من التطوّع إلى ثقافة المقاومة ليلى صعب.. سيدة في الزمن الصعب

جهينة – أحمد علي هلال

ما اعتادت المرأة السورية إلا أن تكون في المقدمة بوصفها سيدة ومناضلة ومثقفة ومبدعة ونائبة ووزيرة وأماً وسادنة جيل وأمّة ووطن.. أبحرت في غير زمن ومثالاها الراسخان جبل الشيخ وجبل قاسيون ليزيداها صلابةً وخصوبةً لأزمنة أخرى، وذات إطلالة من قاسيون رأت حلمها يورق رويداً رويداً فألبسته روحها وصبرها لتذهب في محكيات يومياتها المفتوحة أبداً، العمل والعمل ثقافة وأسلوب حياة.. إنها السيدة ليلى صعب مديرة ثقافة ريف دمشق.. من شرفتها في جبل قاسيون أطّلت بعيداً، لعلّ النظرة ذاتها كانت تستشرف حلماً داعب مخيلتها، فسعت إلى تحقيقه بكل ما أوتيت من شجاعة وصبر وقوة روح.. صبيحة يوم (حزيراني) ساخن، لعله شكّل عام الولادة ليس بالنسبة لها كفتاة بِكر لأسرة صغيرة، بل عام الولادة لبلد طالما عانى الظلمة ليبقى عام 1970 شارة نصر ووساماً يشعرها بالزهو كلما سئلت عن مواليدها قالت: دمشق 6/6/1970.
شغف البدايات.. كثير من العمل والأمل
تعددت عطاءاتها منذ أن اتصلت ببيئة ريفية ناهضة ودخلت أجواء اجتماعية وحياتية في بيئة لا تعرف شيئاً عندما ارتبطت بمثقف ينتمي إلى أسرة فلاحية واعية، لتقول الأستاذة ليلى صعب: (اتفقنا على مفردات الحياة، وبدأت المعركة على جبهات عدّة أولها متابعة الدراسة في ظل بيئة تعتبر المرأة مكانها المنزل وتربية الأطفال، وثانيها بناء الأسرة ومتطلبات منزل واسع بما يحتاجه من تدبير، أما المعركة الأهم فهي إثبات الوجود في مواجهة مجتمع ريفي).
وبدأت بالتغيير في منظومة العادات والتقاليد لتكون أول امرأة تحضر الاجتماع الحزبي منفردة بين الرجال لتعيد إحياء وحدة الاتحاد النسائي في القرية كنواة لحالة من الوعي الاجتماعي أدى على مدى سنوات إلى تغيير في نظرة المجتمع للمرأة، ومن هنا جاء وقوفها على واقع المرأة السورية وما تعانيه وتكابده من تحديات مجتمعية ومفارقات حياتية، فكان لها أن تماهي بين مفهومها لثقافة التطوع والانخراط في أعمال بعينها لتمكّن المرأة الريفية من اكتساب حقوق تعيد لها دورها في سياق عطائها للمجتمع، والأدّل محاولتها في الاتحاد العام النسائي آنذاك منح المرأة القروض والمنح التي ساعدتها في التغلب على تحديات بيئتها وأخذها أدوارها الاجتماعية، تقول الأستاذة ليلى صعب: (المرأة تمتلك الإرادة وقادرة على تحويل الظلم باتجاه إيجابي).
وكان ذلك يتمّ في أول دورة لتعليم كبيرات السن ومحو الأمية والندوات الصحية والقانونية، التي ساعدت على نشر الوعي، وهكذا وصلت إلى قيادة رابطة (قطنا) للاتحاد النسائي فرئيسة لها، إذ تعتبر أن الإنجاز الأهم في حياتها على مستوى القرية هو روضة الأطفال التي تستوعب ما يزيد على 150 طفلاً.. فهي المسكونة منذ وجدت نفسها بسؤال كبير: ماذا أستطيع أن أقدم للمرأة السورية؟، وهكذا اكتمل حلمها باجتراح خطط لتنمية المرأة الريفية، متماهية مع ذات كان هاجسها الأول الشغف والبحث، مستمدة من والدتها التي أتقنت جميع الحرف اليدوية ذلك الشغف بالطبيعة في تناسقها وانسجامها لتكون مثالها، لكن ليلى صعب وهي تذهب لأفق واسع من العمل والارتقاء بثقافة المرأة الريفية انفتحت على مفهوم الاقتصاد المنزلي من خلال خبرتها في التدبير المنزلي، فضلاً عن إطلالاتها الإعلامية التي ساهمت في تكريس ثقافة أخذت تتراكم في وعيها، كان عنوانها الأبرز من التطوع إلى إنجاز الثقافة.
معوّقات وتحدّيات
كان لمن ينطلق من البُعد الثقافي أولاً، وبأبعاد تنويرية أن يُواجه في بيئة تقليدية بظلم العادات، وفي ذلك السياق تقول ليلى صعب: في مواجهة هذه الظروف لم أكن لأتمكن من شقّ طريقي وتحقيق ذاتي بإنهاء دراستي الجامعية، رغم بعد المكان والواقع الاجتماعي الصعب والذي مازال يحدّ من حرية المرأة، لولا لوجود زوجي بجانبي يحثّني على العمل ويدفعني للدراسة والتحصيل والمشاركة في النشاطات على مستوى القطر.
في الأبعاد الثقافية الأخرى
