولادة مفهوم المثقف في التاريخ الفكري والثقافي الأوروبي. لذلك كان إختيار فرساي كمركز لصياغة فلسفة الشرعية الدولية التي ستشرع وعد بلفور, كما ستشرع تقسيمات سايكس بيكو.

هو بمثابة دعم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى للمشروع الإغتصابي في فلسطين, كما كان بمثابة إعتراف هذه الدول بالإنجازات التي حققتها الصهيونية على صعيد تهجين الثقافة الفرنسية, والتي ستعتمد كأساس مجرب لتهجين ثقافة جميع الدول المنضوية تحت لواء هذه الشرعية المنبثقة من فرساي… وهكذا أطلق مصطلح المثقفين على المهجنين بثقافة وفلسفة الشرعية الدولية, والذين يمثلون روح المشروع الصهيوني وليس ضمير شعبهم وملح ارضهم المبارك!…

مهندس حسني الحايك.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار