كيسنجر ونبوءة نهاية “إسرائيل” في العام 2022

بعد تصريحاته بضرورة أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية باحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الاستراتيجية, خصوصاً أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى, وأنه لم يتبق على تلك الخطوة سوى خطوة واحدة وهي ضرب إيران, وأنه عندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما للدفاع عن مصالحهما في تلك البقعة الجغرافية من العالم سيكون “الانفجار الكبير” والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي “إسرائيل” وأميركا قد وقعت وانتهى الأمر, حينها سيكون على “إسرائيل” القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط. هاهو اليوم ومن جديد يخرج علينا وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر بتصريح صحفي نقلته عنه صحيفة النيويورك بوست, وهو تصريح لا يقل إثارة وغرابة من تصريحه سالف الذكر والذي أدلاه لصحيفة الديلي سكيب الأميركية, حيث يقول كيسنجر هذه المرة, وهو أحد أهم وأبرز الباحثين السياسيين المخضرمين, ومنظري ومهندسي السياسة الخارجية الأميركية لعقود طويلة, “إنّه بعد عشر سنوات لن تكون هناك إسرائيل”، حيث تؤكد المحررة في الصحيفة المذكورة سيندي آدمز، أن مقالها الذي نشرت فيه هذه التصريحات كان دقيقاً، موضحة أن كيسنجر قال لها بنفسه هذه الجملة ونصها حرفياً: (In 10 years, there will be no more Israeal), وبالتالي فإن “إسرائيل” لن تكون موجودة على الخارطة الدولية بناء على “نبوءة كيسنجر” في العام 2022م . وبالعودة قليلاً إلى الوراء، أي إلى ما قبل أن يقوم كيسنجر بقراءة طالع إسرائيل المشؤوم, فإن هذا التاريخ، أي العام 2021 م والعام 2022م تحديداً تم تداولهما في العديد من أدبيات قراء الطالع والنجوم وبعض المتخصصين في المثيولوجيا حتى في “إسرائيل” نفسها, ويمكن متابعة مثل هذه النبوءات بكثرة على شبكة الانترنت, بل وقد كتبت فيها كتب ومجلدات كثيرة ـ بعضها من الكتب المرموقة والمحترمة ـ ككتاب زوال “إسرائيل” نبوءة قرآنية أم صدفة رقمية, والذي صدر في العام 1992م لمؤلفه بسام جرار, وهو أستاذ الرياضيات في جامعة القدس؛ طُبع عام 2000 بدمشق، وصدر عن دار الشهاب, وغيرها الكثير من الكتب والمقالات والدراسات. على العموم فإننا لسنا هنا في صدد إضافة رؤية جديدة أو نبوءة جديدة إلى تلك القائمة الطويلة من النبوءات التي تدور في فلك التكهن أو التمني طويل الأجل, والذي جرت حتى الآن الرياح بها بما لا تشتهي سفن بعض أصحاب ومزاولي مهنة قراءة الطالع والنجوم, أو الذين تقف حدودهم عند الأمنيات والتمني فقط, ولكننا في صدد تحليل الذهنية الكيسنجرية التي مازالت مستمرة – من وجهة نظرنا – في انحدار التركيز والمصداقية وتردي الأفكار والآراء والانجراف وراء خليط من الأساطير والمثيولوجيا الدينية والسياسية التنظيرية, وتأثره كما أشرنا في مقال سابق تحت عنوان قراءة في سيناريو “الانفجار الكبير” بمرجعيته الأصولية والأيديولوجية الصهيونية والتي انعكست على لغة خطابه السياسي, أو تصريحاته الصحفية والإعلامية. وهو إن دل على شيء فإنما يدل على وصول هذا الرجل إلى مرحلة عمرية وصفها العلي القدير بأرذل العمر, يقول سبحانه وتعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) صدق الله العظيم, وبعيداً عن شخص كيسنجر فإن تصريحاته من جهة تناقض بعضها بعضاً, فالمتابع لها يجد أنه فاقد لقدرته على التركيز والربط بين ما يقوله اليوم من أفكار وآراء وتصريحات وبين ما قاله قبل فترة قريبة وربما ما سيقوله في الأيام والشهور القادمة, وإلا فكيف ل”إسرائيل” حتى من خلال “الكهانة والعرافة وقراءة الطالع” أن تنتصر هي والولايات المتحدة الأميركية وتحتل نصف الشرق الأوسط في حرب كبرى قادمة محتملة توقعها كيسنجر في تصريح سابق وبين زوالها بعد عشر سنوات في تصريحه الأخير؟! نعم… ربما هناك فكرة أخيرة, نعتقد أن كيسنجر انجرف وراءها عاطفياً وفكرياً دون تركيز, ويمكن أن نربط ما ورد فيها من أفكار وتكهنات رغم (عدم قناعتنا) بها لا من قريب ولا من بعيد, بأفكار هنري كيسنجر تلك, والتي نعتقد أن هذا الأخير غارق فيها, رغم أنها وبالرغم من ورودها في العديد من الأساطير والمثيولوجيا السياسية والدينية الإسرائيلية القديمة, إلا أن تصريحات كيسنجر السابقة والواردة في صحيفة الديلي سكيب الأميركية تناقضها تماماً, وبالتالي فكل تصريح منهما يفند الآخر ويحول دون مصداقيته. والنبوءة التي نقصدها هنا هي تلك التي أعلن عنها حاخامات معهد هارجتسيون الديني في القدس المحتلة في العام 2010م , وقد نشرت في العديد من مواقع الانترنت والصحف الغربية في حينها, ومن أبرز عناوينها “حاخامات اليهود: نهاية العالم بعد عامين والقيامة بعد ربع قرن!!”, أي بين عامي 2011 و2012م , طبعاً لم يحدث أي شيء من ذلك حتى اللحظة, ونحن على يقين – والعلم لله – أنه لن يحدث أي من ذلك خلال الفترة القريبة القادمة – وتلك النبوءة تقول: إن الأحداث الكبرى أو الحرب الكبرى ستبدأ بهجوم مباغت تشنه دول عربية وإسلامية ضد “إسرائيل” بعشرات الآلاف من الصواريخ، وستنطلق شرارة هذه الحرب من طهران حيث يعلن الرئيس أحمدي نجاد الذي ورد اسمه في سفر حزقيال – حسب ادعائهم ـ الحرب الشاملة ضد “إسرائيل”. حينها سيتحالف معه في هذه المعركة كل من سوريا ومنظمتي حماس وحزب الله فتتساقط الصواريخ على “إسرائيل” من الشمال والجنوب في اللحظة نفسها, وسينجح تحالف إيران وسوريا وحزب الله وحماس في إلحاق أضرار كارثية ب”إسرائيل” حيث تتشجع دول عربية أخرى على دخول الحرب واقتناص الفرصة لتدمير “إسرائيل”، فتدخل السعودية ومصر طرفين في الحرب، التي ستحدث أثناءها تغييرات في هرم الحكم بمصر والسعودية حيث سيبتعد رؤساء وملوك عرب عن الحكم في بلادهم وتلغي مصر اتفاقية كامب ديفيد وتفتح باب الجهاد ضد “إسرائيل”, وفي هذه الحرب ستتعرض المدن الإسرائيلية لضربات صاروخية لم تعرف “إسرائيل” مثلها من قبل. إذاً فتصريحات كيسنجر تلك ليست أكثر من كهانة رجل عجوز يحاول تعلم الطالع وقراءة النجوم في مرحلة عمرية متأخرة, وقد تأثر بخرافات سياسية ودينية كأمثال أصدقائه من الحاخامات اليهودية, لا يمكن بحال من الأحوال “والعلم لله طبعاً” أن تتحقق قريباً في ظل الأوضاع الدولية الراهنة, وخصوصاً أن “إسرائيل” اليوم تعد قوة نووية وعسكرية لا يستهان بها رغم فشلها الذريع في العديد من الحروب التي خاضتها وخصوصاً في لبنان وهذا من جهة. أما من جهة أخرى فكلنا يعلم أن وراء “إسرائيل” اليوم تقف العديد من الدول الكبرى في العالم, وعلى رأسها القوة العظمى الأولى، أي الولايات المتحدة الأميركية, وهي تعد القفاز الذي يحمي تلك المستعمرة, ومن الصعب أن تسقط “إسرائيل” قبل انهيار الولايات المتحدة الأميركية بالكامل وعجزها عن الدفاع عن طفلها المدلل, والذي لا يمكن بحال من الأحوال توقع حدوثه بناء على المعطيات الدولية الراهنة في القريب العاجل أو حتى المدى الزمني المتوسط. وبالتالي فإن التكهن بزوال “إسرائيل” بحسب تصريحات كيسنجر سالفة الذكر, وخصوصاً أنه حدد وقتاً تقديرياً نهائياً لذلك, ليس له أي مصداقية علمية ولا عقلية ولا حتى نقلية, ولا يمكن أن يوضع في خانة الإمكانية الاحتمالية من الناحيتين الجيوسياسية والجيواستراتيجية في ظل الأوضاع الدولية الراهنة على أقل تقدير, كما أنها – أي تلك التصريحات – تناقض وبشكل واضح مع تصريحاته الصحفية السابقة, والتي نقلتها عنه صحيفة الديلي سكيب الأميركية, والتي تشير إلى سيطرة الولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل” على الشرق الأوسط… (هذا والله أعلم). * باحث في الشؤون السياسية – رئيس تحرير مجلة السياسي المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية
قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

آخر الأخبار