لئن كان مهادها – ليلى صعب- هو الانطلاق من الشغف والمعرفة والوعي بأن تُنجز وتقوم بدورها كسورية يكتمل في وعيها الجمعي ما أنجزته المرأة السورية، ومن خلال مواقعها وأدوارها المختلفة فإن ذهابها لتفعيل الثقافة بوصفها شاعرةً وأديبةً راحت الآفاق تنفتح أمامها لتكون مديرة ثقافة ريف دمشق، وتشرف على مهرجان في قلعة جندل وليصبح المهرجان أحد تقاليد الحياة الثقافية السورية، وإعادة إحياء تقاليد ثقافية تسهم في تنوير ذلك المجتمع، دخولاً إلى بنيته المجتمعية وتحريراً للنظرة السائدة كما السلوك، لا سيما أن ذلك المهرجان كما تصفه الأستاذة ليلى صعب كان بمنزلة إرهاصات أولى شكلت ردة الفعل الإيجابي عمّا تعرضت له سورية في بدايات العدوان عليها، فهي تعتبره المهرجان رقم صفر، كما عملها على الاشتغال باليوم العربي للبيئة بالتعاون مع محافظة دمشق كتحدٍ كبير رأته في قرية بعيدة عن العاصمة، ولتشرف أيضاً على ملتقى ثقافي بعنوان طموح هو (بيدر النجوم)، الذي جمعت فيه أجيالاً مبدعةً بعضها مخضرم وبعضها واعد، أي لتخلق بيئة موازية للانتقال بالوعي إلى ما كان ذات يوم هاجساً رئيساً لها، بل لتذهب أكثر في مراكز الريف الثقافي لتشرف على فعاليات ثقافية تكرّس الثقافة بكل أبعادها في المجتمعات المحلية، ذلك أن الثقافة في وعيها كلٌّ واحدٌ لا تتجزأ، أي إن أفعال الثقافة تدرّجت من وعي التراث والتقاليد بوجهها الإيجابي الناصع إلى إحياء الموروث الثقافي والذاكرة الثقافية والذي غطى بمساحته مراكز ريف دمشق، وجعل من الثقافة حالةً مجتمعيةً كدليل على استنهاض الوعي.
الهمّ الإداري والثقافي
أتاحت لها ثقافة وفلسفة الإدارة، الاستثمار في حقل الثقافة والانطلاق منها إلى غير أفق سيتسع بمرور الوقت وكل ذلك كان حصيلة اجتهادها وتفرّغها التام في معادلة الإدارة والثقافة، إذ إن الثقافة تحتاج إلى الإدارة كما تحتاج إلى خطط ومنهجيات واستراتيجيات بعيدة، وفي هذا السياق تقول ليلى صعب: لعلّنا اليوم نحتاج إلى روح الوطنية تطبيقاً لا مفهوماً فحسب، إذ كثرت الآراء حول الوطنية، وثمّة من يتخذ من الوطنية ارتباطاً وتعزيزاً لدور الانتماء إلى المكان، وآخرون يفسرون الوطنية بأنها عامل ثقافي ومنهجي وعلاقة بين المواطن ووطنه.. وفي رأينا أن الوطنية هي كل هذا في حال تمّت المحافظة على الهوية.
المقاومة ثقافة وانتماء
ثقافة وطن وثقافة إنسان، هي جدليتها الأثيرة بعد خمسة وعشرين عاماً من العمل التطوعي، لا سيما أن أكبر محنة رأتها هي ما تمرّ به سورية، وكيف تلتقي في روافد الثقافة بوجهها المقاوم تلك الخطط والبرامج، لتكون انطلاقتها وتأسيسها لملتقى (المقاومة ثقافة وانتماء) بدوراته الثلاث منذ عام 2015، إذ بدأت هذه النشاطات في ذكرى رحيل القائد المؤسس حافظ الأسد، لتشمل كافة المراكز الثقافية، وخاصة ذات الدلالات الجغرافية والوطنية مثل جبل الشيخ والقلمون الشرقي والغربي وصيدنايا ومعلولا، حيث شملت أكثر من ثلاثين مركزاً ثقافياً في ريف دمشق، وتناولت كل أنواع النشاطات والفعاليات والمهرجانات الثقافية والعروض السينمائية لأفلام تجسّد بطولات الجيش العربي السوري والمقاومة، هذه النشاطات التي تُوجت بإقامة هذا الملتقى لتعقبه الملتقيات الأخرى والتي أصبحت تقليداً ثقافياً ينطلق من استنهاض ثقافة المقاومة، وتجسّد وتمثّل قيمها والارتقاء بالأداء الثقافي كي يليق بإنجازات الجيش العربي السوري والمقاومين على الأرض، وبغية مدّ الجسور مع المثقفين والكتّاب المقاومين لإعادة إحياء الإنتاج الثقافي المقاوم، وانطلاقاً من المسؤولية التاريخية للمثقف في صياغة وعي الأمة لمواجهة الفكر الظلامي والمشاريع الاستعمارية، متخذاً من قول السيد الرئيس بشار الأسد شعاراً دائماً له: (عليكم بتكريس ثقافة المقاومة لمواجهة ما تتعرّض له الأمة من تحديات)، فضلاً عن توجيهات وزارة الثقافة بأن الثقافة هي صنو المقاومة، والكلمة أخت الرصاصة، فهذه تدفع إرهاب القتل، وتلك تدفع إرهاب الفكر الظلامي، ليحمل الملتقى بدوراته الثلاث عناوين دالة: (المقاومة ثقافة وانتماء، الجولان بوابة فلسطين، الثقافة وطن ومقاومة).
بكُم نمضي وننتصر
هي أقانيم المقاومة التي ظلت الأستاذة ليلى صعب في محاريبها وفي دروبها حارسة وسادنة، فهي المترعة بأسئلة الثقافة، ولتكون الثقافة بأفعالها ما يوازي أفعال الجيش العربي السوري والمقاومين، ولسان حالها يقول بكُم نمضي وننتصر، بوصفها تعكس أنموذجاً لسيدة سورية سعت لأن تكون قوة المثال لسيدات سورية اللواتي نهضن بأدوارهن التاريخية ليكتبنّ أسفاراً جديدة في أبجدية الوطن، تلك السيدة في الزمن الاستثنائي ترجمت وطنيتها بصمت ورسمت بقلم رؤيتها صورة أخرى للوطن حينما تتناغم مكوناته لتجهر بثقافة/ مشروع، ويذهبن بيومياتهن إلى الإنجاز، وليصبح الوعي السوري الجمعي أكثر خصوبةً بتعبير المقاومة واستحقاقاته على الأرض، فمن خشي على المرأة يوماً أن تخسر مكتسباتها، هو من عمل على أن تكون المرأة وطناً بذاته ينبغي اجتراح سبل الدفاع الذكي عنه.. إذاً هي سيرة في صور متواترة تندى بجهد موصول، وترقى إلى أن تكون في المعادلة الصعبة، لكنها ليست المستحيلة.

ليلى صعب- سطور وعناوين:

• تحمل إجازة في اللغة العربية وآدابها – دبلوم تربية.
• تدرجت في الاتحاد النسائي من رئيسة وحدة إلى مرشحة مكتب تنفيذي.
• تمارس العمل الاجتماعي التطوعي بكل صوره بهدف التغيير في نمط تفكير المجتمع الريفي.
• محاضرة في قضايا تمكين المرأة.
• مديرة ثقافة ريف دمشق بعد 25 عاماً من العمل التطوعي.
• لها مشاركات بحوارات وندوات عبر القنوات الوطنية السورية فيما يخص الوطن والسياسة، وموضوعات اجتماعية وتربوية.
• حازت على جائزة ميسلون للإبداع الأدبي عام 2004.
• رئيسة رابطة قطنا للاتحاد النسائي من 2007 ولغاية 2010.
• رئيسة مركز قلعة جندل الثقافي من عام 2010 ولغاية 2015.
• قامت بتنظيم مهرجان قلعة جندل الثقافي السنوي، الذي بدأ بدورة تجريبية عام 2010، ثم استمر أربع دورات منتظمة سنوياً كان آخرها عام 2015.
• مهتمة بالأدب والشعر ولها مساهمات في الصحافة الأدبية.
• مهتمة بالفنون اليدوية وما يتعلق بالأسرة من تدبير منزلي وأشغال يدوية وتطوير بيئة واقتصاد منزلي.
• شاركت في البرنامج الأسبوعي (صباح الخير) على الفضائية السورية عبر تقديم زاوية تهتم بشؤون الأسرة.
• تقول ليلى صعب: (سمّاني والدي ليلى تيمناً بحبه الأول، وبقي الحب يقطر من فمه كلما ناداني، فكنت باكورة الحلم لزوجين غادرا القرية النائية في جنوب سورية بحثاً عن سبيل العيش، وسعياً وراء الطموح لرب الأسرة ذي الثالثة والعشرين وأم ذات عشرين ربيعاً.. في أكناف منزل من المنازل التي تتسلق سفح قاسيون نشأت فانطبعت صورة دمشق مدينة خالدة في بالي، وحامت عيني الصغيرة تبحث عن حمائم الأموي في سمائها، وتحصي مآذنها الخضراء المضاءة ليلاً، كنت حلم والدي)
الصحفي والناقد الاستاذ احمد هلال

الجمعة, 1 كانون الأول 2017

العدد99

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار